الرؤية نيوز

صحيفة لندنية:تلويح حمدوك بالاستقالة يربك حسابات العسكريين والمدنيين في السودان

0

الخرطوم – وجد رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك في التلويح بالاستقالة من منصبه أخيرا وسيلة فعالة للضغط على من يعرقلون مهمته لضبط الأوضاع المختلة، لكن جاءت غالبية ردود الفعل على رغبته في التخلي عن رئاسة الحكومة غير مرحبة، فقد تدخل البلاد في المزيد من التدهور السياسي والأمني.

وانزعج رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان من تداول مقربين من رئيس الحكومة نيته في الاستقالة، وسارع في وقت مبكر الأربعاء إلى عقد اجتماع مع حمدوك لبحث الموقف وإيجاد مخرج لحل الخلافات معه، لأن انسحابه من المشهد السياسي يخلط أوراق العسكريين والمدنيين وقوى خارجية راهنت عليه.

وأشارت المعلومات التي خرجت عقب الاجتماع إلى عدول حمدوك عن الاستقالة حفاظا على استقرار البلاد، وبعد أن تلقى تطمينات بإزالة العراقيل أمام حكومته وممارسة مهامه بطريقة مريحة.

وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن قلق البرهان من استقالة حمدوك منبعه الغضب المحتمل من قبل جهات خارجية مؤثرة أكدت دعمها لحمدوك ولن تسمح لمن يضعون العقبات في طريقه ليربحوا الجولة الجديدة، وهي الرسالة التي وصلت إلى الجيش عبر بيان أصدرته الخارجية الأميركية منذ نحو أسبوع شدد على دعم المتظاهرين.

محمد شناوي: وجود حمدوك يمنح البرهان المزيد من الحلول السياسية

وأضافت المصادر أن خروج حمدوك من المشهد بطريقة توحي بأن الجيش لم يسمح له بممارسة دوره بحرية ولا يتعاون معه في تطبيق الاتفاق السياسي الموقع في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي يحرج المؤسسة العسكرية، ويعني أنها على وشك الدخول في صدام مع قوى كبرى تراها أحد أسباب اشتداد الأزمة الراهنة.

وسعت قوى سياسية عديدة الأربعاء لإقناع حمدوك باستكمال مشواره السياسي وتوظيف مرونته المعهودة في العمل على تشكيل حكومة تتوافر لها معطيات تمكنها من أداء دورها على الرغم من الأجواء القاتمة المحيطة به، فلا يزال الجيش يصر على التدخل في إدارة السلطة التنفيذية وتضييق هامش الحركة أمام رئيس الحكومة.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن ‎حمدوك أبلغ شخصيات قومية ومفكرين اجتمعوا معه مؤخرا بأنه يعتزم التقدم باستقالته من منصبه، لكنهم دعوه إلى العدول عن قراره، مؤكدة أنه يريد الحصول على توافق عام بموجب الاتفاق مع البرهان، إلا أن تحركاته نحو القوى السياسية التي ترفض التعاون مع العسكريين تتعثر.

وذكر المحلل السياسي السوداني مجدي عبدالعزيز أن البرهان يحرص على استمرار حمدوك في موقعة وفاء للاتفاق الموقع بينهما، ويحاول تجاوز المعوقات العديدة التي تواجه إنزاله على الأرض، حيث هناك رغبة داخل الجيش لتمكين حمدوك من النجاح في تشكيل حكومة كفاءات انتقالية يمكن أن تسهم في تهدئة الشارع.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن حمدوك يواجه جملة من التعقيدات الخطيرة، فالحوار الذي فتحه مع حاضنته القديمة (قوى الحرية والتغيير) إلى جانب بعض القوى السياسية الأخرى لم يسفر عن توافق بشأن تشكيل الحكومة الجديدة التي مضى أكثر من شهر على اتفاقه مع البرهان ولم تر النور.

ويرى تحالف الحرية والتغيير، جناح المجلس المركزي، أهمية كبيرة في أن تكون الحكومة الجديدة بعيدة عن المحاصصة السياسية، ومن الضروري أن يجري تشكيلها بمعزل عن قادة الحركات المسلحة الموقعين على اتفاق جوبا للسلام والتي يحتفظ الوزراء التابعون لها بمواقعهم في الحكومة المنتظرة.

وأشار عبدالعزيز إلى أن المكون العسكري يرى أهمية في مشاركة الحركات في الحكومة التزاماً باتفاق جوبا، وأن مطالب المكون المدني تمثل خرقًا للاتفاق الذي لم ينفذ حتى الآن على الأرض، وهو ما يشي بأن حمدوك “أراد الضغط على الأطراف المختلفة لتقديم تنازلات تساعده على المضي قُدماً في تنفيذ مشروع السلطة المدنية”.

وقالت المصادر السودانية ذاتها لـ”العرب” إن استقالة حمدوك في الوقت الحالي “غير ممكنة لأن عودته لم تكن بالأمر الهيّن، وتدخلت قوى إقليمية ودولية متباينة على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والإمارات والسعودية للضغط من أجل القبول به رئيسًا للوزراء، وجاء تلويحه بالاستقالة كي يجني مكاسب ويدق جرس إنذار بإمكانية الدخول في دوامة من الفوضى في ظل صعوبة التوافق على شخصية أخرى”.

حمدوك يخلط أوراق المؤسسة العسكرية
وأوضح الكاتب السوداني محمد شناوي أن وجود حمدوك في معادلة السلطة الانتقالية يمنح البرهان المزيد من الحلول السياسية التي يمكن أن يستخدمها للبقاء في السلطة إلى حين إجراء الانتخابات، وهناك قناعة لدى دوائر عسكرية بأن عودة حمدوك مرة أخرى أسهمت في تهدئة خطاب الشارع، حتى لو استمرت المظاهرات المليونية التي تراجع أعداد المشاركين فيها، ويجب التفاهم معه.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن البرهان يتعمد أن تكون الكثير من أوراق الفترة الانتقالية في يده، وجاءت غالبية القرارات المتخذة في الفترة الماضية من خلاله، ومع التلويح بالاستقالة من المتوقع أن يكون حمدوك أكثر حضوراً على مستوى القرارات التنفيذية دون أن يتعلق الأمر بمكانة الجيش كسلطة حامية للانتقال الديمقراطي.

وأعاد حمدوك تعيين لقمان أحمد محمد مديرا للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الذي استبعده مجلس السيادة وكلف بدلا منه إبراهيم محمد إبراهيم بحجة أن هذه الهيئة تخضع لسلطة إدارة التوجيه المعنوي التابعة للجيش.

وأعفت الحكومة القائمين بمهام إدارة الولايات في البلاد من مهامهم وتم تعيين آخرين في مسعى لتعزيز الحوار السياسي وفرض سلطتها بمعزل عن الجيش، كما أصدرت وزيرة الحكم اللامركزي بالسودان بثينة دينار قراراً يقضي بإعفاء الأمناء العامين لحكومات ولايات البلاد الـ18 وتكليف آخرين بدلا منهم.

وتسبب تدخل المكون العسكري في بعض التعيينات وإقالة موظفين بالخدمة العامة في غضب حمدوك الذي لم يستطع كتمانه كثيرا، وهناك إدارات قد عزلها رئيس الحكومة واستبدلها بأخرى تابعة له مباشرة.

ولا يزال حمدوك فاقدا للقدرة على التوافق مع قطاعات واسعة في قوى الحرية والتغيير تصمم على استمرار المظاهرات لإسقاط اتفاقه السياسي مع البرهان، ولذلك يعمل على التوصل إلى قواسم مشتركة معها للمحافظة على ظهيره السياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!