سهير عبدالرحيم تكتب: رحلة الولايات ( مروي -دنقلا)
غادرنا عطبرة الصمود عقب التدشين و قرع جرس الإمتحان إيذاناً ببداية إمتحانات الشهادة السودانية ، يممنا وجهنا شطر دنقلا ، لم ينس أهالي عطبرة تزويدنا بقارورات المياه الصحية و المشروبات الغازية ، بل أن الشاب الشهم عاطف علي إبراهيم لحق بنا و هو يحمل بعض الأدوية لنا بعد أن أصابنا شيء من الإعياء و الرهق .
استقبلنا نخيل القرير على الطريق و هو يوثق لجمال. المنطقة ، وهبت علينا رياح مساوي و هي تفتح نفاجاً للروح و عند ( أوسلي الولوفة متمني أشوفها أسمع روائع ود أبنعوف ) كما قال الشاعر.
عند مشارف قرية ( أوسلي ) مسقط رأس والدي الحبيب عليه رحمة الله ورضوانه و جعل الله قبره روضة من رياض الجنة .. عند مشارف القرية و السيارة تطوي الطريق كلمح البصر لمحنا من على البعد شبح ثلاث رجال .
حين إقتربنا منهم وجدناهم تلميذين من التلاميذ الممتحنين للشهادة السودانية ومعهم أستاذ ، دون أن أشعر صفقت بكلتا يديي وأنا أهلل للسائق شوقي أن توقف هنا ….توقف هنا .
ترجلت من السيارة و صافحت التلميذين بحرارة شديدة و حب غامر ، لا أدري هل كنت أبحث عن رائحة والدي …أم كنت أرسل رسائل على قبره أني أجتهد يا أبي كما أوصيتني على فعل الخير و ها آنذا أساهم في توصيل نفر من عشيرتك .
شعرت الرسالة وصلت قبر أبي حين طوقني الدعاء الكثير لي و لوالديّ و لزملائي ، لقد كان الفرح في عيونهم حين جلسوا داخل السيارة ووجدوا الإحتفاء من صلاح و هبه وسعيد وهيفاء وخالد و شوقي ، أحتفاءً كان حاراً ودافئاً رغم برودة السيارة.
التلميذين هما معتصم علي و أحمد عيسى يسكنان الباسا و يدرسان في مدرسة أوسلي و أستاذهما الذي كان برفقتهما هو الخليفة عثمان محمد أحمد يسكن كورتي و يدرس بمدرسة أوسلي .
أصدقك عزيزي القاريء أني لو لم أنقل في مبادرة (وصلني) غير هؤلاء الثلاثة إلى قريتهم لكفاني ، ليس ذلك من باب العنصرية لمسقط رأس أبي كما قال سعيد المصور ولكن لأني رصدت نظرة الرضا في عيونهم من شمس الشمالية و ما أدراك ما شمس الشمالية إلى تكييف السيارة ..
لقد صدق حقاً رسولنا الكريم حين أرسى لنا دعائم فضيلة فضل الظهر و نوه لها .
في الطريق فأجاني استاذ الخليفة بالقول أنتِ الصحفية سهير عبد الرحيم ، أجبته نعم …لم أكن أتوقع متابعته اللصيقة للصحف ولم يتوقع هو أن تصله مبادرة (وصلني) من الخرطوم إلى مقر عمله وتنقله من أوسلي إلى كورتي .
في الطريق نزل التلميذان في منطقة الباسا الهادئة الوديعة ، وواصلنا رفقة الأستاذ إلى منطقته كورتي وحين وصل الأستاذ أقسم علينا أن ندخل منزله و نفطر معه وقال : ( فطوري قراصة ماعندنا شيتن كتير ) ، ولكننا إعتذرنا بلطف أن رحلتنا طويلة إلى دنقلا مع وعد أن أتى بنا الزمان لدينا قراصة بي مفروكة بامية وشطة خضراء لدى الرجل.
واصلنا المسير إلى قنتي شعلة الأمل و جذوة الحب ثم و في الطريق كان المرور بـ( كرمكول ) الطيب صالح ، ولك أن تتخيل أن (موسم الهجرة إلى الشمال) يرسل لك تحايا النخيل من (دومة ود حامد) و(عرس الزين) و عبيط القرية .
خارج السور:
واصلنا إلى دنقلا وفي الطريق الممتد لا شيء ينبئك بأن التنمية مرت من هنا سوى الشارع الأسفلتي …الشارع فقط وسط صحراء ممتدة بحجم الأفق ، وكما قال لي السائق شوقي ..قد تمر ساعتين وأنت تقود في الطريق دون أن تشاهد سيارةً أو أنساناً أو حيواناً أو حتى طيراً ….لا تنمية على الإطلاق.
نواصل