مدينة الأبيض.. حكاية مدينة استراتيجية تحت حصار قاسٍ من قبل الدعم السريع منذ أشهر
تتعرض مدينة الأبيض السودانية، غربيّ البلاد، منذ أشهر، لحصار قاسٍ من قبل قوات الدعم السريع، ما أثر كثيراً في حياة السكان.
ومدينة الأبيض، مركز ولاية شمال كردفان، على بعد نحو 400 كيلومتر من العاصمة الخرطوم، واحدة من كبريات المدن السودانية، وتتمتع بموقع استراتيجي في وسط البلاد، وتربط ولاية شمال كردفان عامة، بعدد من الولايات الأخرى، وتحدّها جنوباً ولاية جنوب كردفان، وغرباً ولاية غرب كردفان، وشرقاً ولاية النيل الأبيض، وشمالاً كل من نهر النيل والشمالية وشمال دارفور. كذلك، ترتبط المدينة بأهم طريق بري، هو طريق الصادرات، وتتمتع بميزات اقتصادية عديدة، حيث تحتضن أكبر سوق للصمغ العربي على مستوى العالم، وأسواق أخرى للمحاصيل والماشية. وتتعايش عديد من القبائل مثل البديرية والشويحات والمسيرية والرزقيات والهوسة ومعظم القبائل السودانية الأخرى، منذ عقود طويلة، في المدينة التاريخية، التي ارتبطت ارتباطاً قوياً بثورة الإمام محمد أحمد المهدي على الحكم التركي المصري 1821-1885.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 إبريل/نيسان الماضي، كانت مدينة الأبيض واحدة من المدن التي شهدت معارك ضارية بين الطرفين منذ اليوم الأول للحرب.
وفي المدينة، حيث تمركزت قوات الدعم السريع حول أطرافها بينما يتمركز الجيش بمقر الفرقة الخامسة مشاة المعروفة بالهجانة، أودت الاشتباكات بحياة العشرات من الأشخاص، وشردت آخرين، ودمرت بنى تحتية، ولم يستطع أي من الفريقين إلحاق الهزيمة بالآخر، فاستمرت بعد ذلك المناوشات مترافقة مع عمليات نهب طاولت الأسواق ومخازن عدد من الجهات مثل مخازن لبرنامج الغذاء العالمي وأخرى تابعة لبنوك.
وبمرور الأيام وجدت مدينة الأبيض نفسها تحت حصار من قبل قوات الدعم السريع عبر مداخلها الرئيسية. وفي بعض الطرق نصبت المليشيا نقاط تفتيش للمسافرين بحثاً عن منتسبين إلى الجيش، وفرضت رسوم عبور على المركبات في بعض الطرق.
يقول عبد الله بشير، أحد سكان المدينة، وعضو بلجان المقاومة السودانية، إن المدينة تعيش أوضاعاً صعبة في ظل الحصار، خصوصاً مع انقطاع خدمة المياه عن جزء كبيرة منها منذ أكثر من شهرين، وتتراجع الأوضاع الصحية نتيجة لدخول بعض الكوادر الطبية في إضراب، لعدم سداد مستحقاتهم المالية.
وزاد الوضع الصحي تعقيداً، دخول الخريف وما صاحبه من أمراض نتيجة لانتشار البعوض والذباب، وعدم قيام السلطات المحلية بواجبها في ردم البرك وفتح الصرف الصحي.
ويضيف بشير لـ”العربي الجديد”، أن الحصول على لقمة العيش بات صعباً نتيجة للتردي العام وإغلاق البنوك وفشل السلطات في صرف رواتب الموظفين، مشيراً إلى ارتفاع في أسعار عدد من السلع الضرورية، وندرة في المشتقات البترولية إثر إغلاق محطات الوقود.
ولفت إلى وجود نشاط لمنظمات المجتمع المدني، وخصوصاً في معسكرات النزوح التي نشأت نتيجة للاشتباكات. كذلك، يتحرك زعماء القبائل لتخفيف حدة التوتر، وفي الوقت نفسه لتخفيف المعاناة بمحاولة حل الأزمة في الإنتاج الكهربائي.
يفصل قرشي عوض، أحد السكان، أكثر عن آثار الحصار على المدينة، ويشير إلى أن البضائع تدخل للمدينة بطرق غير معهودة، لذا تصل بكميات أقل وتزيد أسعارها، مبيناً أن المدينة كانت تحصل على بعض الاحتياجات من تجمع لقوى البركة التي يصل عددها إلى 18 قرية، نزح جميع سكانها إلى الأبيض ومدن أخرى بعد الاشتباكات.
وأضاف عوض لـ”العربي الجديد” أن وجود قوات الدعم السريع في مناطق مصادر المياه خلق أزمة مياه حادة في الأسابيع الماضية.
وقال: “تحتاج أسرتي إلى 3 آلاف جنيه يومياً، نحو 6 دولارات، لشراء حاجتها من مياه الشرب وللأغراض الأخرى”.
وسبّب القصف المتبادل في الأيام الأولى تعطيل محول رئيسي للكهرباء وتوقف الخدمة لأسابيع قبل عودتها في الأيام الماضية، علماً أنه في أي لحظة يمكن أن تتضرر مرة أخرى.
ونبّه عوض لأزمة عدم صرف رواتب الموظفين، وهي أساس حركة السوق الذي يعتمد على الطبقة الوسطى، محذراً من تبعات الحرب بتوقف المزارعين عن الزراعة، ما يترك أثراً في المستقبل القريب.
ولفت عوض إلى أن حركة النزوح إلى المدينة من مناطق أكثر توتراً، تسبب ضغطاً على الخدمات العامة، بما في ذلك الخدمات العلاجية التي تفاقمت أزمتها بإضراب الأطباء الذين يطالبون بالحد الأدنى بتوفير وجبة لهم إن لم تصرف رواتبهم.
وأشار إلى جهد شعبي تطوعي لتشغيل المستوصفات الطبية، بادرت إليه الكوادر الطبية وساعدهم الأهالي بالتبرعات المالية لتوفير المحاليل الوريدية وغيرها من الأدوية. كذلك، حولت لجان المقاومة عيادات ميدانية كانت تستخدمها أيام المواكب، إلى معسكرات النازحين، فيما وفرت وزارة الصحة الولائية بعض الأدوية.
في الشق الأمني، يقول قرشي عوض، إنه مع الانتشار الضعيف لقوات الشرطة، أقام الأهالي ارتكازات أمنية قوامها شباب الأحياء لحمايتها من عمليات النهب، ما منع الانفلات الأمني الذي وقع في العاصمة الخرطوم.
من جهته، يوضح المحلل السياسي وليد زكريا لـ”العربي الجديد”، أن قوات الدعم السريع حريصة جداً على السيطرة على مدينة الأبيض لأهميتها الاستراتيجية، بعد إحكام حصارها عليها بعدد من الجهات.
وقال زكريا إن السيطرة على المدينة تعني تأمين خط إمداد رئيس للدعم السريع من دارفور وقطع الطريق على أي إمداد للجيش من جنوب وغرب كردفان أو أي من الولايات الغربية.
المدينة لديها تاريخ طويل في التعايش السلمي بين مكوناتها الاجتماعية، بدليل أن السكان شكلوا مجموعات لحماية الأهالي من عمليات السلب والنهب، كما صمدوا رغم ظروف الحصار الصعبة، ولم يغادر المدينة إلا القليل.
وأوضح أن الأبيض تزداد أهميتها الاستراتيجية لأنها رابط بين كثير من الولايات عدا عن وجود أكبر سوق للصمغ العربي في العالم في المدينة، ويمر بها خط أنابيب النفط، وفيها مصفاة للتكرير وقاعدة جوية تابعة للجيش السوداني كانت تدار منها الضربات الجوية منذ حرب جنوب السودان، وكذلك الحرب في دارفور.
ويراهن اللواء المتقاعد فيصل محمد الحسن، على صمود قوات الهجانة وتحركات المواطنين للحيلولة دون سقوط مدينة الأبيض في يد الدعم السريع، هذا غير التحركات المستمرة لزعماء القبائل في المدينة، للحيلولة دون استمرار القتال.
وبيّن الحسن لـ”العربي الجديد”، أن تلك التحركات أدت إلى الهدوء الحاصل هذه الأيام، والعودة الجزئية لخدمات الكهرباء والمياه، مضيفاً أن المدينة لديها تاريخ طويل في التعايش السلمي بين مكوناتها الاجتماعية، بدليل أن السكان شكلوا مجموعات لحماية الأهالي من عمليات السلب والنهب، وصمدوا رغم ظروف الحصار الصعبة، ولم يغادر المدينة إلا القليل.
وشدد على أهمية وجود خطة محكمة من جانب الجيش لحماية المدينة الاستراتيجية، مشيداً بـ”بسالة جنود الفرقة الخامسة “الهجانة”، ومحاولتهم المستمرة لفك الحصار عن المدينة”.
العربي الجديد