صديق تاور يكشف عن الخلافات التي أشعلت الحرب بين الجيش والدعم السريع
سبوتنيك – دخلت الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، شهرها الرابع في العاصمة الخرطوم، ولا تزال الدماء تسيل والتدمير لا يتوقف، مئات الآلاف تحولوا بين عشية وضحاها إلى نازحين أو لاجئين، تحولت العاصمة إلى مدينة أشباح يلفها الصمت الذي تقطعه طلقات الرصاص، دونما أمل واضح في انتهاء تلك الحرب في توقيت محدد.
حول أسباب الصراع والخلافات التي سبقت تلك المواجهات، وسر انقلاب البرهان وحميدتي من الموالاة إلى العداء، ودور القوى المدنية والسيناريوهات المتوقعة للحل…أجرت وكالة “سبوتنيك”، المقابلة التالية مع الدكتور الصديق تاور، عضو مجلس السيادة السوداني السابق قبل انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
إلى نص الحوار…
بداية.. بصفتكم عضو في مجلس السيادة السوداني قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021، متى بدأت الخلافات بين رئيس المجلس الفريق البرهان ونائبه الفريق حميدتي قائد الدعم السريع؟
أثناء فترة الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، وقبل الانقلاب، كانت تظهر بعض التوترات ما بين قائد الدعم السريع (حميدتي) وبعض قادة الجيش، ووصلت تلك التوترات والخلافات ذروتها في يوليو (تموز) من العام 2021، أي قبل أشهر قليلة من الانقلاب، فقد حدث نزاع بين حميدتي والمكون العسكري في مجلس السيادة في ذلك الوقت، كاد يصل إلى المواجهة المسلحة، لكن تدخلت القوى المدنية واستطاعت أن تحتوي النزاع وتقوم بالتهدئة.
وتابع: “بعد هذا الموقف كان سور القيادة العامة للجيش مكشوفا بشكل طبيعي فتم تشييده بالخرسانة المسلحة، وهذا كان أحد المؤشرات التي تشير إلى حتمية النزاع وإن تم تأجيله لبعض الوقت، ففي مرحلة من المراحل كان كل طرف من طرفي النزاع الحالي يشعر أن هناك مواجهة، وسادت حالة من التربص”.
في بداية تشكيل مجلس السيادة كانت الدلائل تشير إلى توافق كبير بين البرهان وحميدتي.. ماذا جرى؟
كانت هناك مساندة قوية من جانب عبد الفتاح البرهان لـ قائد الدعم السريع (حميدتي) في البداية، ولم تكن مساندة البرهان محل رضاء من قبل العسكريين الآخرين في المجلس السيادي، وإن لم يعبروا عن عدم الرضا نظرا لترتيب الرتب العسكرية في الجيش، وهذا التقارب بين البرهان وحميدتي جعل البرهان يسهل للدعم السريع الاستيلاء على الكثير من مقرات ومواقع جهاز الأمن المحلول في ذلك الوقت، وبعد أكثر من عام من التقارب بينهما، حدثت بعض الخلافات غير المعلومة الأسباب، ولو عدنا لما قبل الانقلاب نجد أن التقارب كان موجود وكانت هناك مساحات للعودة باعتبار الطرفين مكون عسكري واحد، وبعدها قام المكون العسكري والذي يشمل الدعم السريع بعملية الانقلاب، ولم تظهر الخلافات بشكل علني إلا بعد الانقلاب، ويبدو أن أساس الخلاف بعد 25 أكتوبر كان حول الهدف من الانقلاب، وأن حميدتي شعر وقتها أنه تم استخدامه لإنجاح الانقلاب، وبعدها بدأ البرهان في تمرير أجندته الخاصة باستعادة النظام القديم (نظام عمر البشير)، في ذلك الوقت كانت هناك مخاوف لدى الدعم السريع من عودة النظام السابق، الذي يرى قادته أن حميدتي خذلهم وسار مع كفة التغيير وقت الثورة، لكي يضمن لنفسه موقعا ومستقبلا.
هل حدثت الخلافات بين البرهان وحميدتي قبل 25 أكتوبر 2021 (الانقلاب) أم بعد هذا التاريخ؟
قبل الانقلاب في 25 أكتوبر 2021، كان البرهان وحميدتي يدًا واحدة في مواجهة المكون المدني بخلق العراقيل وهزيمة الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتهيئة الظروف للانقضاض عليها، حيث عمل الطرفان سويا يدا بيد لإفشال حكومة حمدوك وتعجيزها في الداخل، ولم يكن لدى البرهان أو حميدتي أي ثقة في السلطة المدنية في ذلك الوقت، ولم يكن لديهم أي حرص على نجاح واستمرار تلك الحكومة، بل كانوا يطمحون إلى إعادة السلطة التي تمت إزاحتها في أبريل (نيسان) 2019.
ظهرت الخلافات بين البرهان وحميدتي بعد الانقلاب، حيث شعر حميدتي أنه قد تم استغفاله واستخدامه في دعم الانقلاب، وبعدها أصبح للبرهان ارتباطاته وأجندته مع الإسلاميين (نظام البشير)، ويسعى أن يعيدهم إلى موقع السلطة، في الوقت نفسه كان لدى (حميدتي) أسبابه الخاصة في معاداة الإسلاميين ونظام عمر البشير، حيث يعتقد حميدتي أن بينهم ثارات وأن هناك تربص بالدعم السريع، ويرى أنه يمكن أن ينتقموا منه في أي وقت، لذا فإنه بعد 25 أكتوبر بدأت الخلافات الحقيقية بين البرهان وحميدتي، سواء في الأجندة أو المصالح وأيضا فيما يتعلق بالنفوذ والسيطرة والقيادة، تلك هى الأسباب التي قامت بتغذية العداء بين الطرفين، ولم تكن هناك فرصة لأي قوى مدنية، لأنها تحولت إلى معارضة بعد الانقلاب.
كيف يمكنك توصيف الصراع العسكري الذي دخل اليوم شهره الرابع بين الجيش والدعم السريع؟
الصراع الحالي هو صراع داخل معسكر الانقلاب العسكري الذي انقلب على السلطة المدنية التي كانت قائمة قبل 25 أكتوبر 2021.
هل كانت هناك شواهد على الأرض قبل 15 أبريل 2023 تشير إلى أن صداما وشيكا قد يحدث بين الجيش والدعم السريع؟
كانت هناك مقدمات ومؤشرات للخلاف بين الطرفين، وبدا واضحا أن كل من البرهان وحميدتي يحاول الاستقواء بقاعدة اجتماعية وجهوية معينة، حيث كان البرهان يعمل على الاستقواء بقاعدته الاجتماعية والجهوية في نهر النيل الشمالية، فقد كان يسافر إلى تلك المناطق في كل المناسبات الاجتماعية ويطلق الرسائل السياسية، كذلك الحال بالنسبة لقائد الدعم السريع (حميدتي)، فقد كان يلجأ إلى غرب السودان وقد أمضى نحو ثلاثة أشهر في دارفور بحجة إجراء مصالحات اجتماعية، لكنه كان يرتب ويحشد قواعد اجتماعية للاستقواء بها، تلك الترتيبات والاستعدادات استمرت لعدة أشهر قبل اندلاع المواجهات.
أين كان المكون المدني أو الأطراف المدنية مما يجري في ذلك الوقت؟
الأطراف المدنية في تلك المرحلة التي كانت تتم فيها الترتيبات من الطرفين (البرهان وحميدتي)، حاولت أن تجتهد وتجد حلا للأزمة السياسية بشكل عام لإسقاط الانقلاب بالكامل وإبعاد المؤسسة العسكرية بكل تشكيلاتها ومكوناتها عن العمل السياسي وصرفها لتأدية مهامها المنصوص عليها دستوريا، ونظرا لأن طرفي النزاع لديهما الرغبة في السلطة وليس في ممارسة المهام الموكلة لهما قانونا، لذا ظلا يبحثان عن دور سياسي، فكانا يعلنان المرة تلو الأخرى بأنهما لن يتركا السلطة بشكل كامل وإذا انسحبا فسوف يحتفظان ببعض السلطات ذات الطبيعة السيادية والعلاقات الخارجية والاقتصادية وغيرها، لذا فإن السبب الأساسي للحرب الدائرة الآن، أن كلا من البرهان وحميدتي كان يريد الاحتفاظ بدور سياسي سلطوي خلال الفترة الانتقالية، سواء كان الدور بشكل منفرد أو عن طريق المشاركة مع الطرف الآخر.
سادت حالة من التفاؤل بعد الإعلان عن الاتفاق الإطاري.. لماذا تم الاختلاف عليه؟
الاتفاق الإطاري شكل نقطة افتراق بين الجيش والدعم السريع، حيث أن هذا الاتفاق الإطاري منذ البداية تمت إدارته بطريقة فتحت الثغرات أمام بعض الجهات للتفكير في العودة إلى الحكم مجددا، حيث كان البرهان يبحث عن حاضنة سياسية يستند عليها باسم الجيش، تلك الحاضنة السياسية كانت كلها من فلول النظام البائد، سواء كانت قيادات سياسية أو زعامات طائفية، وبالفعل أوجد ما أطلق عليه (الكتلة الديمقراطية) والتي كانت تدعمه بالفعل، وبالتالي لم يكن البرهان حريصا على أن يحدث انتقال مدني للسلطة.
وتابع: “في المقابل لم يكن حميدتي أيضا حريص على حدوث انتقال مدني للسلطة، لكنه كان يحتاج إلى بعض العلاقات السياسية، لذا حاول أن يمد جسورا مع بعض المكونات في كتلة المجلس المركزي من خلال الموافقة على الاتفاق الإطاري من باب تقوية العلاقات مع هذه المجموعة، رغم أن هناك عيوبا كبيرة بالاتفاق الإطاري أهمها، أنه لم يكن حاسما فيما يتعلق بإبعاد المؤسسة العسكرية بكل مكوناتها، ولم يكن الاتفاق الإطاري جريئا في إدانة الانقلاب العسكري الذي أعاد عقارب الساعة إلى الوراء، وكان يفترض تعيين قيادة مدنية لما يتبق من المرحلة الانتقالية.
كانت هناك قوى مدنية مشاركة في التوقيع على الاتفاق الإطاري وليس العسكريين فقط.. لماذا لم نسمع اعتراضات بصوت عالٍ؟
مجموعة المجلس المركزي للحرية والتغيير التي طرحت الاتفاق الإطاري كانت تسعى إلى تسوية تعود بها إلى السلطة بمشاركة حميدتي والبرهان، في الوقت الذي لم يكن هناك ترحيب من البرهان و حميدتي بعودة السلطة المدنية ولا حريصين على تلك القوى الداعمة للثورة.
هل الصراع في السودان تحركه قوى الداخل فقط.. أم هناك من يعبث باستقرار البلاد؟
التدخل الخارجي في الشأن السوداني كان أقوى وأكثر تأثيرا من العامل الداخلي، لأن التدخل الخارجي تم من أجل إفساد الحراك الداخلي الذي كان يسير بخطوات قوية في كل مدن السودان بشكل منتظم مناهض للانقلاب، وكان هذا الحراك قادرا على إسقاط الانقلاب، لكن ظهرت الوساطات الثلاثية والرباعية لإضعاف هذا الحراك المدني القوي، الذي كان سيستأنف مسيرة التحول الديمقراطي بما يخدم أهداف الثورة، لذا كانت كل التدخلات الخارجية تضغط من أجل حل للأزمة وفق رؤيتهم وليس الرؤية السودانية التي تقول أن الثورة هى الوحيدة صاحبة الحق في قيادة المشهد السياسي، وفق الرؤية الجماهيرية المتفق عليها.
لماذا كانت هناك مطالبات بطرد المبعوث الأممي للسودان (فولكر) قبل بداية الحرب؟
الأطراف الدولية بداية من فولكر نفسه وبعض الأطراف الأخرى، وعن طريق التواطؤ الداخلي من بعض مكونات الحرية والتغيير، المجلس المركزي أو غيرها، جميعهم كانوا يسعون إلى إدماج النظام القديم مع قوى الثورة في سلطة واحدة لكي تحقق أهداف الثورة، رغم أن النظام السابق هم قوى الثورة المضادة.
هل كان طرفي النزاع في السودان يقدرون مواقفهم وقدراتهم العسكرية جيدا قبل الحرب؟
كل طرف من أطراف النزاع (الجيش والدعم السريع) كان يثق في قدراته قبل اندلاع الحرب بصورة عمياء ويستهين بالطرف الآخر، ومنهم من كان يقول بأن المعركة سوف تحسم في ساعات ومنهم من حدد بأن زمن المعركة 4 ساعات وبعضهم صرح بأن حسم المعركة لن يزيد عن أسبوع، ولم يضع أي طرف في حساباته احتمالية أن تطول المعارك طوال تلك الأشهر، صحيح أن المعارك تدور في العاصمة الخرطوم، لكن لها امتدادات في الولايات، كما أن هناك الكثير من المعلومات الغائبة عن المشهد ومنها الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بأن كل منهما كان يخطط للانقلاب على الآخر.
لماذا تم اختيار الخرطوم دون باقي الولايات لتلك المواجهات؟
هناك سوء تقدير في عملية الاختيار، لأن العاصمة الخرطوم يقطنها تقريبا ثلث سكان السودان، علاوة على أن فيها كل مؤسسات الدولة، لذا فإن تحويل العاصمة إلى مسرح للمواجهات المسلحة هو خطأ كبير جدا، لذلك نجد الطرفين بعد دخول المعارك شهرها الرابع نستطيع القول: أن الجيش والدعم السريع الآن في مرحلة توازن الوهن أو الضعف بعد استنزاف قدراتهم العسكرية، وكانت أكبر هزيمة للطرفين هى ردة فعل المواطن السوداني، حيث تفاجأ الجميع بتلك الحرب، لم يتخيل أحد أن تدور حرب بهذا العنف داخل العاصمة دون مراعاة المدنيين والبنية التحتية والمنشآت الاقتصادية وغيرها، دون أدنى مراعاة اخلاقية أو قانونية، لذا كانت هناك إدانة من غالبية الشعب لهذا السلوك العبثي والهمجي.
متى يجنح طرفي الصراع إلى السلام ووقف الاقتتال حقنا للدماء؟
في اعتقادي وبعد دخول المواجهات شهرها الرابع أصبح الطرفين على يقين بأنه لا منتصر عسكريا ولا سياسيا ولا حتى أخلاقيا في تلك الحرب، ولا توجد لدى الطرفين قدرة على الاستمرار ولا سلطة على الأرض تدير الدولة، وبرأيي أصبحت هناك قناعة بأن كل طرف لن يستطيع تحقيق الهدف الذي دخل من أجله تلك الحرب، الطرفان الآن أصبحا مكشوفي الظهر أمام الشعب السوداني والعالم، لأنها حرب بلا هدف وكل نتائجها خسارة بالنسبة للسودان، لذلك ليس أمامهما خيار سوى قبول أخف الأضرار والقبول بتسويات للنزاع بشكل غير مخيف، رغم ذلك هناك تفاؤل بعودة المفاوضات أملا في وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية والإنسانية، وفي تقديري أن تقدما إيجابيا سوف يحدث هذه المرة.
هل سيخرج المكون المدني رابحا من تلك الحرب بعد صراع المكون العسكري؟
المطلوب من المكون المدني في المرحلة القادمة من التسوية أن يملأ الفراغ السياسي الذي سوف يحدث مع وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، لذا يجب أن يكون مستعدا لإدارة البلاد في مرحلة ما بعد الحرب، لكن هذا المكون نفسه به الكثير من المشاكل والمناكفات والخلافات في وجهات النظر حول التعامل مع الأزمة بنفس الأسلوب والعقلية، التي أنتجت تلك الأزمة التي أوصلت البلاد إلى تلك الحرب، لذا فالمطلوب اليوم التقاء كل القوى المدنية السودانية باستثناء عناصر النظام البائد لتتولى المرحلة وتعيد الأوضاع إلى صورتها الطبيعية، ثم يتم بعد ذلك استئناف برنامج انتقالي لفترة لا تتجاوز العام ليرتب للانتخابات والوضع الدائم في البلاد.
أجرى الحوار/ أحمد عبد الوهاب (سبوتنيك)