أكثر من مجرد وساطة.. لماذا تتنافس مصر وإثيوبيا لحل الأزمة السودانية؟.. ومَن أحق بالوساطة؟
اخبار السودان
اخبار السودان » السودان عاجل » أكثر من مجرد وساطة.. لماذا تتنافس مصر وإثيوبيا لحل الأزمة السودانية؟ الصراع على سفينة.. مَن أحق بالوساطة؟ تغرق
السودان الان • السودان عاجل
أكثر من مجرد وساطة.. لماذا تتنافس مصر وإثيوبيا لحل الأزمة السودانية؟ الصراع على سفينة.. مَن أحق بالوساطة؟ تغرق
تم النشر منذُ 34 ثانيةاضف تعليقاًمصدر الخبر / قناة الجزيرة
مصدر الخبر / قناة الجزيرة
بعد تعليق مباحثات جدة، التي أظهرت تعثُّرا في حل الأزمة السودانية الممتدة منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، دخلت مصر وإثيوبيا في تنافس محموم، مُعلن وخفي، عبر لقاءات ممتدة مع طرفي الصراع، لمحاولة انتزاع موافقة من قادة الجيش وقوات الدعم السريع على مبادرة لقبول الوساطة تنتهي باتفاق لوقف إطلاق النار، يمهد لترتيبات أمنية وسياسية طويلة الأمد تشمل انسحاب المقاتلين من وسط المدن، وإقناعهم بالعودة إلى الثكنات، وبدء رسم المسار السياسي بمشاركة مدنية، أملا في إحياء الاتفاق الإطاري الموقَّع في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ترى القاهرة وأديس أبابا أنهما تمتلكان الحق الحصري البديهي في الوساطة بسبب الجيرة الجغرافية والتأثر المباشر بما يحدث في الجارة السودان في ظل كثرة الوسطاء الذين طرقوا أبواب الخرطوم، لكن مساعيهم لم تُوفق رغم امتلاكهم جزءا وافرا من مفاتح التأثير، وجعبة ممتلئة من العقوبات الجاهزة. سعت كلتا الدولتين لحجز مقعدها في التفاوض، والوصول منفردة إلى الحل، لجني ثمار وساطتها منفردة، مثلما نجحت إثيوبيا في المرة الأولى عقب الثورة، وهي التجربة التي لا تريد القاهرة تكرارها.
بالنسبة إلى مصر، لم يكن هناك سبب آخر للانتظار بعد أن أخَّرت خطواتها منعا لحدوث شرخ في الصف العربي بعد المبادرة السعودية، لكن بعد إعلان فشل المباحثات رسميا، مضت القاهرة في خطواتها على الفور، واستضافت قمة دول جوار السودان، ووجهت دعوة رسمية لإثيوبيا، لكنّ الأخيرة لم تؤكد الحضور في البداية، ولم تسعَ لإبراز أهمية التحركات المصرية، لأنها في المقابل، استضافت أول اجتماعات اللجنة الرباعية الأفريقية التي شكَّلتها قمة مجموعة “إيغاد” (IGAD) من إثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان وكينيا، على مستوى رؤساء الدول والحكومات بتمثيل أميركي، دون التفات لمبادرة القاهرة، ودون الإشارة حتى إليها.
مَن أحق بالوساطة؟
دخل الصراع المُسلح في السودان شهره الرابع، معلنا سقوط مئات الضحايا، مع إجبار نحو ثلاثة ملايين شخص على الفرار من منازلهم، بينما لجأ ما يقرب من 700 ألف شخص إلى البلدان المجاورة مثل مصر وإثيوبيا وليبيا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. ومع ارتفاع الخسائر دون وجود آفاق واضحة لحل مرتقب، بدأت الأسئلة تُثار حول هذه الحرب التي توشك أن تتحول إلى حرب أهلية ممتدة واسعة النطاق، من دون أن تتمكن أي قوة دولية من احتوائها، فرغم تدخل أطراف عدة بحثا عن مساحة نفوذ في السودان، لم تنجح أية دولة حتى الآن في أن تطرح نفسها وسيطا مقبولا لكل الأطراف المتحاربة، حتى الجهود السعودية والأميركية وصلت إلى طريق مسدود، ويُعَدُّ السبب الرئيسي لتعثر جهود الحل هو طبيعة الصراع نفسه الذي يدور في الأساس على السلطة، وليس مجرد انقسام حول رؤية وتنفيذ الاتفاق الإطاري، كما يروج كل طرف في سرديته الخاصة المُعلنة.
يرى الدكتور أمجد فريد الطيب، مساعد رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، والمستشار السياسي السابق لبعثة الأمم المتحدة في السودان، أن فشل المباحثات التي رعتها واشنطن والرياض يرجع في الأساس إلى غياب التأثير الحقيقي للوسطاء على طرفي النزاع، مؤكدا أن الوضع في السودان بات أكثر خطورة من السماح بإخفاق آخر في استعادة السلام والاستقرار والانتقال الديمقراطي المدني إلى البلاد. ولم يحدد الدكتور الطيب في حديثه لـ”ميدان” أي الدول يراها أقرب للوساطة في الأزمة، مكتفيا بالقول إن جهود الحل “يجب أن تستند إلى التحليل السليم الذي يمكن أن يحدد أدوات الوصول إلى حل سليم”، معتبرا أن أي مباحثات تتأسس على تقييم السلطة بين الطرفين المتحاربين، للانحياز إلى أحدهما، أو مداعبة طموحاتهما في الحكم، سيكون محكوما عليها بالفشل.
في ضوء تلك الفرضية، يمكننا القول إن الكثير من الوساطات المطروحة حاليا من غير المرجح أن تؤتي ثمارها، وعلى رأسها وساطة جنوب السودان ذات العلاقة المتوترة بالخرطوم بسبب استقبال جوبا لمستشار قائد قوات الدعم السريع في يونيو/حزيران الماضي، بالإضافة إلى مشكلاتها الداخلية السياسية والاقتصادية الكبيرة، ثم هناك كينيا التي باتت خارج المعادلة تماما هي الأخرى بعد رفض الحكومة السودانية رئاستها قمة “إيغاد” لحل الأزمة، وحتى وجودها ضمن الوسطاء، بسبب ما وصفته بـ”عدم حياد الرئيس الكيني”، وصداقته مع قائد قوات الدعم السريع الذي زاره في يناير/كانون الثاني الماضي، حيث سبق وحاول الرئيس الكيني إحضار حميدتي إلى قمة “إيغاد”، لكن تحركات وزارة الخارجية السودانية حالت دون ذلك، بحسب مصدر دبلوماسي لـ”الجزيرة نت”.
تبدو المنطقة مُهيَّأة إذن لاحتمالات تدخل مصري أو إثيوبي، ليس باعتبارهما القوتين الأكبر في محيطهما، والأكثر تأثيرا على المشهد السوداني فحسب، ولكن لكون استمرار الأزمة دون أفق للحل يفرض ضغوطا كبيرة في الداخل المصري والإثيوبي على السواء. يحمل الصراع السوداني إذن فصلا جديدا محتملا في التنافس بين القاهرة وأديس أبابا، القوتين اللتين راقبتا السودان عن كثب منذ الإطاحة بالبشير على أمل النجاح في جذب النخبة الجديدة في الخرطوم إلى مدارهما الجيوسياسي.
الصراع على سفينة تغرق
قبل ثلاثة أشهر من اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كانت ثمة بوادر خلاف وشقاق علنية بين العسكريين قد طفت على السطح، بسبب تباعد وجهات النظر والمصالح حول تنفيذ الاتفاق الإطاري الذي أقر بخروج الجيش عن السياسة وتسليم السلطة للمدنيين، ونص في الوقت نفسه على دمج قوات الدعم السريع داخل صفوف الجيش، وهو الملف الذي أثار عاصفة من الخلافات دفعت الطرفين إلى احتضان السلاح، بعدما اشترط البرهان دون سابق إنذار دمج قوات الدعم السريع تحت مظلة الجيش أولا، ضمن خطة إزاحة حميدتي للانفراد بالسلطة العسكرية، وهو ما رفضه الأخير مفضلا خيار التصعيد العسكري.
وبينما كان الداخل السوداني يموج باستعدادات سرية وتحركات عسكرية استعدادا لساعة المواجهة، بدأت تحركات واسعة من مصر وإثيوبيا لوضع قدم في المشهد الذي كان يبدو أنه قريب من الانفجار. استهلَّت القاهرة تحركاتها الجادة بإرسال اللواء عباس كامل مدير المخابرات المصرية، في زيارة للسودان، حيث التقى الجنرال عبد الفتاح البرهان، وعددا من القوى المدنية، في محاولة لدفع الكتل المدنية الرافضة للالتحاق بالاتفاق الإطاري.
دعت القاهرة خلال الزيارة إلى تسوية سريعة للأوضاع المحتقنة، وخصّت ائتلاف الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) الرافض للتوقيع على الاتفاق السياسي برسائلها، حيث دعته إلى جانب كتل أخرى لزيارة القاهرة، لحضور ورشة عمل حول “آفاق التحول الديمقراطي”. بيد أن المحاولة المصرية لم يُكتب لها النجاح، ذلك لأن الورشة نفسها لم تكن محل إجماع من كل القوى المدنية، وعلى رأسها ائتلاف الحرية والتغيير، فقد أظهرت الكيانات السياسية المدنية المؤثرة توجسا من أي دور مصري، كونها كانت ترى في تحركات القاهرة محاولة لتثبيت أركان الجيش في السلطة.
وفي الوقت الذي فشلت فيه مصر في إحداث أي اختراقات سياسية ناجحة قبل انطلاق دوي المدافع، كان رئيس الوزراء الإثيوبي موجودا بالفعل في الساحة، فقد كانت تحركاته وزيارته ولقاؤه بالبرهان على مرأى ومسمع من مصر، وتعمّدت أديس أبابا إرسال إشارات للقاهرة بأن المكوّن العسكري بدأ يخفف موقفه المناهض لمشروع سد النهضة، حيث تشكَّلت قناعة جديدة لدى العسكريين، كما هو واقع الحال عند القوى المدنية السودانية، بأن السد لن يسبب أي ضرر للسودان، أو على الأقل سوف تفوق منافعه المتعلقة بالحصول على الكهرباء أضراره التي يرى السودانيون أنها مُحتملة أو يمكن احتواؤها في أدنى الأحوال.
أثار هذا التحول مخاوف القاهرة من اختراق إثيوبي جديد على الساحة السودانية، يُضاف إلى النجاح السابق للمبادرة الإثيوبية عقب الإطاحة بالبشير، التي أثمرت توقيع الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، المتعلقة بالمرحلة الانتقالية في السودان، في وقت كانت فيه مصر توجه وتحشد كل تحركاتها لدعم العسكريين لعدم تسليم السلطة، وهو ما أدى إلى إضعاف فرصها في التفاوض لاحقا. نتيجة لهذا النجاح، حصدت أديس أبابا مكاسب سياسية سريعة، فإلى جانب الاحتفاء الدولي والإقليمي الذي قوبل به آبي أحمد، وجدت إثيوبيا بعد صعود عبد الله حمدوك إلى رئاسة الحكومة فرصة لتعزيز علاقتها بالسودان ما بعد البشير، والاعتماد على الصداقة التي جمعت رئيسَي الحكومتين، كي تضمن تأييد الخرطوم لإثيوبيا حال نشبت خلافات إقليمية مع القاهرة.
البشير.. درس مصر الصعب
ورغم ذلك، فإن علاقات أديس أبابا مع الخرطوم لم تخلُ من التوترات، خاصة مع المكون العسكري الذي طالما نظر إلى أديس أبابا على أنها حليف للقوى المدنية التي تحاول إبعاد العسكريين عن السلطة. وقد تصاعدت التوترات بين الطرفين مؤخرا على خلفية رفض الحكومة السودانية مخرجات قمة اللجنة الرباعية للإيغاد، التي دعت فيها إثيوبيا لنشر قوات أجنبية من شرق أفريقيا داخل الأراضي السودانية، إلى جانب تصريحات آبي أحمد حول وجود فراغ في القيادة يعاني منه السودان، وهو ما اعتبرته الحكومة عدم اعتراف بسيادتها. وإضافة إلى كل ما سبق، ظهر عائق جديد أمام التدخل الإثيوبي، تَمثَّل في رغبة أديس أبابا في إشراك كينيا في مقترحاتها للوساطة، وهو ما ترفضه السودان التي رفضت المشاركة في قمة “إيغاد” بسبب حضور الرئيس الكيني لها.
في تلك الأثناء، بدا أن مصر استوعبت بعض الدروس من مقاربتها غير الناجحة للملف السوداني في حقبة ما بعد البشير، فامتعنت على سبيل المثال منذ بداية الصراع عن الانحياز علنا إلى الجيش السوداني، رغم احتجاز رجال حميدتي لقوة مصرية، كما تواصلت بشكل شبه يومي مع قوات الدعم السريع باعتبارها طرفا في الأزمة والحل. كما زادت مصر من تحركاتها، لمحاولة إيجاد موطئ قدم لها بين القوى المدنية، لمحاولة فتح قنوات مع الجميع، دون الاكتفاء بمعسكر حلفائها التقليديين.
في النهاية، باتت مصر عقب قمة زعماء دول جوار السودان السبع الأقرب لقيادة وساطة ناجحة لحل الأزمة، نظرا لعدة اعتبارات، أولها أن الوسيط الإثيوبي بات أبعد حاليا عن هوى الحكومة السودانية بعد تصريحات نال فيها من سيادة السلطة في الخرطوم، وإصرار أديس أبابا على دخول كينيا في المفاوضات، وهو ما قابلته الخرطوم بالرفض. وعلى الجانب الآخر نالت المبادرة المصرية شبه إجماع لدى الفرقاء، كونها ارتكزت على حياد جميع الأطراف الخارجية تجاه الأزمة، بحيث لا تخل بالتوازنات على الأطراف المتصارعة، وتسمح ببدء جولة التفاوض وسط مناخ جديد غير منقسم الأهواء. لكن رغم كل هذه المؤشرات والزخم الذي عادت به القاهرة إلى الساحة السودانية، لا يزال هدف إنهاء القتال بعيدا وسط المطالب المتضاربة للجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث يحاول كل طرف فيها تحقيق أكبر قدر من المكاسب، فيما تبدو وعود إجراء انتخابات رئاسية ضبابية للغاية.
على مدار أشهر، تحولت العاصمة السودانية الخرطوم إلى ساحة قتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ومع ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى، واشتداد وتيرة المعارك على الأرض، تبدو للجميع حقيقة واضحة أنه لا سِلْم يلوح في الأفق، وأنه لا أحد يمتلك مفاتيح الحل في السودان، لا الأطراف الدولية التي تدخلت، ولا تلك القوى المدنية التي تعثرت ثورتها التي اندلعت قبل 4 سنوات ووجدت نفسها عالقة بين طرفين يتصارعان على السلطة بقوة السلاح. لكن رغم كل هذه المعطيات، ما زال الأمل يحدو كلًّا من مصر وإثيوبيا اللتين تأملان أن تكون الأزمة السودانية الخانقة هي بداية الانفراجة الخارجية لهما لتحقيق أهدافهما الجيوسياسية التي يُعَدُّ سد النهضة أحد أهم أركانها.
قناة الجزيرة