الرؤية نيوز

هل ينجح إعلان أسمرا في تجاوز الاتفاق الإطاري؟ أبرز ما جاء فيه

0

عقدت قوى سياسية ومدنية ومهنية ومجتمعية سودانية حوارًا مستفيضًا في العاصمة الإريترية أسمرا، في الفترة من 7 – 12 أيلول/سبتمبر الجاري، خرجت منه برؤية تفصيلية لإنهاء الحرب وإدارة الفترة الانتقالية في السودان. وذكرت في بيان منشور أنها اجتمعت بدعوة كريمة من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وتواثقت على “وضع حد لميراث الحروب والانقلابات وغياب الاستقرار السياسي”. وخلصت إلى ضرورة حكم البلاد بالنظام الفيدرالي والحفاظ على تنوع السودان ووحدة ترابه واستقلال وسيادة أراضيه، والتأكيد على مهنية جيشه وفق عقيدة عسكرية واحدة، والالتزام بالتحول المدني الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة مع الحفاظ على مكتسبات اتفاقية جوبا للسلام، وترسيخ مبدأ العدالة، وكفالة الحريات، مع التشديد على الإنهاء الفوري للحرب ووقف الاقتتال وفق إعلان جدة القائم على “خروج الدعم السريع من مؤسسات الدولة والمساكن والمشافي والأعيان المدنية”، وفتح ممرات آمنة لإيصال الإغاثة للمتضررين.

باحث ومحلل سياسي لـ”الترا سودان” إعلان أسمرا يأتي في ظل استمرار غياب المشروع الوطني الجامع الذي يمكن أن تتشكل على أساسه كتلة وطنية صلبة تنهض بمهام الانتقال

وأدان البيان جميع أشكال الجرائم ضد المدنيين منذ الخامس عشر من نيسان/أبريل الماضي، بإشارة خاصة إلى ما أسماه “جرائم التطهير العرقي” في مدينة الجنينة، واستهداف القادة المجتمعيين والسياسيين، وقتل والي ولاية غرب دارفور خميس أبكر والتمثيل بجثته، مع التنديد بانتهاكات الدعم السريع ضد المواطنين العزل ومؤسسات الدولة، والإشارة إلى أضرار قصف الطيران العشوائي على المدنيين.

وبذل بيان القوى السياسية والمدنية والمهنية والمجتمعية السودانية في أسمر – بذَل جملة من التأكيدات على ضرورة دعم مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، والحل السوداني السوداني عبر حوار شامل يتجاوز مرحلة ما قبل الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023، وتوحيد المنابر والمبادرات وتكاملها، مع التشديد على رفض التدخل الدولي “السالب”، وتخصيص قضية الشرق بحل منصف عبر منبر تفاوضي لجميع مكوناته. وتعهدت القوى الوطنية التي تمثل طيفًا واسعًا من القوى المضادة لمشروع الاتفاق الإطاري بتوصيل رؤيتها إلى قطاعات المجتمع، والنقاش حولها بعقل مفتوح، فضلًا عن التبشير بها على النطاقين الإقليمي والدولي.

وضمن إطار تفصيلي، حددت القوى الوطنية “الديمقراطية” أبرز معالم رؤيتها لإدارة الفترة الانتقالية انطلاقًا مما فرضته الحرب من واقع جديد ألقى بثقله على المشهد السياسي والأمني والاجتماعي وكادت معه الدولة أن تنهار لولا سطوع ما أسمته “الصحوة الوطنية الشعبية الخالصة” التي شكلت حائط صد للحفاظ على “كينونة الدولة” في أكبر محاص تجتازه البلاد منذ انفصال الجنوب.

وبالنفاذ إلى جذور الأزمة الوطنية المزمنة، توصل المجتمعون في أسمرا إلى خلل عميق في صيغة الحكم النيابي الذي تمثل حكوماته الائتلافية الضعيفة مدخلًا مباشرًا للانقلابات ممسكة –في سياق موصول– ببؤر الاستقطاب الحاد التي ظلت تشكل تحديًا لمسار الانتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي واستدامته على أشراط السلام المستدام والتنمية المتوازنة، وهي بحسب رؤيتهم: “نظام الحكم وشكله، وقضية الهوية، وانعقاد المؤتمر الدستوري، والاختلال في ميزان السلطة والثروة، وصياغة الدستور، وترشيد الممارسة الديمقراطية، وبناء أحزاب قوية تدفع بمسيرتها، ومنع التدخل الأجنبي والحفاظ على السيادة”.

وبالولوج إلى الآليات الإجرائية المقترحة، طرحت الوثيقة المتعاقد عليها بين القوى السودانية في أسمرا جملة من التدابير بشأن الفترة الانتقالية وطبيعتها ومهامها، ومعايير تشكيل الحكومة، وتطبيق الحكم الفيدرالي بمستوياته الأربعة: الاتحادي والإقليمي والولائي والمحلي، بتفصيل وافٍ لشروطه وطبيعته ونطاقات عمله وفق السلطات والصلاحيات الممنوحة والمحددة بالقانون، مع منح إقليمي النيل الأزرق ودارفور الحكم الذاتي، وإرجاء ولايتي جنوب كردفان وغرب كردفان إلى مزيد تشاور، وتحديدها بسلطات وصلاحيات القانون، كما اقترحت الوثيقة تكوين “مجلس السيادة” من تسعة أعضاء: أربعة عسكريين وخمسة مدنيين يمثلون ثمانية أقاليم سودانية، تحت رئاسة القائد العام للجيش، مع إيراد تفصيل مطول بشأن مجلس الوزراء ومهامه واختصاصاته، واقتراح تكوين السلطة التشريعية من ثلاثمائة عضو، والحفاظ على استقلال السلطة القضائية، وقيام ثمانية مفوضيات قومية. غير أن أهم ما ورد في أفق المعالجة المقترحة هو ما جاء بخصوص القوات المسلحة وإحكام المسار المهني فيها مع ضرورة الإصلاح والتحديث وإعلاء قوميتها واحترافيتها بما يعكس التنوع السكاني ويحقق المصالح العليا للبلاد، ودمج كل القوات بما فيها أطراف سلام جوبا، مع ضرورة حيدة الجيش ومنعه وتحصينه من الاختراقات التنظيمية والسياسية.

ويرى الباحث والمحلل السياسي عباس محمد صالح أن إعلان أسمرا يأتي في ظل استمرار غياب المشروع الوطني الجامع الذي يمكن أن تتشكل على أساس مفرداته كتلة وطنية صلبة تنهض بإنجاز مهام الانتقال السياسي على أقل تقدير بنجاح، ومن شأنه أن يكرّس تدخلات الفاعلين الخارجيين في الشأن الداخلي، وزيادة حدة الاستقطاب والصراع السياسي، والمساس بأمن البلاد واستقرارها ومصالح شعبها، فضلًا عن استمرار حالة تعدد المنابر الخارجية وتحيزاتها للأطراف المختلفة، مما يعقد فرص الوصول إلى تسوية نهائية تترتب عليها عملية سياسية مستقرة.

أبرز ما جاء في إعلان أسمرا ليس ما اشتمل عليه من حلول بنائية وإجرائية وتقديم مقاربة حيوية لأفق المعالجات المقترحة، وليس فيما بثه من إدانة مباشرة لقوات الدعم السريع، عطفًا على انطلاق الإدانات نفسها من منصات أعلى صيتًا وأوقع أثرًا – وإنما في إعادة إنتاج قوى الحرية والتغيير– الكتلة الديمقراطية ضمن حلف أكبر مركزةً على قضيتها المركزية المتمثلة في إجهاض الاتفاق الإطاري عبر رؤى جديدة، وفق التسليم بضرورة بناء قاعدة أوسع للانتقال، والتقاط الإشارة التي أرسلها من كانوا حتى أمس يقفون على أقصى تفاصيل النقيض بسبب الصراع المتفجر في أعقاب انخراط الحركات المسلحة في هياكل الانتقال بموجب اتفاق جوبا وما أوضحه من تنافس على دوائر صنع القرار حتى بلغ محطة اعتصام القصر الذي مهد لانقلاب الخامس والعشرين من تشرين أول/أكتوبر 2021م وارتداداته المعروفة، مع تضافر عوامل مساعدة مرتبطة بتطورات المشهدين الإقليمي والدولي المتجسدة في استقالة رئيس بعثة الأمم المتحدة (اليونيتامس) فولكر بيرتس وهو أحد أبرز الداعمين للاتفاق الإطاري، وتصاعد موجة عدائية ضد الدعم السريع في المحافل الدولية، إلى جانب فرض العقوبات الأمريكية على القائد الثاني للدعم السريع وقائد قطاع غرب دارفور، وبروز بيئة منددة بانتهاكات الدعم السريع، مع توقع تحولات في مجريات العمل الميداني، بعد فشل معركة “المدرعات” التي علقت عليها قوات الدعم السريع وحلفاؤها آمالًا في إخضاع الجيش لمنطق المساومة والعودة إلى صورة قريبة مما كان عليه الحال قبل الخامس عشر من نيسان/أبريل الماضي.

ومما يعاب على الإعلان –بحسب عباس– محاولته الحفاظ عل مكاسب مجموعات ضيقة في إطار اتفاق جوبا للسلام، على تشوهاته الهيكلية، بينما ينص في بعض بنوده على أن “تشكيل الحكومة الانتقالية لا يبنى على المحاصصات الحزبية”، وهو في خطابه وأطروحاته العامة لم يأتِ بجديد بيد أنه يعد مؤشرًا على بروز كتلة سياسية منافسة لمجموعات الحرية والتغيير (المجلس المركزي) على عدة أوجه:

أولًا: توسيع دائرة مناهضة مجموعة الاتفاق الإطاري ورفضه والدعوة إلى تجاوزه وإنهاء احتكار الحرية والتغيير (المجلس المركزي) للمجال السياسي والانفراد بإدارة المرحلة الانتقالية وتقرير مصائرها.

ثانيًا: تأكيد دعم القوات المسلحة بصراحة من قبل مكونات لا يمكن تجاوزها أو تجاوز مواقف القوات المسلحة في مرحلة ما بعد الحرب، مع إدانة واضحة لانتهاكات قوات الدعم السريع بصراحة ومن دون اشتراط إدانتها بإدانة القوات المسلحة أو المساواة بين الطرفين.

ثالثًا: إضعاف محاولات شرعنة قوات الدعم السريع ومشروعها السياسي واستقلالها عن مؤسسة القوات المسلحة على قاعدة الاتفاق الإطاري.

ومن موافقات المكان ومفارقات الزمان والأحداث أن أسمرا النائمة في خصر الشرق، سبق أن احتضنت مؤتمرًا للمعارضة السودانية في العام 1995 بشأن القضايا المصيرية، وشكلت بنحو من المناحي صيغة حاسمة في سياق مقابلة العلمانية بحق تقرير المصير، كما تبلور لاحقًا في إعلان الإيقاد في 1998م، وقد بلغ أعلى مراتبه في إنفاذ مشروع اتفاق ميشاكوس الإطاري في 2002م بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية، وتوقيع اتفاقية السلام في نيفاشا 2005م، لتنتهي بمليون ميل مربع وقد انقسم إلى نصفين، بينما استمرت أصوات المدافع مدوية بفعل تناقضات غائرة في بنية دولة ما بعد الاستقلال، وهي تعيش وحدة سطحية في تنوع عميق حسب ما قال حاج حمد.. فهل تسعف مقررات أسمرا الجديدة الراهن السوداني بمعالجات ناجزة لأزماته المزمنة؟ أم ستزيد واقع الانقسام والاحتدام السياسي الذي انتهى بثورة سلمية إلى براثن الحرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!