افتتاحية جريدة الخليج اليوم : السودان.. الأمل يتلاشى
بعد أكثر من تسعة أشهر من المعارك، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في السودان، مع ما أسفرت عنه من ضحايا بالآلاف، ونزوح أكثر من مليون ونصف المليون سوداني، وتدمير هائل في البنى التحتية، يتعمّق الخلاف بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو(حميدتي)، بحيث تبدّدت كل الآمال التي كانت معقودة على لقائهما في جيبوتي، أواخر الشهر الماضي، بناء على مبادرة منظمة «إيغاد» الإفريقية.
فلا اللقاء تم، ولا احتمالات التسوية اقتربت، ولا الجهود المتجددة للمنظمة أثمرت في تجسير الهوّة بين الطرفين اللذين يتصارعان على السلطة والمصالح، بحيث تحوّل الشعب السوداني إلى «كبش محرقة» في الصراع بين الرجلين.
وقد سعت منظمة «إيغاد» مجدداً في القمة الاستثنائية التي عقدت في كمبالا، يوم أمس الأول، إلى فتح كوّة أمل من خلال دعوة البرهان وحميدتي إلى القمة، لكن الأول استنكف عن الحضور بسبب دعوة الثاني، كما كان رفض حضور اجتماع جيبوتي للمصالحة، لأن منظمة إيغاد «ارتكبت تجاوزات بإقحام الوضع السوداني ضمن جدول أعمال قمتها الاستثنائية في كمبالا».. وهكذا، فإن مطحنة القتل والتدمير تتواصل، وتتبدّد كل الجهود لاستعادة الأمن والسلام لهذا البلد.
كان لافتاً الموقف السلبي من جانب الحكومة السودانية إزاء الجولة التي قام بها حميدتي في عدد من الدول الإفريقية، وشملت إثيوبيا وأوغندا وجيبوتي وكينيا وجنوب إفريقيا ورواندا، والتي اعتبرتها تعدّياً على صلاحيات رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، خصوصاً أنه تم استقباله في بعض هذه الدول بمراسيم «تليق برئيس دولة»، الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين بمثابة تعزيز لدور حميدتي على حساب البرهان، الذي طالب هذه الدول ب«الكفّ عن التدخل في شؤون السودان».
وهكذا تدور عجلة الحرب بلا توقف، بينما تحاول قوى سودانية مدنية تشكيل جبهة لوقف القتال، في وقت تنزلق البلاد نحو تقسيمها إلى دويلات متصارعة، ومتناحرة، ومنقسمة على نفسها، خصوصاً أن السودان، كما يقول إبراهيم الميرغني رئيس القطاع السياسي في «الحزب الاتحادي الديمقراطي»، إن السودان «ليس دولة قومية قامت نتيجة لتطور تاريخي، وإنما هو دولة مركّبة من عدد من الممالك القديمة، والمجتمعات غير المتجانسة، والقبائل المتمايزة عرقياً». ومن ذلك يمكن أن نستشف أنه كلّما استمرت الحرب الحالية، وانتقلت إلى حرب أهلية، كلما اقترب التقسيم الذي قد يشمل العديد من الولايات، وفقاً لخريطة المعارك بين الطرفين المتقاتلين، وتوسيع، أو انكماش هذا الطرف، أو ذاك.
إن التقسيم يخدم قوى إقليمية ودولية، لأن تفكيك أية دولة عربية يخدم مشاريع السيطرة والهيمنة في المنطقة، خصوصاً أن السودان يمتلك موارد وثروات هائلة، وموقعاً استراتيجياً مهماً على البحر الأحمر، وفي القرن الإفريقي.
لا أحد يعلم متى تنتهي هذه الحرب، ولا أحد يستطيع التنبؤ بمآلاتها، لأن الأفق يبدو مسدوداً، والآمال بالحل تتبدّد.
جريدة الخليج