الرؤية نيوز

عودة إلى سعر الصرف … أزمة مزمنة لا تراوح مكانها

0

✍️الهادي هبَّاني

للأسف الشديد لا زالت الحكومة الانتقالية وسلطتها النقدية وآلتها الإعلامية تواصل التغريد خارج السرب وإدمان التضليل والابتعاد عن الشفافية والوضوح مع الشعب فيما يتعلق بسعر الصرف. فلا زالت الحكومة تعتقد ساذجة بأنها وبموجب قرارها السابق بتعويم سعر الصرف في فبراير 2021م قد عالجت مشكلة سعر الصرف وأن الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي قد تقلص كدليل لنجاح السياسات التي اتخذتها، بل وذهب البعض من منتسبيها وأجهزتها الإعلامية الرسمية وبعض الأقلام الصحفية المستأنسة وأيضا على لسان بعض الوزراء للمبالغة المثيرة للضحك بأن تجار السوق الموازي أصبحوا يشترون من الناس بأسعار أقل والبيع للبنوك. وفي الحقيقة فإن الحكومة تمارس التضليل على نفسها في المقام الأول وأن استمرارها في هذا النهج يبعدها كل يوم عن فرص العلاج الناجعة لمشكلة سعر الصرف ويفقدها مصداقيتها يوما بعد يوم أمام المواطنين. ونعتقد أنه من الأفضل والأرجح أن تجنح للصدق والشفافية وتواجه الناس بحقيقة فشلها في معالجة مشكلة سعر الصرف على أرض الواقع والاستماع للنصح والرجوع لما جاء في برنامج السياسات البديلة والبرنامج الإسعافي ومقررات المؤتمر الاقتصادي الأول والمقترحات المتكررة التي قدمتها لها اللجنة الاقتصادية لقوي الحرية والتغيير وغيرها في مناسبات متكررة في السابق. وفيما يلي نواجه الناس بالحقائق المرة ومن خلال الأرقام الفعلية المنشورة لبنك السودان المركزي نفسه.

أولا: فشلت سياسة تعويم سعر الصرف في أهم أهدافها المتمثلة في القضاء على السوق الموازي فلا زالت السوق الموازية موجودة بثقل وتمارس نشاطها برغم الحملات البوليسية التي تكررها الحكومة بين وقت وآخر ولم تفضِ إلى الوصول لمافيا تجارة العملة واقتصرت دائما فيي القبض على بعض صغار السماسرة والوسطاء في السوق العربي وغيره بينما هي تعلم تماما من؟ وأين؟ توجد مافيا تجارة العملة، ولكنها لا تمتلك الجرأة والإرادة للقبض عليها أو المساس بها. فالذين يمتلكون العملات الأجنبية ويحتفظون بها خارج الجهاز المصرفي هم الطفيلية المتحكمة في مفاصل الاقتصاد وفي مجال الاستيراد، والشركات الأمنية والعسكرية وكبري الشركات العاملة في مجال الاتصالات ومطاحن الدقيق واستيراد وتوزيع الوقود وغيرها ويفوق حجم العملات الأجنبية لديها (وعلى رأسها الدولار) قيمة فاتورة الاستيراد السنوية البالغة في عام 2020م لوحده 9.8 مليار دولار (بنك السودان المركزي، العرض المالي والاقتصادي الربع الرابع 2020م، جدول رقم 6 “ملخص التجارة الخارجية، صفحة 18). وإذا كانت حصيلة الصادرات هي 3.8 مليار دولار (حسب البيان المذكور نفسه) وأن احتياطي النقد الأجنبي لبنك السودان كحد أقصي حسب تصريحات محافظ البنك المركزي 1.2 مليار دولار أي أن إيرادات النقد الأجنبي سنويا هي 5 مليار دولار (3.8 مليار دولار + 1.2 مليار دولار = 5 مليار دولار) فهذا يعني أن العجز الإجمالي في احتياطي النقد الأجنبي هو 4.8 مليار دولار سنويا (9.8 مليار دولار – 5 مليار دولار = 4.8 مليار دولار) وهذه التقديرات محسوبة علي أساس تقديرات متفائلة جدا لاحتياطي البنك المركزي من الدولار لأنه وحسب (النشرة الاقتصادية الشهرية للبنك المركزي العدد 05/2021م، ميزان المدفوعات، صفحة 5) أن بند (حساب الخدمات والدخل والتحويلات) قد بلغ فقط 447.8 مليون دولار حتي نهاية مايو 2021م وهذا المبلغ يمثل دائما (كبند أساسي في ميزان المدفوعات) تحويلات القطاع الخاص المتمثلة في (تحويلات المغتربين، المستثمرين الأجانب، البعثات الدبلوماسية، الأجانب العاملين بالسودان) علما بأن تحويلات المغتربين تاريخيا بعد انفصال الجنوب أي خلال الفترة 2012-2019م تمثل ما يتراوح ما بين 18% في أسوأ حالتها عام 2016م إلي 68% في أفضل حالاتها عام 2019م من إجمالي تحويلات القطاع الخاص. وبالتالي اذا اعتمدنا أفضل حالتها أي نسبة 68% فإن تحويلات المغتربين حتي نهاية مايو 2021م هي 304.5 مليون دولار لا أكثر ولا أقل (447.8 × 68% = 304.5 مليون دولار) أي بمعدل 61 مليون دولار شهريا أي حوالي 731 مليون دولار سنويا لا أكثر ولا أقل. وبالتالي فإن الأرقام التي تعلنها الحكومة عبر تصريحات مسئوليها وعبر أجهزتها الإعلامية لحصيلة البنوك من شراء العملات الصعبة من المغتربين وغيرها أرقام مشكوك فيها وتتناقض مع الأرقام المعلنة في بيانات البنك المركزي نفسها. علما بأن الحديث عن أن هنالك تدفقات نقدية من المؤسسات الدولية ستساهم في تغطية عجز احتياطي الحكومة من النقد الأجنبي فهذه هي أكبر الأكاذيب التي تطلقها الحكومة. فالتدفقات النقدية التي تأتي من هذه المؤسسات هي عبارة عن التزامات موجهة لأغراض معينة كالمبالغ التي تم استلامها حتى الآن من البنك الدولي لبرنامج الدعم الأسري (ثمرات) والبالغة 410 مليون دولار (راجع الموقع الرسمي للبنك الدولي، صفحة السودان، قائمة المشاريع، مشروع رقم P173521 بتاريخ 8 أكتوبر 2020م بقيمة 200 مليون دولار، ومشروع رقم P176154 بتاريخ 16 مارس 2021م بقيمة 210 مليون دولار) ولا يمكن أن تستخدم الحكومة هذه المبالغ أو غيرها في استيراد السلع لتغطية العجز الناشئ عن ارتفاع قيمة فاتورة الاستيراد لمعالجة مشكلة سعر الصرف كما هو مذكور سابقا. علما بأن بعض هذه القروض أو المنح مقيدة في حسابات هذه المؤسسات كالتزام على حكومة السودان بأكبر من القيمة الفعلية التي تسلمتها حكومة السودان باعتبار أن معظمها كان عبارة عن قروض تجسيرية لتسوية ديون قائمة وإنشاء ديون أو التزامات جديدة. وعلي سبيل المثال فإن القرض التجسيري الذي قدمته أمريكا كمنحة لسداد مديونية السودان للبنك الدولي بقيمة 1.15 مليار دولار مقيد على السودان كالتزام على السودان في بيانات البنك الدولي بقيمة 1.38 مليار دولار في حين أن السودان قد استلم ما قيمته 225 مليون دولار فقط لا غير (المرجع السابق ذكره، مشروع رقم P175139 بتاريخ 25 مارس 2021م). إضافة إلى أن حجم النقد الأجنبي الذي تسلمته حكومة السودان خلال الفترة 2019م إلى اليوم في شكل منح وقروض حسب البيانات المالية المنشورة في الصفحات الرسمية لصندوق النقد الدولي وللبنك الدولي تتجاوز ال 2 مليار دولار ولم تؤثر إيجابا في احتياطي النقد الأجنبي ولم تؤدي إلى توحيد سعر الصرف أو القضاء على السوق الموازي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!