حرب السودان.. إتحاد الكرة: هذا ما حدث في الملاعب
عندما اندلعت حرب (15) أبريل من العام الماضي بلا مُقدِّمات بين القوات المسلحة والدعم السريع، تَعَطّلَت كل أوجه الحياة بالبلاد، وخرجت كل المُؤسّسات عن الخدمة من هول الصّــدمة والفاجِعَـة، وتوقّـع الكثيرون أن تطلق نيران الحرب المُشتعلة رصاصة الرحمة الأخيرة على المُشاركات الخارجية للمُنتخبات الوطنية والأندية السُّودانيّة، استناداً على تجارب العديد من الدول التي غابت فيها شمس المشاركات الخارجية بسبب الحروب، ولم تعد للمُشاركات الخارجيّة إلّا بعد انتهاء الحرب، لكن الاتّحاد السوداني لكرة القدم اختار أن يُقدِّم تجربة فريدة، جعلت مُشاركات الكرة السُّودانيّة حاضرةً بقُـوةٍ على مُستوى المنتخبات والأندية، ليس هذا فحسب، بل وفّــر للمنتخب الوطني الأول من المُعسكرات الخارجيّة والتّجارب الودية الدوليّة ما جعله يمضي بخطواتٍ واثقةٍ في تصفيات مونديال 2026، كما سنطالع ذلك عبر هذا التقرير…
أين كُنّا قبل الحرب؟!
عندما اندلعت الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع منتصف أبريل من العام الماضي، كان المنتخب الوطني الأول على بُعد جولتين من نهاية مشواره في تصفيات كان كوت ديفوار، وقَبِلَ اتّحاد الكرة التحدي بمُواصلة مشواره في تصفيات الكان، فتم تجميع اللاعبين وسط نيران الحرب المُشتعلة، ونجح اتّحاد الكرة بفضل العلاقات المُميّزة لرئيسه الدكتور معتصم جعفر في توفير مُعسكر خارجي لصقور الجديان في المغرب استجابةً لطلب المدير الفني وقتها المغربي بادو الزاكي، لكن لم يحالف التوفيق صقور الجديان وقتها وغادر المنتخب التصفيات.
تشخيصٌ دقيقٌ وعلاجٌ ناجعٌ
لم يرمِ الاتّحاد المنديل ويُعلِّق المشاركات الخارجية للمنتخب الوطني الأول على شَمّاعَة ظروف الحرب، بل قام في ظل تلك الظروف بالغة التّعقيد بتشخيصٍ دقيقٍ لمُسبِّبات الإخفاق، وقام بخطوات جريئة ومُعالجاتٍ شجاعةٍ، أسهمت في عودة المنتخب الوطني الأول إلى الطريق الصحيح، حيث أقال الاتّحاد بادو الزاكي وتعاقد مع المدرب المونديالي الغاني كواسي أبياه، في خطوة تحدثت عن مشروع طموح للاتّحاد في بناء منتخب الأحلام، ليبدأ الغاني اختياراته بصعوبة في ظل توقف النشاط، لكن رغم ذلك توصّل إلى مجموعة واعدة من المواهب جعلته مُتفائلاً بأنّ النجاح سيكون حليفه في تجربته الجديدة مع صقور الجديان.
استجابةٌ سريعةٌ لكل المطالب
التعاقد مع أبياه وضع الاتّحاد السوداني لكرة القدم أمام التحدي الأكبر بالاستجابة لكل مطالبه وإلّا الرحيل، لأنّـه مدربٌ كبيرٌ لا يمكن أن يغامر بسُمعته ويعمل في حدود الإمكانيات المُتاحة، تقديراً لمنتخب بلدٍ تُمزِّقه الحرب، فوضع الغاني سقف مطالب مرتفع من حيث مواصفات المعسكرات الخارجية، والتجارب الودية الدولية، والوصول لكل المواهب السُّودانيّة في دول المهجر، ولم يجد أبياه من الاتّحاد غير الاستجابة السريعة لمطالبه، الأمر الذي دفعه للعمل باجتهادٍ أكثر من أجل تحقيق النجاح.
مُعسكراتٌ خارجيةٌ وتجارب دوليّة
انطلقت تحضيرات المنتخب الوطني الأول لمشواره في تصفيات مونديال 2026م من مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية، بعد أن أسهمت العلاقات المُميّزة لرئيس الاتّحاد الدكتور معتصم جعفر مع رئيس الاتّحاد السعودي الشقيق سعادة الأستاذ ياسر المسحل، في توفير هذا المعسكر النموذجي، والذي سهّل مهمة أبياه في التعرُّف على قُـدرات لاعبيه وترتيب أوراقه بهدوءٍ، ولم يكتفِ الاتّحاد بذلك، بل وفّــر له تجربتين أمام المنتخب التشادي، فوصل المنتخب الأول إلى مرحلة متقدمة من الجاهزية الفنية والبدنية ومن حيث الانسجام والتفاهم بين عناصره.
معسكر ثانٍ وبداية قوية
اختار الاتّحاد السوداني لكرة القدم، ملعب شهداء بنينا ببنغازي ملعباً افتراضياً لمشواره في تصفيات المونديال، لكن طبيعة أرضية الملعب المفروش بالعشب الإصطناعي فرضت على اتّحاد الكرة السفر المُبكِّر إلى بنغازي وإقامة مُعسكر إعدادي هناك، ومن جديد وظّـف قادة الاتّحاد الدكتور معتصم جعفر ونائبه الأول أسامة عطا المنان، علاقاتهما الخارجية الواسعة في توفير معسكر خارجي للمنتخب الأول ببنغازي والتي توافد إليها عددٌ من مُحترفي الدوريات الخارجية للمشاركة مع صقور الجديان، فأصبحت الخيارات وافرة أمام الجهاز الفني من أجل تقديم منتخب مُميّـز وطموح، قادر على تحقيق الأحلام.
بدايةٌ مُميّزةٌ ومنتخبٌ واعِدٌ
لأنّ الاتّحاد وفّـر كل سُـبُل النجاح، ولتضافُـر كل الجُهُـود، كان من الطبيعي أن تكون الانطلاقة في تصفيات المونديال خواتيم العام الماضي مُميّزة ومُبشِّرة بميلاد منتخب الأحلام المُنتظر، ففرض المنتخب التعادل على منتخب توغو بهدفٍ لكلٍّ، ثُـمّ عاد في الجولة الثانية ليحقق الفوز على منتخب الكونغو بهدفٍ، ليجمع أربع نقاط وضعته في المقدمة بمجموعته، مُعلناً عن نفسه بقوةٍ، ومُرسلاً رسالة شديدة اللهجة لكل المُنافسين بأن يبحث عن إحدى بطاقات القارة السَّـمراء لمونديال 2026، بعد أن أعلنها أبياه بوضوحٍ قبل انطلاقة المُشــوار بأنّ طُمُـوحه الوصول إلى المونديال العالمي.
المُعسكرات الخارجيّة مُستمرّةٌ
وجد المنتخب الوطني الأول، فرصة للراحة والتقاط الأنفاس، حيث لم تكن لديه أيِّ استحقاقات خارجية في العام الأول حتى نهاية ربعه الأول، لكنه عاد من جديد للمعسكرات الخارجية والتجارب الدولية هذه الأيام، للاستفادة من نافذة الفيفا للعب الودي، فأقام مُعسكراً نموذجياً في المغرب، مُستفيداً من العلاقات المُميّزة التي تجمع رئيس الاتّحاد الدكتور معتصم جعفر بنظيره المغربي فوزي لقجع، فخاض المنتخب تجربتين هناك أمام منتخب غينيا بيساو، فكسب الأولى بهدف، وخسر الثانية الاثنين الماضي أمام ذات المنتخب بهدفين لهدفٍ، بعد أن خرج المنتخب بمكاسب عديدة من التجربتين.
جهدٌ خارقٌ يستحق الإشادة
وجد اتّحاد الكرة، إشادة خاصّـة من المدير الفني الغاني كواسي أبياه، الذي ثمّـن استجابة الاتّحاد لكل مطالبه على وجه السُّرعة، كما وجد الاتّحاد الإشادة والتقدير من كل الرياضيين الذين ينظرون بعين الإعجاب للعمل الكبير والجهد الخارق، الذي يبذله الاتّحاد السوداني لكرة القدم من أجل تقديم مُنتخب الأحلام، على أمل أن تطوي بلادنا قريباً صفحة الحرب وتنعم بالأمن والاستقرار، حتى تتواصل قِصّة النجاح التي تَحَدّت كل الظُّـروف.
المصدر: المندرة نيوز