الرؤية نيوز

محمد عبد الماجد يكتب: نفس الزول!

0

       حتى (الكرشة) يطالبن أن تأتي لهن (نظيفة).

       أذكر أمهاتنا في زمن مضى كنَّ يفعلن كل شيء – غير نساء هذا الزمن اللائي أضحين يكتفين فقط بأكل (الخروف) وصور (السيلفي) في المطبخ.

       عادةً صورة (السيلفي) تلتقط مع شيء تفقده.

       الرجل أصبح يقوم بكل شيء – بما في ذلك إيقاد نار الفحم – بحجة مهاراته في (شية الجمر) – حتى يجد مبرراً للقيام بهذا الدور أمام أطفاله.

       وقفت في أحد الأركان للاتفاق مع أحد (الجزّارين) واصطحابه معي – أعرف منذ زمن بعيد أن (الجزّار) الماهر دائماً ما يقف في أحد الأركان وهو يحمل (كيسه) وساطوره وسكينه ويشمر عن سواعده.

       من الضرورة أن تكون عيونه (حمراء).

       نفس المكان الذي اعتدت أن أجد فيه (الجزّار) وقفت عليه – حيث أشرت إلى أحدهم دون أن أتفق معه ليركب في السيارة ونذهب إلى المنزل من أجل أن يذبح الخروف.

       لم أنظر إلى (الجزّار) كنت مشغولاً بالرد على بعض رسائل (الواتساب) التي تفضل دائماً أن ترد عليها وأنت خارج البيت وبعيد عن المراقبة.

(2)

       وصلنا البيت وجدت الأسرة كلها في الانتظار .. عادةً في مثل هذه الحالات يسألونك عن سبب التأخر حتى لو لم تتأخر… (مالك اتعطلت كدا؟) وأن كنت أسرع من هدهد سليمان.

       الخروف كان يترقب – يبدو عليه أنه كان يشعر بأهميته وبالثمن الذي دفع فيه.

       عند النزول من العربة – بدأت أنتبه لـ(الجزّار) – ملامحه لا تبدو غريبة عليّ.

       نفس الشارب.

       والطاقية.

       والساعة المتدلية في راحة اليد.

       قلت في نفسي (هذه الشخصية مرت بيّ قبل كدا).

       لكن أين؟ … لا أدري.

       كعادة كل (الجزّارين) وحتى يثبت شخصيته طالب بإحضار (الصواني) مبكراً وشدد على إحضار (جردل) ماء كبير.

       ثم تلفت يمنةً ويسرةً وهو يجس (الخروف) مطالباً بحبل قوي.

       كان (الجزّار) يطالب بكل شيء – لا أعرف ماذا كان يحمل في (كيسه)؟

       أراهن أن هذا الكيس الذي جاء به فارغاً سوف يعود به وهو ممتلئ.

       حتى (السكين) التي كان يحملها لم تكن بحالة جيدة – تم مده بسكين حادة نحتفظ بها في البيت لمثل هذه المواقف.

       عندما ذبح (الجزّار) الخروف – تنهد تنهيدة قوية وطالب بأن يعملوا له (شاي) حتى يتفرغ لمهمة (السلخ) بعد أن قام بمهمة (الذبح) على أكمل وجه.

       عندما طالب (الجزّار) بالشاي وشدد على أن يكون (تقيلاً) – شعرت مرة أخرى أن هذه العبارة مرت بي قبل ذلك.

       هذا المشهد (مكرر) كأنه يعاد مرة أخرى.

       ساعدنا (الجزّار) في رفع (الخروف) و في (تعليقه) على أحد الشِعب – كما فعلنا في الموسم الماضي تماماً.

       شعرت أن (الجزّار) لم يفعل شيء غير (الشاي) الذي شربه.

(3)

       قمنا بنظافة (الكرشة) ، وساعدنا (الجزّار) في تقطيع اللحمة وتكسير (العظام) – بما في ذلك أن (السكين) تركت آثارها في أصابعنا.

       كنت كلما أنظر إلى (الجزّار) أشعر بأني أعرف هذه (الشخصية). بدأت معه في نقاش ودي – قلت له : (أنت من وين؟) – ساكن وين؟ – كل هذه الأسئلة حتى أعرف أين التقيت بهذا الشخص؟

       الشارب هذا ما غريب عليّ!!

       وكان (الجزّار) كلما يفعل شيء أو يطلب حاجة – أحس أن هذه (السيناريو) هو (سيناريو) العام الماضي.

       (الجزّار) طالب بالقهوة بعد الشاي وهذا ما فعله (جزّار) العام الماضي ذاته.

       تخير أفضل قطعة لحم من الخروف ووضعها في (كيسه) – وهذا بالظبط ما حدث من (جزّار) العام الماضي.

       ذبّح.

       سلّخ.

       قطّع اللحمة.

       كسر العظام.

       احتفظ بالجلد والرأس.

       بنفس الطريقة التي كانت في العام الماضي.

(4)

       تمعنت (سكينه) – كانت سكينة زرقاء – نفس سكين العام الماضي.

       نفس السكين.

       ساطوره مقبضه (أخضر) – نفس ساطور العام الماضي – أذكر ذلك جيداً.

       نفس الساطور.

       حتى تلفونه الذي يربط (كفره) بخيط رفيع.

       وما زلت أسأل نفسي (أين قابلت هذا الرجل)؟

       هذه الطاقية ليست غريبة عليّ!!

       فكرت في أهالي بلدتي.

       في أقاربي.

       وفي جيراني السابقين.

       هل يكون واحداً منهم؟

       لا أظن أني التقيت به في مرحلة دراسية أو زاملته في مجال العمل.

       لا أعرف إن كان هذا الرجل حدثني عن (العبور) وقال (سنعبر وننتصر) أم لم يحدثني؟ – الشخصية غير غريبة عليّ.

       لا أدري إن قال بـ(الغانون)؟ أم أن هذا الشيء كان مجرد (تهيؤات).

(5)

       أثناء اندماجي مع (الجزّار) في التكسير والتقطيع أرسلوا لنا من الداخل من يقول لنا (ما تنسوا الضلع)؟

       كدنا أن ننسى.

       تذكرت لجنة نبيل أديب!!

       بدأ (الجزّار) يلملم في عدته – ثم اجتنب مكاناً قصياً حتى انفرد به بعيداً من الناس أجل أن أحاسبه.

       عاداتهم كلها بهذا الشكل.

       نفس (الشكاوي) التي سمعتها في العام الماضي أسمعها منه الآن.

       كان يغالي في (أجره) بنفس ما حدث في العام الماضي.

       استفزني أني لم أعرف أين قابلت هذا الشخص؟ – اجتهدت كثيراً – ولكن فشلت.

       ركب معي في العربة من أجل أن أوصله المكان الذي أحضرته منه – عندما نزل من السيارة – كعادات مجاملاتنا طلبت منه رقم تلفونه (الظروف ما معروفة).

       عندما سجلت رقمه في تلفوني – وجدت أن اسمه مسجل في تلفوني – أنه (جزّار) العام الماضي نفسه.

       يا !!

       نفس الزول!!

       نفس (الضبّاح)!!

       قلت له إنت (فلان).. قال لي : عرفتني كيف؟؟

       قلت له : إنت ضبحت لي السنة الفاتت – سبحان الله.

       نفس الزول.

(5)

       بغم/

       رجعت إلى البيت – وأنا أقول في نفسي عن (الجزّار) إنه طلع (نفس الزول).

       نظرت إلى (الضحية) وبقايا الدم ما زالت في الأرض – نفس اللون والدم والسكين – قلت يا ترى هل (الضحية) أيضاً هي نفس (الضحية)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!