خالد مصطفى آدم يكتب..وكانوا فيه من الزاهدين(1-3)
لقد عانت بلادنا في تاريخها العديد من الصراعات والإشكالات التي عصفت بالأمة السودانية إلى آتون الحرب الدائرة الآن بالبلاد التي قضت على أخضر البلاد ويابسها، ويرجع ذلك إلى الأخطاء الاستراتيجية والكارثية التي إرتكبت من النخب السودانية في مسيرة الدولة ونجد أن كل النخب السياسية السودانية اتسمت بإضمحلال الفكر والتقوقع في الذات والتفكير الرغبوي ولم تحاول السير في الطرق التي تؤدي إلى الديمقراطية وبالنهاية كان ذلك الخلل البنيوي في العمود الفقري للنادي السياسي السوداني بالتكلس والجمود خلف الايدولوجيات ويظل صراع النخب مضافا إليه الصراعات القبلية والعصبيات والصراعات الطبقية وعدم الاعتراف بالآخر وقضاياه.
كل ذلك قادنا إلى الرصيد الكبير لبلادنا من الفشل والتعثر في مشروع بناء الدولة السودانية منذ تاريخ مملكة سنار وإلى يوم الناس هذا.. ويرجع ذلك لضعف الإنتماء للوطن فضلا عن الأمراض والعلل الاجتماعية التي تفشت في المجتمع خلال العقود الثلاثة الأخيرة والتي صاحبتها أنانية وحسد وتباغض وتفشي خطاب الكراهية وقبلية بغيضة ونتنة.
وبين هذا وذاك ضاع الوطن وضاعت الهوية وتخلفنا عن ركب الأمم ولم نتعلم من تجاربنا السابقة ولم نحسن قراءة الماضي ولم نهتم بالتخطيط للمستقبل مما أدى إلى فشلنا جميعا في صناعة دستور دائم للبلاد والإتفاق على مشروع قومي وطني واحد.
ولكي نفتح أول ثغرة في هذا النفق المظلم لا حل لنا إلا بإعتماد (السودانوية) فقط لتكون هي أساس المواطنة والحقوق والواجبات دون اعتبار لأي لون أو معتقد أو قبيلة أو تنظيم.
وحتى بعد التغيير وثورة ديسمبر المجيدة أيضا معظم النخب لم تكن على قلب رجل واحد وقد شهدنا الكثير من الانقسامات في الكيانات السياسية والخلافات التي مهدت الطريق للكثيرين للتسلل لوأد الثورة وإخمادها وخلافات النخب لم تكن بالجديدة على مسرح السياسة بالبلاد لأنه تاريخيا نجد أن الحركة الوطنية نشأت على أرضية غير ثابتة ومنقسمة وتعدد الأحزاب وإنشطاراتها الأميبية قد صعب من مهمة عملية التوافق وهنالك قوى عملت على إجهاض وتعثر الانتقال دون مراعاة للمصلحة الوطنية.
وكما قال صديقنا الجميل الدكتور بدرالدين كرشوم ذاك البعثي النبيل: *(نحن كقوى ثورة وبعد التغيير قد توضأنا كذبا ولم نتخلص من أدران وجرثومة الشمولية)*
وكثيرون من هؤلاء تنطبق عليهم أقوال (آلان دونو) مؤلف كتاب [نظام التفاهة] لأننا شاهدنا صناعة بعض الشخصيات وتصويرهم كمناضلين وهم من ذوي البساطة الفكرية فاقدي الكفاءة مثلهم مثل الذين يعملون بتقنية الذكاء الاصطناعي في محاولات عبثية لخلق صورة واقعية متوهمة في عالم إفتراضي خيالي تخالف الواقع.
وكانت آخرها هذه الحرب التي تركت البلاد عبارة عن بقايا وطن، حرب فريدة من نوعها في العالم، استهدفت المواطن وهي الأكثر دمارا وآثارها طالت الجميع ولم تكن خيار للسودانيين أوقفت الإنتاج والصناعة والزراعة وعطلت التعليم وأصبحت مهدد وجودي للدولة وذلك بعد استفحال الأزمة الغذائية التى ترقى إلى مستوى (مجاعة) لا تبقي ولا تذر.. والتي فتحت الباب واسعا للتدخلات الأجنبية تحت العديد من اللافتات أبرزها لافتة (وقف الحرب).
ونتابع تعدد المبادرات والمنابر التي تدعو إلى وقف الحرب إضافة للمؤسسات الدولية وأمريكا ومصر وجدة ودول الجوار والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي بالإضافة للجامعة العربية والتي لم توفق في إيقاف الحرب وذلك لممارسة سياسة الكيل بمعيارين ولكن يمكن وقف الحرب عندما تتوفر الإرادة السياسية للسودانيين أنفسهم بالأول بإقامة حوار سوداني / سوداني جامع لتحقيق عملية التعافي الوطني عبر مصالحة وطنية وتسوية تاريخية مع عدم إغفال مبدأ المحاسبة والمساءلة لكل من ارتكب جرم في حق الوطن والمواطن عبر الآليات المعروفة في حالة الانتقال كالعدالة الانتقالية والعدالة التصالحية والجنائية والجودية كعرف تصالحي سوداني خالص وصولا لتكوين حكومة قومية انتقالية لإكمال الفترة الانتقالية تعمل في إطار السودان القومي الموحد بمهام محددة مثل إصلاح الأجهزة العدلية والقانونية والشرطية والأمنية وإصلاح الخدمة المدنية والاقتصاد والتعليم وجميع الخدمات وقضايا الحوكمة والانتقال وإعادة النظر في هيكلة القوات المسلحة من ناحية عدد الجيوش والتدريب والتسليح وعمليات الدمج والتسريح وصولا لجيش مهني وطني واحد وموحد يعمل بعقيدة عسكرية وقتالية سودانية خالصة يحمي البلاد والدستور.
*(يتبع)*