الرؤية نيوز

عثمان ميرغني يكتب:ولماذا وثيقة دستورية جديدة؟

0

قال الفريق أول ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، في تصريحات لفضائية “العربية الحدث”، إن الوثيقة الدستورية التي تم استحداثها الآن تلغي الوثيقة السابقة، وبناء عليها تنهض حكومة انتقالية تأسيسية بعد اختيار رئيس وزراء يتولى اختيار وزراء مهنيين “تكنوقراط”.
من الجيد أن تتجه الأمور نحو تكوين هياكل الدولة التي ظلت غائبة لفترة طويلة، لكن الأجدر أن ننظر إلى المستقبل بمعيار دقيق، وأن نرفع المصالح القومية فوق أية حسابات أخرى.
هناك ثلاثة أوجه لما قاله العطا:
أولاً: توصيف الفترة المقبلة بأنها “مرحلة تأسيسية انتقالية” يتضمن خلطًا واضحًا بين مفاهيم وأسُس متناقضة. للأسف، السودان ظل يكابد حالات “انتقال” مزمنة وكأن الأصل هو الوضع الانتقالي، والاستثناء هو الخروج من عباءة الانتقال إلى الوضع الدائم.
قبيل الاستقلال، كان مفهوم الحكم الوطني الانتقالي مفهوماً واضحًا، حيث كان يحمل عنوان “الحكم الذاتي” في ظل وجود إدارة بريطانية متزامنة.
بعد ثورة أكتوبر 1964، تم الإعلان عن حكومة انتقالية برئاسة سرالختم الخليفة، لكنها لم تعمر طويلاً.
بعد انتفاضة أبريل، تولت حكومة انتقالية إدارة البلاد لمدة عام. ثم بعد اتفاق السلام الشامل في نيفاشا، بدأنا فترة انتقالية مدتها 6 سنوات انتهت بانفصال جنوب السودان.
بعد الإطاحة بحكم الإنقاذ في أبريل 2019، دخل السودان في فترة انتقالية هشة التكوين انهارت في صباح 25 أكتوبر 2021.
أما آن لهذا “الانتقال” أن يترجل؟
يساورني إحساس أن مفردة “انتقالية” ليست إلا غطاء لعجز عن التوصيف السياسي والتكويني للدولة. ويكون محبطًا أن يُشهر ساستنا عجزهم عن التخلص من هذه المفردة، ويقرون بفترة مقبلة منزوعة التوصيف الحقيقي، تتستر تحت عباءة “الانتقال” المتوهم.
كنت أتمنى أن تنفتح ذهنية المستقبل لفكر سياسي أكثر رغبة في استلهام الأفكار وتوسيع المشاركة في ترسيم البلاد.
لا حاجة للوقوع في فخ “الانتقالية” الذي سقطت فيه بلادنا مرات. ليس هناك “انتقال” في حالة بلادنا الراهنة، بل تأسيس لجمهورية جديدة تتجاوز المسلمات التقليدية التي أقعدت قدرتنا على الانطلاق والنهضة.
ولأنها جمهورية جديدة، فهي لا تبنى على الفراغ، بل تستثمر ما يتوفر من تجارب سابقة لتقفز من منصتها إلى آفاق جديدة. فلا حاجة لوثيقة جديدة بينما لدينا دستور 2005 الذي شاركت فيه القوى السياسية السودانية كافة.
يكفي بعض التعديلات الطفيفة على دستور 2005، فعامل الزمن حاسم في توسيع فرص نجاحنا في تأسيس جمهورية حديثة وقوية البنيان.
وفي تقديري (نحن لا نسير في الاتجاه الصحيح)، أذكّر بنفس العبارة التي كتبتها هنا في الأسبوع الأول بعد الإطاحة بنظام الإنقاذ، والتي عاتبني عليها البعض على اعتبار أن الوقت كان مبكرًا للحكم، لكن التحليل والاستقراء السياسي ينظر للمستقبل بعين بصيرة ترى ما لا يراه الآخرون.

التيار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.