الاتحاد الأفريقي يغازل الخرطوم..هل اقترب رفع التجميد؟
متابعة:الرؤية نيوز
في ظل حرب أهلية مستمرة دخلت عامها الثاني، أثارت تصريحات رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، جدلًا واسعًا حول مستقبل علاقة السودان بالاتحاد. إذ وصف يوسف السودان بأنه “القلب النابض لأفريقيا”، مشيدًا بـ”انتصارات القوات المسلحة”، وذلك خلال لقائه بعضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر على هامش القمة العربية ببغداد، الأمر الذي فتح الباب أمام تساؤلات ملحَّة: هل تمهد هذه التصريحات لعودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي؟ أم أن مشهد الحرب والانقسام السياسي لا يزال يحول دون ذلك؟
تعليق عضوية السودان.. جذور الأزمة
الاتحاد الأفريقي كان قد علّق عضوية السودان في أكتوبر 2021 عقب انقلاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بالتحالف مع “حميدتي” في حينه، حيث اعتبر الاتحاد الخطوة “خرقًا للمسار الدستوري”. هذا القرار جاء في إطار موقف الاتحاد المتشدد من التحولات غير الدستورية والانقلابات العسكرية التي توالت في القارة خلال الأعوام الأخيرة.
ورغم قرار التعليق، لم تُقطع كل خيوط التواصل، حيث أبقى الاتحاد على الآلية الرفيعة المستوى بقيادة محمد بن شمباس، في محاولة لمواكبة التطورات ودعم جهود التسوية. وفي هذا السياق، صرح شمباس مؤخرًا بأن “السودان ليس فراغًا”، في تعبير يحمل وزنًا سياسيًا غير مباشر، مفاده أن الاتحاد يعترف بوجود سلطة أمر واقع.
أزمة الشرعية وتضارب الرؤى
هذه التصريحات أعادت إشعال الجدل داخل الأوساط السياسية السودانية حول الجهة المخوّلة بتمثيل البلاد إقليميًا ودوليًا، في ظل غياب حكومة مدنية منتخبة. ويتوزع هذا الجدل على روايتين متباينتين:
الرواية الأولى تعتمد على “شرعية الأمر الواقع”، وترى أن التعامل مع الجيش ومجلس السيادة ضروري لاستمرار الدولة وتفادي انهيارها.
الرواية الثانية تتبناها بعض قوى الثورة المدنية، وتعتبر أن السودان في حالة “فراغ سياسي”، وتدعو لإعادة تشكيل السلطة بالكامل تحت إشراف دولي، دون إشراك أي من الطرفين العسكريين الحاليين.
مفوضية جديدة.. ونظرة مختلفة
يعتقد الكاتب السوداني عبد الباقي الناجي أن المفوضية الجديدة للاتحاد الأفريقي، التي انتُخبت في فبراير 2025، تختلف في نهجها عن المفوضية السابقة التي ارتبطت باتهامات التحيز، خاصة بعد لقاءات مشبوهة جمعت مسؤولين من المفوضية السابقة مع ممثلين عن قوات الدعم السريع.
المفوضية الجديدة بقيادة محمود علي يوسف من جيبوتي، ونائبه من الجزائر، تعكس حسب الناجي “ميولًا داعمة لسيادة السودان”، رغم أن مفوض الشؤون السياسية والأمن، بانكول أديوي، ما يزال في منصبه، وهو معروف بمواقفه الصارمة تجاه الحكومة السودانية الحالية.
خارطة الطريق.. شروط معقدة وتحديات متعددة
وفقًا للناجي، فإن شروط عودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي تستند إلى خارطة الطريق التي طرحها الاتحاد عند اندلاع الحرب، والتي تتطلب:
وقف إطلاق النار، مع اشتراط انسحاب قوات الدعم السريع وتجميعها في مواقع محددة.
تشكيل حكومة مدنية جديدة، وهو أمر لا يزال محفوفًا بالخلافات، لا سيما مع حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا، والتي يصر الاتحاد الأفريقي على إشراكها في أي تسوية قادمة.
وكان رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان قد أصدر مرسومًا دستوريًا في مايو 2025 بتعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيسًا للوزراء، مع إلغاء إشراف أعضاء المجلس السيادي على الوزارات، في خطوة اعتبرها البعض تمهيدًا للعودة إلى المسار الدستوري، لكنها لم تُفلح بعد في إقناع الاتحاد بوجود تقدم حقيقي في خارطة الطريق.
مجلس السلم والأمن.. العائق الأبرز
القرار النهائي بخصوص إعادة السودان إلى الاتحاد الأفريقي بيد مجلس السلم والأمن، الذي ترأسه مصر نهاية 2024. وقد أرسل المجلس بعثة إلى بورتسودان وفتح مكتبًا هناك، إلا أن التصويت داخل المجلس بشأن رفع التجميد لم يحقق النصاب، إذ أيدت الفكرة فقط 5 دول من أصل 15، ما أدى إلى تأجيل القرار إلى أجل غير مسمى.
إشارات إيجابية.. لكن لا ضمانات
يشير عبد الباقي الناجي إلى أن تصريحات محمود يوسف الأخيرة قد تُعيد الزخم لملف السودان داخل مجلس السلم والأمن، وقد تؤدي إلى تليين موقف بانكول أديوي. إلا أن استمرار التعقيدات السياسية، وخاصة الخلافات حول تشكيل الحكومة ورفض بعض الحركات المسلحة الانخراط في أي صيغة لا ترضيها، قد يُجهض أي تقدم محتمل.
رأي المجتمع المدني.. المطلوب توافق داخلي
من جهته، يرى محمد طاهر، عضو المبادرة السودانية لوقف الحرب، أن إشادة مفوضية الاتحاد بالقوات المسلحة تحمل دلالة سياسية هامة، خاصة في ظل ما وصفه بمحاولات “تفكيك الجيش السوداني”. لكنه في المقابل لا يعتبر السلطة الحالية شرعية، ويدعو إلى حوار سياسي وطني شامل كمدخل أساسي لإعادة الاستقرار.
ويشدد طاهر على ضرورة تقليص الوساطات الخارجية التي، حسب وصفه، أضرت بالعملية السلمية. ويرى أن الحل يكمن في توحيد منبرين فقط: واحد للتفاوض العسكري وآخر للحوار السياسي الشامل، على أن يُترك المجال للسودانيين لتقرير مصيرهم دون إملاءات خارجية.
خلاصة المشهد
يبقى المشهد معلقًا بين الاعتراف والتجميد، وبين الشرعية والأمر الواقع، وبين الحرب والبحث عن السلام. ورغم الإشارات الإيجابية من مفوضية الاتحاد الأفريقي، إلا أن الطريق لعودة السودان إلى الاتحاد محفوف بالتعقيدات، خاصة في ظل استمرار الحرب والانقسام السياسي الحاد.