اجتماعات رئاسي في السودان حول إمكانية إستئناف العملية السياسية وعودة حمدوك
في تطور سياسي لافت، كشفت مصادر مطلعة عن سلسلة من الاتصالات التي جرت خلال الأيام الماضية بين رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ورئيس مجلس الوزراء كامل إدريس، إلى جانب قيادات من تحالفي “صمود” و”تأسيس”، وذلك عبر نائب رئيس مجلس السيادة الفريق مالك عقار، الذي أدار جزءاً من هذه اللقاءات في العاصمة الكينية نيروبي. هذه التحركات تأتي في سياق محاولات لإعادة ترتيب العلاقات بين المكونات السياسية والعسكرية في السودان، وسط تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب المستمرة في البلاد. وبحسب ما نشرته صحيفة الراكوبة نيوز قبل ايام من تأكيد تلك الانباء، فإن لقاءاً جمع بين نائب في مجلس السيادة ونائب رئيس المجلس الرئاسي لتحالف تأسيس في الثالث عشر من سبتمبر الجاري، ما يشير إلى تحول في منهجية التعاطي مع أطراف النزاع، ويفتح الباب أمام احتمالات استئناف العملية السياسية.
وفقاً لمصادر موثوقة، فقد شمل اللقاء في نيروبي القائد عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان– شمال، الذي تم تعيينه في يوليو الماضي نائباً لرئيس المجلس الرئاسي الذي يقوده محمد حمدان دقلو “حميدتي”. هذا التعيين أثار اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية، نظراً لما يمثله الحلو من ثقل سياسي وعسكري في المشهد السوداني، خاصة في ظل تعقيدات النزاع وتعدد مراكز القوى. ورجحت المصادر أن مالك عقار هو من التقى بالحلو، إلا أن المجلس السيادي لم يصدر حتى الآن أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي هذه المعلومات، ما يضفي مزيداً من الغموض حول طبيعة اللقاء وأهدافه، ويعكس حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد.
الصحفي السوداني عطاف محمد مختار أشار في تصريحات لاحقة تؤكد تلك الانباء حيث اشار إلى أن هذه التحركات السياسية تشير إلى وجود تفاهمات أولية قد تمهد الطريق لعودة العملية السياسية إلى مسارها المدني. ووفقاً للمصادر، فإن لقاءاً مرتقباً سيجمع بين الفريق البرهان ورئيس تحالف صمود، رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، على أن يعقبه لقاء آخر بين البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو. هذه اللقاءات تحمل دلالات سياسية كبيرة، خاصة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة لإنهاء الحرب وإعادة السلطة إلى المدنيين، وسط حديث عن مبادرات عربية وإقليمية تقودها مصر والإمارات تهدف إلى توحيد الموقف السوداني حول تسوية شاملة.
المصادر أكدت أن هذه اللقاءات تتماشى مع بيان الرباعية الدولية، وتنسجم مع نتائج اللقاء الذي جمع البرهان بمستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس في سويسرا، والذي خلص إلى تفاهمات أبرزها عودة عبد الله حمدوك إلى رئاسة الوزراء ضمن تسوية سياسية واسعة. هذه التفاهمات تعكس توافقاً دولياً على ضرورة إعادة هيكلة السلطة التنفيذية في السودان، بما يضمن استقراراً سياسياً وأمنياً، ويعيد البلاد إلى مسار الحكم المدني، بعد سنوات من الاضطراب والانقسام.
بحسب المصادر، فإن الفريق البرهان أبدى موافقة مبدئية على عودة حمدوك إلى منصبه، مع إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، التي أطاحت بحكومة حمدوك حينها. كما أبدى البرهان استعداداً لاستئناف الشراكة مع القوى المدنية، ممثلة في تحالفي صمود وتأسيس، مع استصحاب الكتلة الديمقراطية الداعمة للجيش وحركات دارفور، واستبعاد الإسلاميين كتنظيمات سياسية ممثلة في المؤتمر الوطني، مع القبول بوجودهم كأفراد مستقلين. هذا التوجه يعكس رغبة في إعادة تشكيل المشهد السياسي على أسس جديدة، تراعي التوازن بين المكونات المدنية والعسكرية، وتستبعد القوى التي يُنظر إليها على أنها مثيرة للانقسام.
في ما يتعلق بمستقبل قوات الدعم السريع، شدد البرهان في موقفه الرافض لبقاء هذه القوات ككيان مسلح مستقل في وضعها السابق، مؤكداً أن وجودها يمكن أن يقتصر على ولايات دارفور، بعيداً عن العاصمة والمناطق الشمالية، إلى حين التوصل إلى صيغة عسكرية تستوعب هذه المجموعات ضمن هيكل موحد. هذه الخطة، وفقاً للمصادر، تم تقديمها رسمياً إلى الأمم المتحدة، في إطار رؤية البرهان لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، بما يضمن إنهاء حالة التعدد المسلح وتحقيق الاستقرار الأمني في البلاد.
المصادر أشارت أيضاً إلى أن رئيس الوزراء كامل إدريس بصدد تقديم تقرير مفصل إلى اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء خلال الأيام المقبلة، يتناول فيه تطورات الحوار السياسي والنتائج الأولية للاتصالات الجارية. هذا التقرير يُنتظر أن يشكل أرضية للنقاش حول مستقبل العملية السياسية، ويحدد ملامح المرحلة المقبلة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه البلاد.
في سياق متصل، كشفت المصادر عن وجود جناح داخل حزب المؤتمر الوطني لا يمانع في الدخول في حوار سياسي والمساهمة في إعادة تشكيل الحكومة المدنية، وهو التيار الذي يقوده إبراهيم محمود، ويحظى بدعم من قيادات الحزب المقيمة في تركيا. هذا الموقف يعكس انقساماً داخل الحزب حول كيفية التعاطي مع المرحلة الانتقالية، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة القوى السياسية على تجاوز خلافاتها وتقديم رؤية موحدة لإنهاء الأزمة السودانية.