الرؤية نيوز

النقارة السودانية.. طبول تروي حكايات الفرح والحزن

0 0

متابعة:الرؤية نيوز
تُعد النقارة السودانية نبضًا حيًا للثقافة الموسيقية في البلاد، فهي تحمل في دقاتها إرثًا فنيًا زاخرًا بالإبداع، وبين طياتها رسائل مختلفة، تعبر أحيانًا عن الفرح وأحيانًا عن الفزع والحزن، عبر إيقاعات متنوعة ومتفردة. تُلهب هذه النقارة الروح وتحتفي بالهوية والذاكرة الشعبية، وتستخدم بشكل خاص لدى قبائل كردفان.
والنقارة هي مجموعة من الطبول ذات أحجام مختلفة، يُشد عليها الجلد، وتتكون من خمسة أجزاء، المتمثلة في النقارة، والتمبل الذي يتكون من ثلاث وحدات، ثم الحمار.
تُعزف النقارة في مناسبات متعددة لدى العديد من القبائل، لترافق الأفراح كالختان والزواج بإيقاعاتها المبهجة والمميزة. وفي ساحات الحرب، تتحول ضرباتها إلى رسائل حاسمة تُعرف باسم “الخدمة”، تعلن القوة والجاهزية وتلهب الحماس.
كما تُستخدم للإعلان عن بدء الرحيل في القبائل التي ترتحل بحثًا عن المراعي الخصبة، فبعد تحديد المكان المقصود يقوم العازفون بعزف ضربات معينة ترشد المجموعات للوصول إلى وجهتها الجديدة.
ولا يقتصر دورها على الأفراح والحروب، فهي ترافق أيضًا لحظات الحزن، إذ تُضرب في مراسم الوفاة لتشارك المجتمع مشاعر الفقد وتعكس عمق التأمل والروحانية.

أجزاء النقارة

في دراسة قدمها الفنان د. عبدالقادر سالم في العام 2002، أوضح فيها أجزاء النقارة وطريقة صنعها واستخدامها، أشار إلى أن النقارة تتكون من مجموعة من الطبول المختلفة الأحجام، وتتألف من خمسة أجزاء رئيسية: النقارة، التمبل، والحمار، وتجدر الإشارة إلى أن التمبل يتكون من ثلاث وحدات.

النقارة

هي الطبل الكبير المصنوع من شجر الزان بعد تجويفه، ويُشد عليه الجلد ومن ثم ينتظر حتى يجف لتصبح جاهزة للعزف. بعد جفاف الجلد، يُستخدم عيدان النقارة للعزف عليها. تحتوي النقارة أيضًا على حامل مصنوع من العصي يُسمى “شعبة النقارة”، ويساعد هذا الحامل على وضع الطبل في مستوى مناسب لعازفه، الذي يعزف عادة وهو واقف.

التمبل

التمبل عبارة عن ثلاث طبول صغيرة الحجم مقارنة بالنقارة. يُستخدم للعزف عليها عيدان رفيعة أطول بحوالي الضعف من عصي النقارة، وتكون مدببة الأطراف لتجنب التأثير على جلد الطبل المشدود أثناء العزف.

الحمار

الحمار هو أصغر الطبول مقارنة بالتمبل، ويتميز بصوت مختلف عن صوت النقارة، وهو مخروطي الشكل. وفي بعض الأحيان، يمكن استبداله بالجالون أو الصفيح الفارغ لأغراض العزف.

صناعة النقارة

تصنع النقارة من خشب قوي ومتين، ويُكسى وجهها بجلد البقر الحديث. تبدأ العملية باختيار جذع أو فرع خالٍ من العقد والتشوّهات، ويُوضع عموديًا في حفرة لتسهيل العمل عليه. بعد ذلك، يتم تجويف الخشب باستخدام أدوات متنوعة للتسوية والتخريم، مع مراعاة اختلاف حجم التجاويف بين الجهتين، بينما يكون حجم التجاويف متساويًا في التمبل.
يُقص الجلد دائريًا بشكل يناسب حجم النقارة، ثم يُخرم ويُربط عبر سيور جلدية طويلة تغطي كامل الوجه. وبعد التجليد، تُعرض النقارة للشمس لتجف، ويُزال شعر الجلد وتُعالج بالملح قبل تعريضها للشمس مرة أخرى، لتصبح جاهزة للاستخدام خلال ثلاثة أيام تقريبًا.
يصلح استخدام النقارة عادةً بين أسبوعين وثلاثة أسابيع حسب كثافة العزف عليها، إذ تستنهلك هذه الآلة الإيقاعية بسرعة، وبعدها يتم تصنيع أخرى جديدة. أما التمبل، فقد أصبح اليوم يُصنع في بعض الأحيان من الحديد بدل الجلد، الأمر الذي يجعله يعيش لسنوات طويلة، خلاف النقارة. وقد تستغرق عملية صناعة هذه الطبول الإيقاعية 40 يومًا.

العزف على النقارة

عند الضرب على النقارة بمكوناتها المختلفة، يعزف كل طبل إيقاعًا مختلفًا؛ فيُخرج الطبل الأول، النقارة، إيقاعًا متقطعًا، أما التمبل فيكون إيقاعه منتظمًا وأكثر سرعة، والحمار يكون أسرع بدرجة كبيرة من التمبل.
أما بالنسبة للرقصات المصاحبة، تُقام رقصة النقارة غالبًا في فضاءات مفتوحة لتوفير مساحة مناسبة لتجمع الجمهور والمشاركين حول الطبل الكبير. في العادة، يصطف الشباب في حلقة دائرية يتوسطها النقّار، الذي يعزف على آلة النقارة، بينما تتواجد الفتيات في دائرة داخلية يغنين ويضفن عنصر الطرب والمشاركة في الرقص، إذ لا تشارك الفتيات في قرع الطبول.
تبدأ الرقصة بالعزف على النقارة، حيث يقوم العازفون بإصدار إيقاع متكرر وسريع، ثم يبدأ الراقصون بالحركة. وتختلف الرقصات حسب القبائل، فكل قبيلة أو منطقة تؤديها بطريقتها الخاصة، وغالبًا ما تأخذ شكل صهوة الحصان، إذ تعتمد على القفز المتكرر والمتناسق بين كل أفراد المجموعة الراقصة.
أحيانًا تتخذ الرقصة شكل صفين متقابلين من الشبان والفتيات، حيث يتحرك كل صف بتزامن على إيقاع الطبل، مع رفع الرؤوس والرقاب، لتخلق حركة متقابلة وانسجامًا بصريًا مع الإيقاع.
تظل النقارة السودانية أكثر من مجرد آلة موسيقية، فهي مرآة تعكس روح التراث السوداني وذاكرة المجتمعات الريفية في كردفان وغيرها من المناطق غربي البلاد .
تجمع بين الفرح والحزن، بين إيقاعات الحرب والسلام، وتختزل في أصواتها ملامح الأصالة والتنوع الثقافي. ومع تطور الزمن، ما زالت النقارة تحافظ على مكانتها في وجدان الناس، شاهدة على تاريخ طويل من الفنون الشعبية التي تُعبّر عن القوة، الفخر، والانتماء.
نفاخ نيوز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.