الرؤية نيوز

جريدة لندنية: السودان يدخل نفقا مظلما..هل تُصلح الانتخابات المبكرة ما أفسدته المرحلة الانتقالية

0

تُحيل دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان للاستعداد للانتخابات إلى تساؤلات بشأن جاهزية المكون العسكري والقوى السياسية المدنية لهكذا استحقاق قد يُخفف من حدة الأزمة التي تعرفها البلاد، حيث يشير متابعون إلى غياب ترتيبات فنية وسياسية يجب القيام بها لإجراء الانتخابات على غرار وضع دستور وتشكيل المجلس التشريعي وغيرها.

الخرطوم – كل يوم يمر على السودان والأزمة مستمرة يتضاعف المأزق الذي تعيشه المؤسسة العسكرية والقوى المدنية، حيث فشلت جميع المحاولات في العودة إلى القواعد التي وضعتها الوثيقة الدستورية كمحدد رئيسي في إدارة المرحلة الانتقالية، وأخفقت الحلول المقترحة في وضع حد للاحتجاجات، ولم يعد أمام بعض القوى سوى طرح خيار التعجيل بالانتخابات التي من المفترض أن تجرى في منتصف العام المقبل.

وعادت إلى السودان الأحد مشاهد التظاهرات الحاشدة في شوارع الخرطوم مصحوبة بعمليات كر وفر تجعل من التوصل إلى تفاهمات سياسية أمرا غاية في الصعوبة، فسقوط ضحايا في المليونيات المتكررة التي ينظمها تجمع المهنيين يقطع الطريق على المساعي التي تبذلها قوى محلية وإقليمية ودولية لوقف تصاعد الأزمة.

دعوة البرهان
متابعون يستندون إلى دعوة البرهان بشأن الاستعداد لإجراء الانتخابات في موعدها، كمدخل للحديث عن التبكير بها كوسيلة لخفض سقف الصدام

يستند متابعون إلى دعوة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان بشأن الاستعداد لإجراء الانتخابات في موعدها مؤخرا، كمدخل للحديث عن التبكير بها ووسيلة لخفض سقف الصدام في الشارع وتقصير المسافات بين القوى المتصارعة سياسيا، فإذا أحسنت الأطراف التعامل مع هذا الخيار قد تتراجع حدة الأزمة.

ويعتقد المتابعون أن التلويح بمقاربة تعجيل الانتخابات الآن لم يأت من أي جهة فاعلة في السلطة أو معارضيها، ولا يعني أصلا القبول به ضمان إجراؤها في أجواء مواتية والتفاف جميع القوى حولها.

وتوجد خطوات من الضروري إنجازها أولا، وتحركات يجب القيام بها لتوفير الظروف السياسية الملائمة أمامها، فالخلاف الحالي جزء كبير من مكوناته يتعلق بعدم التوافق بين الجهات التي أسندت إليها المشاركة في إدارة المرحلة الانتقالية.

ويحتاج إجراء الانتخابات إلى ترتيبات فنية وسياسية، غائبة عن التحركات التي تقوم بها قوى عديدة، فلم يتم تشكيل المجلس التشريعي أو الانتهاء من وضع الدستور أو حتى تشكيل مفوضية للانتخابات، ناهيك عن القوانين المنظمة لهذه العملية وما تتطلبه من إجراءات متباينة لن يتم إنجازها وسط شكل نادر من العلاقات المتنافرة.

الجيش غير متحمس للانتخابات
Thumbnail
كشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن المشكلة اللوجستية ليست هي العنصر الذي يمكن أن يكبح التعجيل بالانتخابات، إذ يمكن توفير الإمكانيات اللازمة خلال فترة وجيزة، لكن المشكلة في المؤسسة العسكرية وغالبية القوى المدنية، فكلاهما غير مستعد للتجاوب مع الخطوة في الوقت الراهن، والتي يفضي التعامل معها إلى المزيد من خلط الأوراق إذا جاءت في ظل ممانعات من الجهات الفاعلة في السودان.

ويميل الجيش إلى تدشين الإجراء الانتخابي في موعده، أي بعد حوالي 18 شهرا، وربما يفضل التأخير إلى أقصى مدى زمني ممكن كي تتمكن عناصره من تجهيز المسرح السياسي أمامه بما يضمن سيطرته على المشهد بشكل مباشر أو من خلال ترشيح وتبني شخصيات تستطيع تنفيذ أجندته.

كما أن الصورة الذهنية التي خلفتها أحداث الأيام الماضية، منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي تحديدا، باتت سلبية للغاية وتثير المخاوف لدى قياداته بخصوص الاستمرار في السلطة أو بالقرب منها، وصارت قدرة الجيش في تثبيت أقدامه السياسية أبعد من أي وقت مضى بعد تورط عناصر محسوبة عليه أو قريبة منه في أعمال عنف سببت إزعاجا في صفوف شريحة كبيرة من المواطنين.

ويحتاج قادة الجيش إلى وقت لضبط بعض أوجه الخلل التي لحقت بالمؤسسة العسكرية والحصول على قدر من الثقة، ويحتاج هؤلاء إلى فرصة لتسوية المشكلات العالقة في الداخل والخارج، وأي انتخابات تجرى في هذه الأوضاع القلقة تخصم من الرصيد الذي راكمه الجيش عقب سقوط نظام عمر البشير وخسارة المكاسب السياسية التي حققها عقب تداعيات الثورة عليه، وقد يتعرض البعض من قادته لمحاكمات.

لذلك لن يدفع الجيش باتجاه استحقاق انتخابي يعلم حصيلته مسبقا، فقد تكون الخطوة سببا في وضع رؤوس بعض قياداته تحت مقاصل ممتدة، مع اهتزاز مكانته السياسية، وحصر دوره في نطاق المهام التقليدية للجيوش النظامية، وهو ما جعل معظم الحركات المسلحة ترتاح للتنسيق معه، في حين تبدو رافضة للتعاون مع القوى المدنية التي تريد طي صفحة كل العناصر المسلحة، نظامية وغير نظامية.

عدم جاهزية القوى المدنية
Thumbnail
تحمل ردود الفعل القادمة من داخل القوى المدنية درجة من التوافق النادر مع الجيش بالنسبة إلى إجراء الانتخابات، فموقفها ليس أفضل حالا، حيث ترى أن استمرار الترهل أفضل من انتخابات تتكفل نتيجتها بكشف الأوزان النسبية لكل الأحزاب السياسية، الأمر الذي يمثل ضررا بالغا لكل من درجوا على تعويض حضورهم في الشارع وعدم قدرتهم على تقديم برامج واضحة، بما يدفعهم نحو تعطيل الانتخابات.

ويتسبب التشرذم الذي تظهر عليه الكثير من القوى السياسية في تقليل حظوظها الانتخابية، كما أن التآكل في أجسام العديد منها لا يمنح فرصة لإقناع المواطنين بأهمية الأفكار التي يحملونها على عاتقهم، فلم تلامس الجوانب الرئيسية من الأوجاع التي تعاني منها شريحة كبيرة من الناس، ولم تتكفل بالحد من الأزمات التي تلاحقهم أو تقدم وسيلة ناجعة لتخفيف الأعباء عنهم.

وما يسترعي الانتباه أن خيار الانتخابات، على الرغم من أهمية الاحتكام إليه للخروج من النفق المظلم الذي دخله السودان، إلا أنه لا يحتل أولوية في تحركات القوى المتخاصمة، والمسألة تتخطى فكرة الترتيبات اللوجستية المطلوبة والاستحقاقات التي يجب الوفاء بها أو الالتزام بالقواعد التي أرستها الوثيقة الدستورية.

وتكمن المشكلة في الأطراف السودانية الرافضة لطرح الانتخابات كوسيلة يمكن أن تنزع فتيل الأزمة، فلا توجد قناعة بها بسبب تأثيراتها على المصالح المباشرة للقوى المختلفة، ويمكن أن يحل توقيت الانتخابات في منتصف العام المقبل، وتظل الأوضاع على ما هي عليه من تدهور، فالوقت لن يكون علاجا جيدا لأزمة متجذرة.

ويحتاج السودان إلى الاحتكام لأداة عملية تنهي التجاذبات التي يمكن أن تدخل البلاد في دوامة خطيرة من الفوضى يمكن أن تمتد شرارتها إلى دول مجاورة، ولن تكون هناك أفضل من آلية محايدة تحتاج إلى مشاركة المجتمع الدولي في الدفع نحوها.

وتمثل الصيغة التي دخلتها الأزمة حلا مريحا لكثير من القوى بما يقودها إلى عرقلة أي بادرة أمل للتعجيل بالانتخابات، بذريعة أنها قد تؤدي لعودة نظام البشير، فحزبه (المؤتمر الوطني) وحليفه (المؤتمر الشعبي) وكوادر الحركة الإسلامية هم الأكثر تنظيما حتى الآن، ويمكنهم قطف الجزء الكبير من الكعكة عن طريق الانتخابات.

ويتطلب اللجوء إلى هذه الآلية وضع مجموعة من القواعد الحاكمة التي تضبط الانتخابات، ومشاركة واضحة من قبل المجتمع الدولي الذي لم تعد تدخلاته كافية أو تمثل رادعا للجهات التي يمكن أن تتسبب في خروج الأزمة عن السيطرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!