الأغبياء واثقون من أنفسهم والأذكياء متشككون.. ما مدى صحة ذلك؟
كتب الفيلسوف البريطاني، برتراند راسل، ذات مرة في أواخر ثمانينيات القرن الـ19 “المشكلة مع العالم هي أن الأغبياء واثقون والأذكياء ممتلئون بالشك”. كما قال تشارلز داروين إن “الجهل في كثير من الأحيان يولد الثقة أكثر من المعرفة”.
وقد تبين وفق الجزيرة نت أن كليهما كانا على حق، فقد أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الأكفاء بالفعل هم أكثر عرضة للتقليل من شأن قدراتهم. في المقابل فإن بعض الناس واثقون من قدراتهم، حتى عندما تكون هذه الثقة بعيدة عن الواقع، ويعرف هذا باسم “التفوق الوهمي”، وهو تحيز معرفي يصنف فيه الناس قدراتهم على أنها أعلى من المتوسط. إذا كنت أنت مثل معظم الناس، ويمكنك الاعتراف بأنك جيد جدا في بعض الأشياء ولست جيدا في أخرى، فأنت شخص طبيعي. أظهرت بعض الدراسات أنه عندما يكون لدى الناس تحيز “التفوق الوهمي”، فهناك علاقة مباشرة بين الكفاءة والثقة.
بمعنى آخر، كلما كان الشخص أقل كفاءة، زادت ثقته في أنه مؤهل بالفعل. الأشخاص الأغبياء يثقون أكثر من اللازم بشأن القليل من المعرفة التي يمتلكونها، وهي نظرية مثبتة. غالبا ما يبالغ الأشخاص الأغبياء في تقدير أنفسهم، ولديهم تفوق مخادع في عملهم. ويعرف هذا بـ”تأثير دانينغ كروجر”، وقد سمي على اسم عالِمي النفس ديفيد دانينغ وجوستين كروجر، اللذين اقترحا وجوده في بحث نشر في الجمعية الأميركية لعلم النفس عام 1999.
ويرجع السبب في مبالغة الأغبياء في تقدير قدراتهم إلى عدم قدرتهم على إدراك نقص المعرفة لديهم؛ مما يتسبب لهم في عدم التعرف على عدم كفاءتهم، وهو السبب نفسه، الذي يجعل الأفراد الأكفاء يقللون من كفاءتهم النسبية، فهم يعرفون أن هناك مزيدا من المعرفة لا يدركونها الآن. الوعي بعدم المعرفة الأشخاص الأكفاء حقا هم أكثر وعيا بمدى عدم معرفتهم.
لديهم أيضا وعي أكبر بمجال خبرتهم بشكل عام. وهذا يتسبب لهم في مشكلة في كل مرة يلتقون فيها الأشخاص ممن لديهم ثقة مفرطة في آرائهم، أولئك الذين لن يتراجعوا أبدا؛ لأن كلمتهم يجب أن تكون الأخيرة.
النصيحة في هذه الحالة أن لا تصاب بالإحباط إذا لم يفهموا وجهة نظرك، فهم جاهلون جدا للاعتراف بأنهم قد يكونون على خطأ. ثلاثية الإحباط وأظهرت دراسة أن عدم الكفاءة يمثل ثلاثية محبطة من الجهل، فالأشخاص غير الأكفاء لا يؤدون بالسرعة المطلوبة، ولا يدركون افتقارهم إلى الكفاءة، ولا يعترفون بكفاءة الآخرين.
وخلص الباحثون إلى أن “المهارات التي تولد الكفاءة في مجال معين هي في الغالب المهارات الضرورية نفسها لتقييم كفاءة الآخرين في هذا المجال”. بعبارة أخرى، إذا كان غير الأكفاء لديهم أشخاص يقدمون لهم تقارير تخص العمل، وكانوا يسيئون تقدير هذه التقارير، فقد يضر ذلك بوظائفهم إلى جانب حياتهم المهنية.
ربما تصف العبارة القديمة أن السمكة تتعفن من الرأس أولا، الآثار الضارة التي يخلفها المديرون غير الأكفاء على من هم دونهم؛ لكن يصعب تصحيح مثل هؤلاء المديرين أو انتقادهم، لأنهم لا يدركون أن هناك مشكلة. على عكس أصحاب الأداء العالي، لا يتعلم أصحاب الأداء الضعيف من التغذية الراجعة التي تشير إلى حاجتهم إلى التحسين.
أثناء إجراء التجربة، لم يكتشف عالما النفس ديفيد دانينغ وجوستين كروجر فقط أن الأشخاص، الذين سجلوا درجات منخفضة في الواقع، قيموا أنفسهم أعلى من أولئك الذين سجلوا نتائج جيدة بالفعل؛ بل وجدوا أيضا أنه عند مواجهتهم بالنتيجة عمل المشاركون الأكفاء على تحسين أنفسهم أكثر، في حين أن غير الأكفاء لم يتغيروا على الإطلاق، وبدلا من ذلك حاولوا التشكيك في صحة الاختبار، الذي خضعوا له في الدراسة. تشير دراسة أخرى أجريت عام 2020 إلى أن الأفراد من الطبقة الاجتماعية العالية نسبيا لديهم ثقة مفرطة أكثر من أفراد الطبقة الدنيا. هل كلنا أغبياء؟ تقول الكاتبة ريدهي تياجي على موقع “إدتايمز” (Edtimes)، الإجابة لا، معظمنا يجهل فقط أننا “لسنا أذكياء”.
يعتقد معظمنا أننا أفضل من المتوسط. هذا ما يتحدث عنه تأثير دانينغ كروجر، عن التفوق الوهمي. في كثير من الأحيان، يبالغ معظمنا في تقدير ذاته وما يمتلك من قدرات. في الواقع، تشير بعض المصادر إلى أن ما يصل إلى 93% من السكان يعتبرون أنهم أعلى من المتوسط في وقت أو آخر، وهذا أمر مستحيل إحصائيا.
تقول تياجي، إن الفلاسفة والعلماء أشاروا مرارا وتكرارا إلى أن الجهل والخداع والغباء تشكل تهديدات كبيرة للعلم والمجتمع. ربما يكون هذا أحد الأسباب الرئيسة وراء رغبة هؤلاء العلماء في دراسة تأثير التفوق الوهمي في المقام الأول.
كيف نتخلص من ذلك؟ تنبع الحاجة إلى محاربة هذا النوع من البشر من حقيقة أنه بغض النظر عن مدى عدم مهارتهم، فهم واثقون من القليل الذي يعرفونه وتظل الفرص سانحة أمامهم للوصول إلى المناصب العليا. ولا يمكننا أن ندع العالم يديره أناس صارمون وعنيدون وجهلة.
تكمن المشكلة أيضا في حقيقة أن المؤهلين والأكفاء يستخفون في الغالب بأنفسهم، ويقللون من قدراتهم، وهذا يجعلهم يتركون القيادة لهؤلاء ممن يقلون عنهم ذكاء ومعرفة وقدرة على الفهم.
أن تصمم أن تكون دائما على حق، وفي كل مرة مهما اختلف معك الآخرون، هو دليل على الحماقة نفسها، في المقابل، فإن تقليلك من شأن نفسك؛ لأنه يجب عليك أن تكون عارفا بكل شيء وواثقا من معرفتك بكل شيء ليس جيدا أيضا.