الرؤية نيوز

بعد أربعة أعوام على الثورة.. هل يفتقد أحد حكم (البشير)؟

0

الخرطوم: خديجة الرحيمة

(زيادة جنيه في سعر الرغيفة) كان نهاية لحقبة ثلاثين عاماً من عمر الإنقاذ، فكان يوم ١٩ ديسمبر من عام ٢٠١٨ بداية شرارة لتلك الثورة التي خرج الشعب فيها احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية وتفاقم الاوضاع وتراجع الخدمات وكبت الحريات. واليوم مضت أربعة أعوام ليطرأ السؤال: هل كانت نهاية تلك الحقبة بداية للإصلاح ام نهاية النهاية؟
عدد من المواطنين استطلعتهم (لإنتباهة) للمقارنة بين الاوضاع في الأيام الأخيرة لحكم البشير وما آلت إليه الاوضاع اليوم، ورغم تباين الآراء كانت الخلاصة أن الاوضاع ازدادت سوءاً وتعقيداً.
خبراء تحدثوا للصحيفة برؤى استراتيجية وأفق في التحليل، فماذا قالوا؟

اندلاع وتدهور
واندلعت الثورة السودانية في 19 ديسمبر من عام 2018م في كثير من المدن بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدهور حال البلاد على كل المستويات، وعلى الرغم من مرور أربعة أعوام الا أن الحال مازال كما هو واسوأ من قبل.

والغريب في الأمر أن الجميع كان يتوقع تحسن الحال المعيشي بعد سقوط البشير، ولكنهم تفاجأوا بتدهوره اكثر من الاول، مما جعلهم يندمون على مطالبتهم بسقوط الإنقاذ، وكثير منهم يتمنون عودة النظام السابق.
ومنذ عام ٢٠١٨م لم تتوقف الاحتجاجات بل في وتيرة متزايدة كل يوم، ولكن المواطن أباذر الطيب يقول لـ (الانتباهة): (تمر علينا هذه الايام ذكرى الثورة السودانية العظيمة التي أعتقد أنها لم تؤت أكلها، والسبب هو ما حدث ويحدث من تنافر وتناحر بين الأحزاب الموجودة الآن، وتفكيرهم الاستباقي في التسلط قبل السلطة نفسها، وترك قضية البلاد الحقيقية وهي الوفاق الوطني والحكم الراشد وغيره)، وأضاف قائلاً: (أما عن افضلية العهود فنظام الإنقاذ هو الأفضل، لأن بلادنا بها من الموارد ما يجعل أية حكومة توافق تمضي بها قدماً إذا توفرت الإرادة السياسية).

رجوع للخلف
أما المواطن حيدر احمد فيتفق مع أباذر في افضلية نظام الإنقاذ ليضيف قائلاً في حديثه لـ (الانتباهة): (نظام الإنقاذ هو الأفضل لانه على الاقل آنذاك كان الأمن متوفراً والحياة سهلة وليس فيها صعوبة من حيث الاكل والشرب والمواصلات، وعموماً الحياة كانت تمضي، وكنت أتوقع ان تذهب البلاد للأمام بعد السقوط ويحدث تغيير، لكن للأسف رجعنا إلى الخلف).

وضع كارثي
اما المواطنة آفاق عبد الله فتقول: (نحن نشأنا في عهد الانقاذ، ولم تواجهنا اية صعوبات في مراحل حياتنا منذ أن كنا أطفالاً وحتى كبرنا)، وأضافت قائلة لـ (الانتباهة): (في الفترة الأخيرة من عام ٢٠١٢م تحديداً بدأت الحياة تتذبذب وصعبت سبل الحياة، مما أدى إلى خروج المواطنين الى الشارع بحثاً عن توفير لقمة العيش بغض النظر عن ارتفاع رسوم التعليم وتردي الوضع الصحي، واصبحنا اليوم في وضع أصعب من الاول). وتابعت قائلة: (كنا نتمنى التغيير، وبعد ان حدث التغيير اصبح الحال اصعب من قبل، وكنا نتوقع ان يصبح الحال افضل ولكن حدث العكس وأصبح الوضع كارثياً، وفي نظري لا يتم التغيير الا بتضافر الجهود).
ومن ناحيتها قالت المواطنة سعاد محمد لـ (الانتباهة): (كنت أكثر كرهاً لعهد الإنقاذ، وخرجت في العديد من التظاهرات، كما تم اعتقالي عدة مرات، وكنت أبحث عن وضع افضل، وتمنيت لو ان رطل الحليب عاد كما كان عليه في عهد البشير، ولكن حدث ما حدث)، وأضافت قائلة: (لو كنا نعلم اننا سنصل الى هذه المرحلة لما طالبنا بسقوط النظام البائد لأنه أفضل السيئين)، معبرة عن إستيائها من هذا الوضع، متمنية ان يتحسن الوضع او يعود كما كان عليه.

فشل وصدمة
(من ذلك الذي يجرؤ على القول إن فترة البشير افضل من الفترة الانتقالية والانقلابية اللاحقة لها. وهذا بالتأكيد لا يخرج الا من (الكيزان) الذين يريدون به تلميع صورة (الكيزان) للعودة الى الساحة السياسية التي فشلوا فيها بجدارة وانتهت بانفصال الجنوب وحرب دارفور الاهلية والمقاطعة العالمية او الحصار وانهيار الاقتصاد وتفاقم الديون الخارجية وتدهور المعيشة التي ثار ضدها الاطفال قبل الشباب والكبار) بهذه العبارة ابتدر الخبير الاقتصادي وائل فهمي حديثه لـ (الانتباهة) ليضيف قائلاً: (بالمقارنة مع الفترة الانتقالية التي ظل الحصار الدولي مستمراً فيها حتى سداد التعويضات، فمن ذلك الذي يمكنه ان يقول ان الاسعار لم تكن ترتفع في ظل نظام البشير، هذا وهم بمستوى الخيال. فقد استمر نظام البشير في رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والمياه وانقطعاتهما المستمرة، ورفع الدعم عن الخبز وخلطه بالذرة للحفاظ على اسعاره من بعد ان كان (٥٠) قرشاً قبل وصوله الى الجنيه، وذلك الى جانب تخفيض اسعار الصرف في مجاراته السوق الموازي للعملات الاجنبية ليصل الى (١٨) الف جنيه والى ما يقارب (٣٠) الف جنيه عند السقوط من (١٢) جنيهاً، بجانب زيادة الضرائب غير المباشرة، خاصة عن طريق (رب رب رب) في وقت كانت الاجور الاسمية في غاية الانخفاض، مما جعل الحياة المعيشية التي كانت تدبر بالصفوف والعدم لذوي الدخول المحدودة والثابتة بوجه خاص في ظل نظامه، بحيث اصبح الوضع لا يطاق، فالمسألة هنا نسبية)، وتابع قائلاً: (لكن لو حاولنا احداث فرق فإن الفرق في عنف التطبيق للسياسات اليبرالية خلال الفترة الانتقالية، بالمقارنة مع فترة عمر البشير التي انتهت بتطبيق برنامج الصدمة بعد فشل كل البرامج المراقبة خلال فترة الحكم، لما آلت اليه من ندرة حادة في كل شيء تقريباً، فالندرة مقياس لفشل النظام الاقتصادي والسياسي الحاكم)، ومضى قائلاً: (ليس نظام البشير بافضل من نظام الفترة الانتقالية في كل شيء، لو تذكرنا الأسعار في عام ١٩٨٩م، وارتفعت بعد سقوطه في الارض بدون الجنوب وحلايب والفشقة، فلا يمكن قبول منطق مقارنة الاسعار في الفترتين رغم استمرار ارتفاعها خلال الفترتين، ويكفي ان نذكر بأن الفترة الانتقالية نجحت في ما لم ينجح فيه الكيزان من انفتاح على العالم والحصول على اموال منه، الى جانب اعفاءات اضاعها الانقلاب ليضيف الى ذلك سنوات من فرص التنمية الضائعة على السودان)، وقال: (لذلك لا نرى من الترويج لمثل هذه المقارنات غير استغلال الظروف لتلميع عودة الكيزان للسياسة وربما الحكم، وهذا امر مستبعد بعد ان تكشف فساد احزابهم بمقدار النهب وتآكل سودان المليون ميل مربع (سابقاً) وانهيار قواعد انتاجه بالكامل).

أمنيات خيالية وتهديد
وفي منحى آخر يرى المحلل السياسي احمد عابدين أن غياب خريطة الطريق المبنية على رؤية تشمل وتخاطب كل الأسباب التي أدت تاريخياً لفشل قيام دولة القانون والعدالة، وبالرفاه والتغيير ما بعد البشير توفرت فيه عوامل تصفية الاغبان ومناصبة القوات المسلحة العداء والجهر بمصير مظلم للمخالفين، بحسب تعبيره، وأضاف عابدين في حديثه لـ (الانتباهة) قائلاً: (الممارسة للسلطة كانت صبيانية وشللية وغلبت عليها الروح الحزبية والمحاصصة السياسية، خاصة أن من ورثوا التغيير من المدنيين لا يجمع بينهم إلا عداء الإسلاميين، فما هو بينهم من عداء انكأ وأمر مما يتصوره الإنسان العادي، والحاضنة السياسية فقدت كبارها، فوفاة الإمام الصادق المهدي شكلت ضربة قوية وجعلت الكل يتنمر على الكل، والشعب تم شحنه بامنيات خيالية سرعان ما تبخرت، وهذا شكل عبئاً إضافياً، واليوم تحول لناقم وهو يرى قيماً وعادات تربى عليها تتم محاولة طمسها، فاخطر ما سعى له بعض الايديولوجيين في صفوف قحت هو التنمر على الإسلام، وهذه ولو كانت بريئة فإنها تمس عقيدة تشكل وجدان ٩٠٪ من السودانيين)، وتابع قائلاً: (اليوم تمر أربع سنوات وحصادها قوى سياسية منقسمة وجماعات مسلحة تجوب شوارع الخرطوم وجيش مهدد بالتفكيك ونمو تطرف فكري وقبلي ونزعة للمناطقية واحياء للتعصب القبلي وتحالفات سياسية فطيرة، وكل هذا يجعل المواطنين يحنون للماضي ولو أنهم رفضوه في السابق، وهذه هي الهزيمة الأكبر لاجيال ظلت ثلاثين عاماً تناصب الإنقاذ العداء، وها هي اليوم حائرة)، ومضى قائلاً: (في نظري أن الحنين لماضي البشير هو خط رجعة غير ناضج، فالتاريخ لا يعيد نفسه، ولكن هذا هو الشعب السوداني الذي أسقط عبود ثم حن له واسقط نميري ثم تمناه، واليوم نحن على أعتاب تكرار العادة، فهل يتعظ القادة السودانيون ويعيدون قراءة التاريخ ويضعون حداً لهذه الدائرة الجهنمية؟ أم تعود السلطة للقوات المسلحة فقيمون انتخابات كما يشتهون، وبهذا ينتهي الدرس السابع دون أن نتعلم).

مزيد من التدهور الأمني
وفي سياق متصل يقول الخبير الأمني والاستراتيجي خالد محمد عبيد الله لـ (الانتباهة): (كلما تدهور الاقتصاد انفرط عقد الامن، ويكفى الإنقاذ انها أمنت الشعب في مأكله ومشربه، فلم يخف الا الله والذئب على غنمه، ودارت الأيام وترك ثوابت الدين وترك تعاليمه واقتصاده القائم على أبواب السموات والأرض، فاستشرى الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس، واصبحت البنوك ربوية وجاع الشعب وفقد المواطن أمنه، فالامن والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، فها هو السودان يعود إلى سياسات صندوق النقد الدولي ويستجدي عطف المنظمات الأجنبية ودول الترويكا، فابشرو بمزيدٍ من التدهور الأمني، فالرجوع الى الله وحده من يعيد امن الشعب السوداني، فما دام السياسيون يؤمنون بأن الحل في الفصل السادس والوصاية الدولية فابشروا بالبند السابع وتوزيع المعينات والتعيينات في الشوارع الرئيسة في الخرطوم، فالشعب السوداني لا يشابه البلدان الاخرى، فلن يغادر شرقاً ولا جنوباً ولا حتى شمالاً، فموسم الهجرة الى الشمال انتهى عصره، فالآن اوروبا تبحث عن الغاز والدفء من شتاء قارص وحرب بيولوجية لا تستثني احداً، وليس من الإنصاف مقارنة حكم الانقاذ بما جرى في السودان بعد ابريل ٢٠١٩م، فلم تكن هناك حكومة بالمعنى المعروف، ولا قحت ولا الوصاية، ولولا القوات المسلحة السودانية التي تبطئ الطامة الكبرى وهي البند السابع الذي حتماً سيقابلنا، لتقسم السودان الى دويلات تحت مظلة الجوار، وليست هناك حلول بائنة في الافق ولا تاريخ للمقارنة، ولن يعود السودان إلى فترة الانقاذ ولا قبل اعلان قوانين سبتمبر ولا إطعام من جوع ولا امن في منازلكم، ونحن مسلمون متمسكون بديننا الحنيف، ولا علمانيين قحاتة، لنعيش الترف ونرضى باليهود والنصارى داعمين لنا، فكيف نحلم بأمان رغد عيش؟ والآن السودان تحت الوصاية، واذا استمرت سيكون تحت البند السابع بحجة بناء السلام وتحقيق الانتقال الديمقراطي وحماية المدنيين من بطش الأجهزة الأمنية كما يقولون، وها هو المبعوث الإنساني للأمم المتحدة قادم ليضع اللمسات الأخيرة ويعزف لحن الوداع لبلد اسمه السودان).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!