مفاجآت الإطاري.. الحلو.. هل يقلب الطاولة على الكتلة الديمقراطية؟
مفاجآت الإطاري.. الحلو.. هل يقلب الطاولة على الكتلة الديمقراطية؟
عبدالقادر محمود: ليس مستبعداً أن يكون الحلو بديلاً للكتلة الديمقراطية
محامو دارفور: تقارب الأمة والشعبية يندرج في إبراز حسن النوايا
الوليد مادبو: فكرة استبدال مجموعة بأخرى حيلة إنقاذية
الخرطوم: إبراهيم عبد الرازق
لقاء جوبا بين الأمة القومي والحلو جاء في وقت اختلفت تعبيرات الإطارين نحو جبريل ومناوي من أعضاء أصيلين، وأصحاب مواقع محفوظة في العملية السياسية، إلى رسالة مفادها أن الحرية والتغيير لن تنتظر أحداً، ولن ترهن مصير البلاد المأزومة لشخصيات أو مجموعات، ما أثار التساؤل هل ستحل الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو بديلاً إطارياً عن الكتلة الديمقراطية، سيما وأنها ترفض اتفاقية سلام جوبا، التي يرغب الإطاريون في تقييمه وتوسيعه، مراقبون قالوا ربما، لكن الفكرة تواجه تحديات جمة أبرزها العلمانية، لكن مع ذلك اعتبر محللون عبد العزيز الحلو لاعب سياسي مهم وسيحدث فارقاً كبيراً في المشهد السياسي إذا وافق على الانخراط في العملية السياسية الجارية.
تفاهمات مهمة!
أعلن حزب “الأمة القومي” و”الحركة الشعبية لتحرير السودان”، أمس الأول السبت، أنهما توصلا إلى تفاهمات مهمة في ما يتعلق بالأزمة السودانية المتجذرة، وضرورة حلها بما يضمن وحدة واستقرار البلاد.
جاء الإعلان في بيان مشترك، وقّعه الصديق الصادق المهدي عن حزب “الأمة القومي”، وعادل إبراهيم شالوكا عن “الحركة الشعبية”، وأعقب مباحثات بين الطرفين بمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، استمرت لمدة يومين.
و”الحركة الشعبية لتحرير السودان” بزعامة عبد العزيز الحلو، هي واحدة من الحركات المتمردة التي لم توقع على اتفاق سلام مع حكومة ما بعد الثورة، لتمسكها بوضع خاص لمنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق، اللتان تمثلان مركز عملياتها العسكرية، كما تشترط الحركة فصل الدين عن الدولة حتى تدخل في عملية السلام، وعلى الرغم من عدم توصلها لاتفاق سلام إلا أنها تتمسك بوقف لإطلاق النار المتفق عليه منذ أكثر من 7 سنوات.
وذكر البيان، أن “حزب الأمة” والحركة دخلا في حوار هادئ، وعميق، وموضوعي، وشفّاف، توصل لعدم استغلال الدين في السياسة، وعدم استخدامه لتحقيق أهداف سياسية، والفصل بين حقوق المواطنة والانتماء الديني، مشيراً إلى أنهما اتفقا على تحقيق السلام الشامل والعادل والمستدام، بمخاطبة ومعالجة جذور المشكلة السودانية، ويحقق التعايش المجتمعي، وترتدّ منافعه على كل الشعب السوداني، ولا سيما المكونات المجتمعية في مناطق الحروب.
وأضاف البيان، أن الطرفين اتفقا كذلك على إصلاح القطاع الأمني والعسكري، والذي يقود لجيش وطني مهني قومي واحد، بعقيدة عسكرية جديدة جامعة، ويعكس التنوع والتعدد الذي تتسم به الدولة السودانية، على أن يؤدي الجيش مهامه بموجب الدستور، ويقوم بحماية الدستور والدفاع عن سيادة الدولة وأراضيها من المهددات الخارجية.
تغيير اللهجة!
ظل متحدثو الإطاري يرددون: (جبريل ومناوي جزء أصيل من العملية السياسية) و(جبريل ومناوي أماكنهما محفوظة)، وذلك بصورة يومية، لكن هذه اللهجة الحميمة تراجعت بعد لقاء ممثلي حزب الأمة القومي بقائد الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو في جوبا، فقد وصف متحدث الحرية والتغيير الواثق البرير الأمين العام لحزب الأمة لقاء حزبه بقائد الحركة الشعبية لتحرير السودان عبد العزيز الحلو بأنه فاتحة لعدد من اللقاءات المرتقبة لحوارات جادة تقود إلى اتفاقات نحو تحقيق التعايش السلمي في ربوع البلاد وتحقيق السلام الشامل بالبلاد، وأضاف البرير لـ(اليوم التالي) أمس أن اللقاء تم بمبادرة من الأمة القومي؛ لكنه ناقش مع الحلو تفاصيل العملية السياسية الجارية بالبلاد، وحول توقع البعض حدوث ارتباك في المشهد لمبادرات سابقة مع الحلو أطلقها تحالف قوى التغيير الجذري التي ترفض العملية السياسية قال البرير إنه لا إرباك في المشهد لأن حزب الأمة يعمل وفق رؤية واضحة تتبنى مشروعاً وطنياً وليس أجندة حزبية.
وحول موقف الاتصالات مع جبريل ومناوي قال البرير إن مفاوضي الحرية والتغيير من قبل الحركتين يصلون معهم إلى تفاهمات، ثم يعودون بآراء أخرى، يوافقون على بعض الأمور، ثم يعودون للرفض مرة أخرى، وتابع بقوله: جربنا معهم أساليب منوعة من الحوار، وصلت حد إعفائهم من التوقيع على الاتفاق الإطاري إذا كان لا يعجبهم، والحضور والتوقيع مباشرة على الاتفاق النهائي، لكن موقفهما لا يزال على حاله.
وحول تأثير غياب الحركتين على العملية السياسية قال البرير: نحن نقود عملية سياسية شاملة ومفتوحة لجميع القوى ذات المصلحة في التحول الديمقراطي، ومضى: لكننا لن نرهن الحل في البلاد إلى مجموعة أو أشخاص بعينهم، وزاد: الوطن أكبر من الجميع ولن يكون هناك انتظار لأي مجموعة.
معضلة العلمانية !
ومن جهته قال خبير الحوكمة دكتور الوليد مادبو: فكرة استبدال مجموعة بأخرى حيلة إنقاذية، يجب أن نفكر في السبل الدستورية التي ستحقق الفدرالية الثقافية والسياسية والاقتصادية، وأضاف مادبو لـ(اليوم التالي) أمس: دأبت النخب المركزية (قحت أحد روافدها) على التفكير في أن أنجع الحلول تكمن في إمكانية تفادي المشكلة، ما يسمى بـ(جبن العقول وكسل القلوب.!) وتابع: إن قيادة حزب الأمة لا تملك الشجاعة لطرح العلمانية بصورة موضوعية، وجماعة الحلو يتبنون الفكرة بصورة دوغمائية لا تراعي مستوى وعي المواطن أو دائرة اهتمامته المعيشية، هل هناك مشرط سحري يمكن فصل الدين به عن الدولة (قد يكون موجوداً في شنطة محمد جلال، ابحثوا عنه!؟ هل يمكن فصل القيم عن السياسات؟ هل تشمل القيم الدين أم إن هناك قيم عالمية يلزمنا الاحتكام إليها علماً بأن الدين هو حيلة الكثيرين للوصول إلى مرتقى الإنسانية.
وسائل مدنية !
أما عضو هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن فقد اعتبر الفكرة معقدة وأن فكرة الاتفاق ما بين الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة الحلو وحزب الأمة القومي يندرج في إبراز حسن النوايا والرغبة في البحث عن حلول بوسائل مدنية وأضاف الصادق لـ(اليوم التالي) أمس: ولكن تعقيدات الأوضاع في السودان وعمقها بتحتاج لخطوات عميقة وليس ما أعلن عنه من مبادئ صارت من المسلمات، البلاد الآن تحتاج لإجراءات بروئ استراتيجية لتجاوز الفوضى التى صارت وشيكة وعلى الأبواب وهذه تتطلب التأسيس على الحلول القاعدية وخاصة أن قضايا البلاد قد تجاوزت الأطر التقليدية لمعالجة فقط بين الأحزاب والحركات المسلحة وقد أصبحت ذات أبعاد مجتمعية متراكمة ومعقدة.
بديل متوقع!
ورأى أستاذ العلوم السياسية عبد القادر محمود صالح أن إطار المساعي الجارية الآن لردم الهوة بين المسافات المتباعدة لوجهات نظر القوى السياسية، ليس مستبعداً أن يكون عبد العزيز الحلو بديلاً لقوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية وأضاف لـ(اليوم التالي) أمس وذلك لعدة اعتبارات؛ أولها أن الحركة الشعبية شمال جناح الحلو حركة ذات وزن سياسي وعسكري كبيرين ولا يمكن تجاوزها بأي حال خاصة وأن المساعي والجهود المبذولة من قبل القوى الإقليمية والدولية كانت وما زالت تبحث عن منافذ للولوج إلى متغير الحركة الشعبية بقيادة الحلو وحركة تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور باعتبارهما حركتين ذات أوزان جماهيرية كبيرة وانخراطهما في العملية السياسية سيكون له ما بعده في إحداث التغيير الجذري لقضايا الحكم والاقتصاد واستقلال القرار السياسي والعلاقات الخارجية المتوازنة، وأعتقد أن جهود حزب الأمة لا يمكن فصلها عن سياق جهود وتحركات قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بهدف تقريب وجهات النظر المتباينة حول الاتفاق الإطاري وحشد مزيد من المؤيدين. ثانياً: هنالك أزمة ثقة حقيقية بين طرفي قوى الحرية والتغيير، وتقارب التغيير المجلس المركزي للحركة الشعبية شمال يعتبر خطوة ذكية للمناورة السياسية وكسب نقاط في ملعب الخصوم من الطرف الآخر للحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية).
ولكن السؤال المهم هو هل سيقبل عبد العزيز الحلو بشكل ومضمون الاتفاق الإطاري لا سيما أن الحركة الشعبية شمال هي أقرب إلى القوى الجذرية منه إلى قوى الهبوط الناعم؟
ربما بسبب حركة الرمال وتكتيكات السياسة ومقتضيات التأثير الإقليمي والدولي على مجمل العملية السياسية والانتقال المدني للسلطة في السودان ستتغير وجهة النظر الراديكالية التي كانت وما زالت إلى وقت قريب تتبناها الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو تجاه قضايا البناء الوطني في السودان.
ومضى: في تقديري عبد العزيز الحلو لاعب سياسي مهم وسيحدث فارقاً كبيراً في المشهد السياسي إذا وافق على الانخراط في العملية السياسية الجارية ومتوقع أن يحدث ذلك في غضون الأيام القادمة خاصة وأن الرجل نفسه تحدث عن ضرورة إيجاد حل من خلال التسوية المقترحة من الآلية الدولية بغية الوصول إلى الدولة المدنية الديمقراطية في السودان الجديد.