مدينة الأُبيّض المحاصرة ينفد منها الطعام والماء والوقود تحت حصار الدعم السريع
ترجمة حفصة جودة
تقع مدينة الأُبيّض السودانية الإستراتيجية الحيوية تحت حصار قوات الدعم السريع شبه العسكرية لأكثر من 40 يومًا، وفقًا لخمسة مصادر محلية، ومحلل عسكري غربي تحدث عن الأوضاع في عاصمة شمال كردفان.
لم تعد المياه تجري في الصنابير والطعام بدأ في النفاد، أما الكهرباء فقد انقطعت منذ شهر بينما أغلقت المنشآت الصحية أبوابها، ولم يعد الوقود متاحًا إلا في الأسواق ويُباع بأكثر من 6 أضعاف ثمنه الطبيعي.
ومع توقف موظفي الحكومة عن العمل وبالتالي توقف رواتبهم، أصبح معظم سكان الأُبيّض عاطلين عن العمل، وبينما يسيطر الجيش السوداني على مقراته في النصف الشرقي من المدينة، تنتشر دوريات قوات الدعم السريع في الريف، كما وضعت حواجز طرق عند كل مدخل رئيسي للمدينة.
تنهب قوات الدعم السريع السيارات القادمة إلى المدينة أو الخارجة منها، كما فرضت ضرائب على حركة الناس بين القرى والأحياء الحضرية.
دعا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مواطني السودان إلى حمل السلاح ضد قوات الدعم السريع، لكن الوضع الذي تواجهه قواته في الأُبيّض هو ما تواجهه في بقية البلاد، فقد تغلبت عليهم قوات الدعم السريع التي تملك خبرة قتالية أكبر.
تقول المصادر في الأُبيّض إنهم يخشون أن تتسبب دعوى البرهان في زيادة الأوضاع السيئة سوءًا، يقول شهود عيان محليون أيضًا إن قوات الدعم السريع هي المسؤولة عن عملية نهب مخازن برنامج الغذاء العالمي “WFP” في الأُبيّض، التي وقعت في أول يونيو/حزيران وأضرت بالمساعدات الغذائية المخصصة لأكثر من 4.4 مليون شخص.
هذه البضائع المنهوبة نُقلت إلى الأسواق لبيعها، وقد أعادوا تسمية الأسواق باسم “دقلو” نسبة إلى محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع المعروف باسم حميدتي.
تسيطر قوات الدعم السريع على السفر والحركة من وإلى المدينة من خلال نقاط التفتيش، وتختلف طرق تعاملهم مع السكان حسب الأحياء
في الوقت نفسه، قال أحد الشهود المحليين وهو عالم اجتماع فرّ من الخرطوم مع زوجته الحامل بعد 3 أسابيع من بداية الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، إن أفراد من قوات الجيش السوداني قتلوا مدنيين في الأُبيّض بالخطأ وهم سكارى.
تحت الحصار
تقع الأُبيّض على مقطع الطرق التي تربط غرب السودان وجنوبه بالعاصمة الخرطوم، وقد أدى موقعها الإستراتيجي إلى النزاع عليها منذ بداية الحرب مع اشتداد حصار قوات الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة.
ردًا على ذلك سيطرت الفرقة الخامسة للمشاة في الجيش التي تضم مقاتلين ذوي خبرة على المقرات الرئيسية للمدينة، بالإضافة إلى سيطرة اسميه على المدينة نفسها، لكن قوات الدعم السريع تحاصر المدينة وتمنع دخولها عن طريق نقاط تفتيش.
يقول المحلل الغربي إن حامية الجيش فاقت التوقعات في دفاعها عن حدود المدينة، لكنها ستحتاج إلى تعزيزات في حال تواصل اعتداءات قوات الدعم السريع.
وضعت قوات الدعم السريع نقاط تفتيش على طول الطريق الغربي المؤدي إلى مدينة النهود، والطريق الشمالي المؤدي إلى أم درمان والطريق الشرقي المؤدي إلى كوستي، وذلك وفقًا لمصادر عسكرية ومدنية في المنطقة.
يقول أحمد علي – أحد أفراد لجنة المقاومة في المدينة -: “قوات الدعم السريع تحاصر المدينة بالكامل من الأربع جهات منذ أكثر من 40 يومًا، بينما تراقب القوات المسلحة الوضع فقط وهي تحمي مقرات الجيش ومطار المدينة”.
كانت لجنة المقاومة هي المسؤولة عن الثورة التي أطاحت بعمر البشير في 2019، والآن تنظم توفير الاحتياجات الأساسية لمواطني السودان منذ بداية الحرب الأخيرة، يقول علي: “ترتكب قوات الدعم السريع الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين في ولاية شمال كردفان وكذلك في مدن وقرى أخرى، يمكننا أن نرى أن معظم الولاية تقع في أيدي قوات الدعم السريع”.
بحثًا عن الماء
وفقًا لعالم الاجتماع – الذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية – فإن الوضع الإنساني يتدهور باستمرار، حيث يقول: “أصبحت مشكلة المياه خطيرة للغاية، فهناك نقص حاد في المياه لأن قوات الدعم السريع تسيطر على البنية التحتية للمياه التي تحتاج إلى إصلاح، يشتري الناس المياه من العربات التي تحمل براميل مياه”.
الأبيض
سكان الأُبيّض يحملون البضائع المنهوبة من مخازن برنامج الغذاء العالمي
قال عبد الله – محام وخبير قانوني في الأُبيّض – إن أسعار المياه تضاعفت 5 مرات، والآن أصبح الناس يبحثون عن مصادر للمياه خارج المدينة.
يضيف عبد الله “لا يجري الماء في الصنابير في معظم الأحياء، لكننا نعتمد بشكل أساسي على مصادر للمياه من خارج الأُبيّض من مدينة بارا التي تبعد عنها نصف ساعة أو أكثر، بالإضافة إلى القرى المحيطة حيث توجد خزانات مياه تدعم المدينة وهي أيضًا تحت سيطرة قوات الدعم السريع التي نهبت اثنين منهم وأصبحا غير صالحين للعمل”.
بحسب عبد الله، هناك أيضًا مصدران للمياه داخل الأُبيّض: خزان في وسط المدينة لا يغطي احتياجاتها ويعتمد تمامًا على مياه الأمطار، والمياه الجوفية المالحة وغير الصالحة للشرب.
يقول عالم الاجتماع: “انقطعت الكهرباء لنحو شهر قبل أن يتفاوض بعض القادة الإداريين المحليين مع قوات الدعم السريع لإصلاح محطة الكهرباء، وكنا نذهب إلى طبيب في الخرطوم لكننا أصبحنا نذهب إلى آخر الآن في مستشفى محلي هنا ذي خدمات جيدة، لكنه يعمل بمولد كهرباء”.
مضيفًا “يهيمن الجيش على المدينة، كما يعمل أفراد الجيش بشكل فردي أو في مجموعات صغيرة في الحياة اليومية، وهناك بعض الحوادث التي قُتل فيها مدنيون على يد أفراد الجيش وهم سكارى”.
“أما قوات الدعم السريع فتسيطر على السفر والحركة من وإلى المدينة من خلال نقاط التفتيش، وتختلف طرق تعاملهم مع السكان حسب الأحياء، ففي الناحية الغربية للمدينة يفرضون ضرائب على الأشخاص الذين يحملون بضائع، وفي الجنوب ينهبون البضائع”.
أسواق البضائع المنهوبة
رغم استمرار التجارة في السوق الرئيسي، فإن الكثير من الناس فقدوا مصدر دخلهم بسبب الصراع، يقول عبد الله: “أصبح جميع موظفي الدولة عاطلين عن العمل بما في ذلك المحامين الذين يرتبط عملهم بموظفي الدولة سواء في المحاكم أم الدعاوى القضائية أم حتى الشرطة الذين لم يعد لهم أي وجود”.
أثار الوضع العسكري شكوك النشطاء المدنيين بأن طرفي القتال متآمران مع بعضهما البعض
اشتبكت قوات الشرطة في شمال كردفان بعنف مع قوات الدعم السريع في الأسبوع الثاني من الحرب، ما أدى إلى وقوع خسائر بين الشرطة والمدنيين، كما أُطلق سراح جميع المساجين في سجن الولاية.
تقول بعض المصادر المحلية والعسكرية إن قوات الدعم السريع تسيطر الآن على أكبر مصانع الأُبيّض الذي يعد جزءًا من البنية التحتية لنفط السودان، ومع ذلك فهي لا تسيطر على منشأة تكرير منفصلة على طول خط الأنابيب الذي يمر من جنوب السودان إلى بورتسودان.
يقول عبد الله: “مشكلتنا الرئيسية الآن الطرق والوقود، فالطرق الرئيسية التي تربط المدينة تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع التي تنهب وتخرب مثلما كانت تفعل في الماضي، فكل الشاحانات التي تمر عبر المدينة يجب أن تدفع، تنتشر قوات الدعم السريع على طول الطرق وكل وحدة تعمل بشكل منفصل وتسرق بشكل منفصل، تسبب هذا النهب في رفع أسعار البضائع بشكل عام نتيجة الخسائر التي تكبدها التجار”.
أضاف عبد الله أن أسعار النفط لها تأثير رئيسي على تكلفة المعيشة، ومع عدم توافر البنزين في المضخات، أصبح يُباع في الأسواق بأكثر من 6 أضعاف ثمنه الطبيعي، ومثل بقية مدن السودان، أصبح هناك أسواق للبضائع المنهوبة في الأُبيّض.
يقول عالم الاجتماع: “عندما سُرقت ونُهبت المخازن نقل بعض الناس البضائع إلى سوق يُسمى “لحظة”، لكن المثير للسخرية أنهم غيروا اسم السوق ليصبح “دقلو” على اسم قائد قوات الدعم السريع”.
يقع السوق في حي طيبة بالجانب الشرقي من المدينة، يقول عالم الاجتماع: “لقد سُمي دقلو لأن قوات الدعم السريع هي من نهبت المخازن، عندما كان الناس يسرقون المخازن كانت قوات الدعم السريع تضع نقاط التفتيش وسط الشوارع لتقسيم البضائع المنهوبة فيما بينهم”.
أثار الوضع العسكري شكوك النشطاء المدنيين بأن طرفي القتال متآمران مع بعضهما البعض، يقول عصام أبو سندة أحد أفراد لجنة المقاومة “لم يدافع الجيش عن سكان الأُبيّض، وهذا ما حدث في مدن سودانية أخرى مثل الجنينة”.
ويضيف “من خبرتنا المحدودة مع القوات العسكرية، نشعر أن هناك نوعًا من التآمر بين الجانبين خاصة في الأُبيّض، فلم نر قتالًا فعليًا بين الجانبين، كل ما في الأمر أنهما يسلمان المواقع فيما بينهما”.
المصدر: ميدل إيست آي