حليم عباس: مواصلة في تحليل خطاب المرحوم حميدتي الأخير
مواصلة في تحليل خطاب المرحوم حميدتي الأخير. يبدو من الخطاب أن العمليات العسكرية التي تشنها المليشيا في دارفور قد بلغت أقصى مدى لها، وأن الهدف منها هدف تفاوضي.
عكس العنتريات التي حملتها خطابات سابقة من قبض أو قتل قيادة الجيش، ثم تراجعت قليلاً بعد ذلك إلى مطالبة الجيش بعزل قيادته كشرط للتفاوض والسلام، جاء الخطاب الأخير ليعلن استعداد المليشيا للسلام ولكن بضمانات أن لا يستغل الجيش وقف إطلاق النار للاستعداد لشوط آخر من الحرب.
هذا الموقف يدل على أن الهدف من التصعيد هو المفاوضات وليس أن هناك تطوراً عسكرياً في قدرات المليشيا ولا تطور أهدافها نحو فصل دارفور أو السيطرة عليها من أجل التوسع والسيطرة على كل السودان. قادة المليشيا يبحثون عن سلام، ولكنهم يسعون إلى أن يكون سلاماً مقيداً للجيش لأقصى حد ممكن لأنهم يعلمون أن عودتهم مجدداً تعني أن دورة أخرى للحرب ستندلع لا محالة، ولذلك يجب الحد من قدرات الجيش على إعادة التسلح والتدريب والإستعداد. بعبارة أخرى يسعون إلى وضع الجيش بالكامل تحت الوصاية. وهو ما لا يمكن أن يحدث.
فورة اللبن الأخيرة قد بلغت مداها الأقصى، وستبدأ في الانحسار لتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي؛ تراجع مستمر للمليشيا على كل الأصعدة وتقدم مضطرد للجيش. لقد امتص الجيش صدمة الحرب التي أعد لها حميدتي لسنوات، والفورة الأخيرة في دارفور لا ترقى حتى إلى مستوى صدمة.
أمام المليشيا خيار واحد إن أرادت السلام، وهو أن تقبل بالهزيمة وبعلو كعب الجيش، وأن تتخلى عن أوهام مناطحة الجيش لتعود إلى وضعها الطبيعي، كمجرد مليشيا خرجت على الدولة وعلى القانون وأن تتحمل تبعات ذلك.
المطلب العادل الوحيد الذي يحق للمليشيا أن تطالب به ويلبيه الجيش هو المطلب الإصلاحي السياسي لمصلحة كل السودانيين وليس لمصلحة المليشيا وحلفها السياسي. بمعنى، أن على المليشيا أن تتخلى نهائياً عن أي وضعية عسكرية في الدولة في مقابل أن يلتزم الجيش بحل سياسي يشارك فيه كل السودانيون بدون فرز وبدون أي وصاية او استعلاء من أي طرف. يمكن أن يتنازل السودانيون لبعضهم البعض من أجل المصلحة الوطنية في إطار حوار سياسي شامل، وليس كما تريد المليشيا وحلفها عبر صفقة سياسية-عسكرية شبيهة باتفاق نيفاشا تعيد التكريس لوضع أسوأ من الوضع السابق.
هذا إن أرادو الحل السياسي، وإلا فلتستمر الحرب حتى القضاء على آخر جنجويدي.
حليم عباس