جريدة بريطانية : التصعيد العسكري والجمود السياسي “سيدا” الموقف في السودان
متابعة:الرؤية نيوز
التصعيد العسكري والجمود السياسي “سيدا” الموقف في السودان
“الدعم السريع” تتابع هجومها على الدلنج وتتحرك لمحاصرة بابنوسة وغموض مصير “لقاء الجنرالين”
تتواصل المعارك والمواجهات بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في العاصمة الخرطوم، وسط أجواء من الجمود في مسارات التفاوض والحوار وغموض موقف اللقاء الثنائي بين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي).
يأتي ذلك وسط صمت الجيش عن طلب لقاء تنسيقية (تقدم)، واحتداد الاستقطاب والصراع السياسي، وتمدد الحرب في ولايات البلاد الأخرى، حيث صعدت قوات “الدعم السريع” عملياتها العسكرية باستهدافها مدينة الدلنج بجنوب كردفان، وسط أنباء عن تحركها باتجاه إعادة حصار مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان.
قصف واشتباكات
وجددت قوات “الدعم السريع” قذائف مدفعية من مواقع تمركزها شرق الخرطوم باتجاه مواقع الجيش في القيادة العامة وسط العاصمة وسلاح المدرعات جنوبها، وسلاح الإشارة وسط الخرطوم بحري.
ولليوم الثاني على التوالي تتصاعد أعمدة الدخان من ضاحية سوبا جنوب شرقي العاصمة، نتيجة الغارات الجوية التي تشنها المقاتلات الحربية للجيش على تجمعات ونقاط ارتكاز قوات “الدعم السريع” في المنطقة.
وأفاد شهود عيان بأن الجيش تابع قصفه المدفعي المكثف على مواقع تمركز قوات “الدعم السريع” شرق العاصمة، وفي أحياء الأزهري ومايو جنوب الخرطوم، كما قصفت مدفعيته في منطقة وادي سيدنا العسكرية شمال أم درمان مواقع الخصم في أحياء الثورة ومحيط المنطقة الصناعية والسوق الشعبية شرق أم بدة.
وأوضح الشهود أن الطيران الحربي والمسير استهدف موقع “الدعم السريع” في أحياء جبرة والصحافة المجاورة لمنطقة الشجرة العسكرية وسلاح المدرعات جنوب الخرطوم.
ويخوض الجيش معارك برية شرسة طيلة اليومين الماضيين، بغرض توسيع سيطرته وتعزيز تقدمه وسط مدينة أم درمان وبخاصة في مناطق العباسية وشوارع الدومة والأربعين والموردة، وأم بدة غرب المدينة. وبث الجيش مقاطع فيديو لجنوده من داخل محطة عابدين بشارع الأربعين في حي العباسية.
معارك وانتهاكات
في ولاية الجزيرة أوضحت لجان المقاومة بمدينة ود مدني أن قوات “الدعم السريع” ما زالت تواصل أبشع انتهاكات القتل والنهب والترويع بحق إنسان الولاية الأعزل، من دون أي رادع.
ودانت اللجان الهجوم الغادر على منطقة المعيلق وإطلاق قوات “الدعم السريع” النار من الأسلحة الثقيلة بكثافة وعشوائية، على منطقة لا توجد فيها أي مظاهر عسكرية، وإطلاق الرصاص على المواطنين العزل، ما أدى إلى مقتل مواطن وإصابة آخرين واعتقال عدد كبير من شباب المنطقة.
وفي جنوب كردفان تمكنت قوات الجيش والشرطة وجهاز الاستخبارات العامة وقوات جيش الحركة الشعبية/ شمال، جناح الحلو، من صد هجوم لقوات “الدعم السريع” على مدينة الدلنج لليوم الثاني على التوالي، ودفعتها بعد اشتباكات شرسة للانسحاب إلى خارج المدينة، مع خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.
بحسب مصادر ولائية، فإن قوات “الدعم السريع” تعيد تنظيم صفوفها وتجميع قواتها من جديد في منطقة الدبيبات لشن موجة ثالثة من الهجوم على المدينة على رغم عمليات القصف الجوي التي تتعرض لها، من المتوقع أن يقوم الطرفان بالتحشيد لزيادة عدد قواتهم، استعداداً للجولات المقبلة من المعارك.
أوضحت المصادر أن قوات “الدعم السريع” قصفت خلال انسحابها مسجد مدينة الدلنج العتيق مما أدى إلى إصابة عدد من المصلين بجروح نقلوا على أثرها لمستشفى السلاح الطبي بالمدينة.
وحذرت مصادر أهلية، من أن رتلاً من قوات “الدعم السريع” تحرك من محيط مدينة الضعين التي تسيطر عليها في شرق دارفور، يجري تجمعيها في مدينة المجلد بهدف إعادة حصار مدينة بابنوسة بغرب كردفان.
وأشارت المصادر إلى أن تلك القوات أمهلت الفرقة 22 التابعة للجيش في المدينة فترة (48) ساعة للتسليم والإسقاط.
يذكر أن قوات “الدعم السريع” تعهدت في وقت سابق بعدم اجتياح مدينة بابنوسة بموجب اتفاق أهلي.
استجابة وترحيب
سياسياً، رحبت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) باستجابة الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو للقاء التنسيقية لمناقشة وقف الحرب في البلاد.
وتوقعت مصادر بتنسيقية (تقدم) أن تجد دعواتهم الأخرى لكل من الحزب الشيوعي السوداني، وحركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد نور، الاستجابة أيضاً ضمن جهودها لحشد الدعم السياسي لوقف الحرب.
وأكد بيان لرئيس الحركة عبدالعزيز الحلو ترحيبه بالجلوس مع أي طرف أو جهة أو قوى ترغب في إنهاء معاناة السودانيين المستمرة منذ عهود بعيدة.
واقترحت الحركة أن تتضمن أجندة الحوار قضايا نظام الحكم، والهوية الوطنية والوحدة الطوعية وعلاقة الدين بالدولة والتحول الديمقراطي، فضلاً عن المشكلات الاقتصادية، والمحاسبة التاريخية، والترتيبات الأمنية.
تأتي موافقة الحركة الشعبية (شمال) جناح الحلو في أعقاب إعلان أديس أبابا بين تنسيقية (تقدم) والجنرال حميدتي وإعلان قوات “الدعم السريع” استعدادها للوقف الفوري غير المشروط لوقف إطلاق النار.
عقار يهاجم
من جهته، اتهم نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار غالبية القوى السياسية السودانية بالتصارع وعدم القبول ببعضها البعض، فضلاً عن عدم امتلاكها لبرامج ورؤى متفق عليها.
دعا عقار الحكومة للجلوس مع جميع الأطراف السودانية بما فيها تحالف قوى الحرية والتغيير بهدف الوصول إلى نتائج تفضي لحل الأزمة، مشيراً إلى أن انهيار الجيش بوصفه مؤسسة قومية سيؤدي إلى تحول البلاد نحو النموذج الصومالي.
وانتقد نائب رئيس مجلس السيادة في حوار تلفزيوني موقف منظمة (إيغاد) في شأن تأجيل لقاء البرهان وحميدتي، مشيراً إلى أنه لا يوجد تفسير حتى اليوم للأسباب الفنية التي حالت دون اللقاء، لكنه لم يستبعد أن يتم اللقاء قريباً.
تشظٍ عميق
في السياق، أوضح الباحث في علم الاجتماع السياسي عبدالرؤوف عوض الله أن جمود التفاوض وعلو صوت البندقية والرصاص على الحوار، مع التعبئة والتسليح، يدفع البلاد بسرعة مخيفة نحو حرب أهلية طاحنة، إذ تعيش الآن تشظياً سياسياً واجتماعياً عميقاً، وصل حتى داخل المؤسسة العسكرية بشكل مسكوت عنه.
وأضاف عوض الله أن الحرب ضربت النسيج الاجتماعي في مقتل وزرعت الفقر والبؤس والتشرد في كل أرجاء البلاد، بعد أن شلت الحرب الاقتصاد السوداني، وأفقدته ما يقارب نصف إيراداته ولا يزال التدهور مستمراً ومتراكماً في مقابل تضاعف الإنفاق المتزايد منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/ نيسان”.
وأشار إلى أن “الاستقطاب والصراع السياسي المترافق مع القتال هو حرب أخرى داخل الحرب، يضاعف من تمزيق المجتمع، إذ ينخرط الإسلاميون والمؤتمر الوطني في معركة كسر عظم سياسية مع قوى الثورة في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)”.
دائرة الخطر
ولفت عوض الله إلى أن الاستنفار والتسليح الشعبي، يقوضان مفهوم سلامة وحماية المدنيين ويعرض سلامتهم للخطر المتزايد كأهداف عسكرية، كما أنه يحول المزارعين والطلاب والعمال إلى جنود ما يوقف عجلة الإنتاج، ويزج بالمواطنين في دائرة الخطر.
وقال إن الحرب بدأت من ركن صغير بالمدينة الرياضية في جنوب شرقي الخرطوم، لكنها تحرق الآن كل البلاد، ويدفع المواطنون الكلفة الأكبر والثمن الأفدح للتعنت والفجور في الخصومة بين الجنرالين (حميدتي والبرهان) وكذلك بين حميدتي والإخوان المسلمين.
ولم يستبعد الباحث أنه حال استمرار عجز الداخل عن وقف الحرب أن يتدخل المجتمع الدولي استشعاراً لمسؤوليته تجاه ما يتعرض له شعب السودان، والتحرك من أجل حماية المدنيين وإنهاء هذه المأساة الممتدة بإرغام الطرفين على وقف القتال.
تدمير المنشآت
على نحو متصل، اتهمت وزارة الخارجية السودانية “ميليشيات الجنجويد” بمواصلة تدمير البنيات الأساسية والمنشآت الاقتصادية والمرافق العامة بالبلاد، في إطار مخططها للقضاء على مؤسسة الدولة السودانية.
وأشار بيان للوزارة إلى أن الميليشيات أحرقت برج مصرف الساحل والصحراء بمنطقة المقرن بالخرطوم، والذي يضم مبنى المصرف وعدداً من الشركات والمكاتب التجارية وفروع المصارف الأخرى.
وأضاف البيان أن البرج أحد مؤسسات تجمع الساحل والصحراء الذي يضم (29) دولة ترتبط شعوبها بأواصر الأخوة والصداقة، ما يجعل هذه الجريمة الإرهابية تمثل عدواناً على كل الدول الأعضاء بالتجمع، مطالبة المجتمع الدولي بإدانتها والمضي في تصنيف الميليشيات جماعة إرهابية.
اتهامات للجيش
في المقابل اتهمت قوات “الدعم السريع” الجيش بتدمير كامل مستودعات منظمة “يونيسف” في سوبا، جنوب شرقي الخرطوم، مما أدى إلى تدمير المنشآت بالكامل.
ودانت في بيان ما وصفه بالاستهداف المتعمد للمنظمات الإنسانية الدولية، كجزء من خطة مدبرة من قبل الجيش ورعاته الإرهابيين من النظام السابق لمنع المنظمات الدولية من مساعدة المدنيين في المناطق الخاضعة لحماية قوات “الدعم السريع”.
دعا “الدعم السريع” المجتمع الدولي إلى إدانة هذه الأعمال الإجرامية التي تستهدف المنظمات الإنسانية والمؤسسات الدولية والمدنيين الأبرياء.
احتقان بالفاشر
في الفاشر عاصمة أقاليم دارفور لا يزال التوتر والاحتقان يسودان المدينة في ظل مناوشات عسكرية متجددة وانقسام وسط الحركات المسلحة التي تتكون منها القوات المشتركة، ما بين مساندة للجيش وأخرى ما زالت تلتزم موقف الحياد من الحرب، وفي وقت تكرر قوات “الدعم السريع” محاولاتها التوغل التدريجي إلى داخل المدينة حيث حامية الجيش العسكرية.
في هذه الأجواء نظمت منظمة دارفور للتنمية والموارد البشرية بمدينة الفاشر المكتظة بالنازحين من الولايات الأخرى ورشة عمل لمحاربة العنف المبني على أساس الهوية بمشاركة ممثلين من مراكز الإيواء ومنظمات المجتمع المدني والناشطين والمتطوعين، بهدف المحافظة على تماسك المجتمع وتقوية النسيج الاجتماعي بالمدينة المتنازعة.
ارتفاع الوفيات
إنسانياً، كشفت منظمة “أطباء بلا حدود”، عن تضاعف معدل الوفيات في ولاية غرب دارفور لـ 20 مرة منذ أبريل الماضي حتى الآن.
ووفق استطلاع لمركز بحوث الطب والأوبئة التابع للمنظمة وسط اللاجئين السودانيين في تشاد حول العنف في مدينة الجنينة في يونيو (حزيران) الماضي، وصل معدل الوفيات إلى 2.25 حالة وفاة لكل 10 آلاف شخص يومياً بلغ ذروته في الشهر نفسه.
وأضافت المنظمة أن نحو 83 في المئة من الذين قتلوا كانوا من الرجال، قتل معظمهم بالأسلحة النارية بينما كانت ربع الوفيات خلال الرحلة إلى تشاد.
وكشفت الدراسة عن الإبلاغ باختفاء رجل واحد من بين كل عشرة تتراوح أعمارهم بين (15 – 44) سنة خلال هذه الفترة.
وأوضحت المنظمة أنها تمكنت بالتعاون مع السلطات الصحية التشادية في وحدة الجراحة بمستشفى أدري من معالجة نحو 1500 سوداني منذ يونيو الماضي، بوصفه أكبر تدفق للجرحى تشهده منطقة أدري، حيث أفاد العديد من المصابين بأن الميليشيات العربية كانت تستهدفهم بسبب عرقهم باعتبارهم من إثنية المساليت.
جريدة اندبندنت البريطانية