السودان : بعد الاتصال الاخير.. هل تشير الجولة القادمة من منبر جدة إلى انتهاء المفاوضات؟
بعد أن أجرى وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، اتصالًا هاتفيًا مع رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، الطرفان الرئيسيان في حرب السودان، يتطلع السودانيون إلى اليوم الذي يتوقف فيه الحرب بشكل نهائي. وبدأ بريق الأمل لوقف إطلاق النار يخبو في بالسودان، وجراء فشل منصة جدة في المملكة العربية السعودية عدة مرات في حل أزمة السودان، فإن البعض يخشى عدم نجاحها هذه المرة أيضًا؛ فهل ستكون هذه المرة الأخيرة؟
ويعتقد المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين، د. الوليد علي، أن عملية التفاوض لن تكون الأخيرة، لأن المتفاوضين لا يملكون السيطرة الكاملة على قواتهما، وبالتالي فإن الكثير من الأطراف ربما تسعى إلى إفشال أي اتفاق قد يصل إليه المتفاوضون.
المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين لـ” الترا سودان”: عملية التفاوض لن تكون الأخيرة، لأن المتفاوضين لا يملكون السيطرة الكاملة على قواتهما
ويتوقع علي، في حديثه مع “الترا سودان”، عودة الطرفين إلى التفاوض تحت الضغط الخارجي من ناحية، وواقع الأوضاع العملياتية وانسداد الأفق داخليًا من ناحية أخرى، وأضاف أن موقفهم من عملية التفاوض يقتصر على الشأن العسكري فقط، وذلك بوقف إطلاق النار وفتح الممرات الآمنة وخروج المواطنين من منازلهم، وإيقاف كل المظاهر العسكرية داخل المدن والقرى.
وجزم بأنهم لن يقبلوا بأن يتفاوض الجنرالات مع قوات الدعم السريع التي وصفها بـ”المليشيا”، حول أي بند سياسي، وأضاف أن العملية السياسية شأن مدني معني به قوى الثورة السودانية السلمية، صاحبة المصلحة في التغيير الجذري، مؤكدًا على أن الشعب السوداني لن يقبل بأي حل يؤدي إلى عودة أي قوة مسلحة ذات طموح سياسي إلى الواجهة مرة أخرى – طبقًا لـ”الوليد علي”.
رفض وتدخلات
وبحسب المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين، فإن مليشيا الدعم السريع والمليشيات المرتبطة بها، بالإضافة إلى مليشيا مناوي وجبريل وعقار وكتيبة البراء وكل المليشيات الحالية أو قيد التكوين، لن يستقيم لها دور سياسي في سودان المستقبل. وأضاف: “الشعب لن يقبل أيضًا أن يكون هناك أي دور سياسي للجيش في سودان ما بعد الحرب”.
وطالب بعدم الاعتراف بأي مجموعة سياسية ترعى أو تساند أو تحالف أي فصيل مسلح، وأن “سودان الثورة” سيشترط حل الفصائل المسلحة أولًا قبل الدخول في أي عملية سياسية.
من جانبه، يرى القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، شهاب إبراهيم الطيب، أن موافقة الجيش والدعم السريع ليست متوقفة على إرادتهما، بل على الضغوط التي تمارس عليهما، والتي حتى الآن لا تمارس بصورة تجبر الطرفين على المسار الحلول التفاوضية، ولكن هناك عوامل أخرى قد تجبر الطرف المتعنت على فك الارتباط بالإسلاميين والاتجاه نحو الحل التفاوضي.
وأشار إبراهيم، في حديثه مع “الترا سودان” إلى أن كل الخيارات تظل واردة، فارتباط الحرب الآن في السودان أصبح غير مرتبط فقط بطرفين متقاتلين، بل أطراف عديدة. وأضاف أنهم في تقدم كانوا يحذرون من أن استمرار الحرب قد يحولها من حرب بين الجيش والدعم السريع إلى حرب متعددة الأطراف، محذرًا من أن تتعقد وتتحول إلى حرب أهلية أو تكون هناك تداخلات دولية خارجية. لافتًا إلى أن الدول التي تدعم توفير الحلول التفاوضية ستضغط في اتجاه الحل، وهو ما أوضحه اتصال وزير الخارجية السعودية بقادة الجيش والدعم السريع – حد قوله.
وبالنسبة لسؤال عن ما إذا كانت هذه ستكون الجولة الأخيرة للتفاوض، قال القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، إنه ما زالت هناك فرصة قائمة لإيقاف إطلاق النار بشكل نهائي وفي أسرع ما يمكن، ليتوقف تدهور أوضاع السودانيين الإنسانية ويستطيعوا أن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية.
استقطاب وضغط
فيما قال رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي، مصباح أحمد محمد، إن الوضع الحالي في السودان أصبح معقدًا ومقلقًا بصورةٍ جعلت المجتمع الدولي يدق ناقوس الخطر، لأن الأوضاع تتجه نحو الحرب الأهلية في ظل تزايد الاستقطاب العرقي والتحشيد القبلي وارتفاع صوت خطاب الكراهية والعنصرية، وعدم تحرك المجتمع الدولي.
ويعتقد أحمد، في حديث مع “الترا سودان”، أن اتصال وزير الخارجية السعودي يأتي في إطار تشجيع الطرفين على العودة إلى منبر التفاوض، وفي ذات الإطار يتحرك المبعوث الأمريكي والاتحاد الأفريقي. وأضاف: “الأوضاع الحالية تلزم الطرفين بمسؤولية مباشرة في تحمل مسؤولية الانتهاكات التي تطال المدنيين وتفاقم الوضع الإنساني المتردي”، مشيرًا إلى وجود مواقف جيدة داخل الطرفين داعمة لعملية التفاوض والحل السلمي، ومشددًا على ضرورة تشجيعها ودعمها والضغط على الطرفين للعودة إلى منبر التفاوض لوقف إطلاق النار ومعالجة الوضع الإنساني والانتقال إلى عملية سياسية تنهي الحرب وتستعيد مسار الانتقال المدني الديمقراطي وتضع أسس الإصلاح المؤسسي المطلوب.
وأفاد رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي، بأن الشعب السوداني الآن يدعو لوقف الحرب ولم يعد هناك مبرر لاستمرارها، كما أن قيادة الطرفين أبدت استعدادها للعودة إلى منبر التفاوض، وهو ما يدعو للتفاؤل بإمكانية نجاح جولة التفاوض المقبلة. وقال: “لن تكون الجولة الأخيرة، لكن نتمنى أن تحرز التقدم المطلوب نحو إنهاء الحرب ومعالجة الأوضاع المتردية، خاصة الأوضاع الإنسانية”.
ويعتقد مصباح أحمد أن إنهاء الحرب يحتاج إلى عملية سياسية شاملة لمخاطبة جذورها ووضع أسس المشروع الوطني الذي يحقق السلام العادل والشامل والتحول الديمقراطي الكامل والإصلاح المؤسسي المطلوب.
اتفاق وتفاوض
أما المتحدث باسم التحالف السوداني، محمد السماني، فيقول إن العودة إلى منبر التفاوض بجدة مرتبطة بتنفيذ مخرجات إعلان جدة الموقع في الحادي عشر من أيار/ مايو 2023م الذي نص على أبرز البنود، وهي خروج مليشيا الدعم السريع من منازل المواطنين والمرافق الحكومية وجميع المدن التي تتواجد فيها إلى مناطق تجميع محددة يتفق عليها الطرفان.
التحالف السوداني لـ”الترا سودان”: منبر جدة أصبح أساسًا للتفاوض، وأي عملية خارج إطار إعلان جدة لن تأتي باتفاقية لوقف إطلاق النار
وأوضح السماني في حديثه مع “الترا سودان” أن منبر جدة أصبح أساسًا للتفاوض، وأي عملية خارج إطار إعلان جدة لن تأتي باتفاقية لوقف إطلاق النار، لأنه فيها الكثير من البنود الجيدة، وتستطيع على ضوئها أن تكون هناك اتفاقية تصمد أمام التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد. وأضاف: “أحد العقبات الموجودة في الساحة هو أن مليشيا الدعم السريع أصبحت مجرد تنفيذ لمشروع أجنبي بسواعد سودانية، وأصبحت عملية السيطرة عليها تكاد تكون صعبة للغاية، لذلك خروجهم من المنازل والمرافق الحكومية هو أساس ومن المفترض ينبني عليه التفاوض”، بحسب تعبيره.
وبشأن السؤال عن ما إذا كانت هذه هي آخر عملية تفاوض، يشير المتحدث باسم التحالف السوداني إلى أنه من الصعب التكهن بمقياس زمني محدد للحرب، وأضاف أن جميع السيناريوهات متوقعة، ولكنه عاد ليقول حتى في حالة انتصار القوات المسلحة؛ لا بد من وجود اتفاق سلام، لأن أي حرب يجب أن تنتهي بوقف لإطلاق النار، ولكن في هذه الحالة، الطرف المنتصر هو من يضع الشروط على طاولة التفاوض.”
الخطوة المقبلة
وتواصل وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، بمكالمة هاتفية مع رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو. تناولت المكالمتان آخر المستجدات والتطورات في السودان، حيث حث وزير الخارجية السعودي القادة العسكريين على حماية السودان وشعبه من الدمار وتحسين الأوضاع الإنسانية الصعبة.
وأكد الأمير فيصل بن فرحان على أهمية تفضيل مصلحة الشعب السوداني ووقف الاقتتال، وذلك لحماية مؤسسات الدولة وضمان استقرار السودان والمضي قدمًا نحو مستقبل أفضل.
والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تتزعمان عملية التفاوض بين الأطراف المتحاربة في السودان، وتعقد الجلسات في جدة، مما جعلتها تُعرف بـ “منبر جدة”. هدف هذا الاجتماع هو وقف الحرب في السودان، ومن المتوقع أن تُستأنف مفاوضات منبر جدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في شهر أيار/مايو الجاري.