الرؤية نيوز

بروفيسور عوض إبراهيم عوض يكتب..هذا زمانك يا مهازل

0

أين المشكلة إذا وجه مدير التلفزيون إحدى المذيعات أو أحد المذيعين أن يلتزم بالزي المقبول لدى القناة التي يفترض فيها أنها القناة القومية الرئيسية للدولة؟ وأين المشكلة لو وجه كبير المذيعين أو مدير البرامج إحدى مذيعاته أو أحد مذيعيه بالالتزام بالعبارات المناسبة في المخاطبة دون استخدام ما يثير النعرات القبلية أو الجهوية أو الإثنية؟ ألا يدري أبناء هذا الجيل أن هناك خطوطاً حمراء في أي محطة أو قناة تلفزيونية أو إذاعية؟ ليس بالضرورة أن تكون قناة قومية أو رسمية تتبع لدولة أو لحكومة أو حتى لأسرة أو حزب أو جماعة أو حتى لفرد من الناس. القنوات كلها في العالم لها ضوابطها، بل ولها قدسيتها، ولها حرمتها، ولها لوائحها وقوانينها التي لا تسمح لأحد أن يحيد عنها. وأنا أذكر تماماً في أحد الأيام عندما كان الناس ناساً وكان الوطن وطناً وكانت الأخلاق أخلاقاً أنني دخلت يوماً على البوابة الداخلية لاستقبال الإذاعة وفوجئت ساعتها بالمدير الأستاذ الراحل محمد خوجلي صالحين طيب الله ثراه وهو ينتهر إحدى الفتيات ويطردها من مدخل الاستقبال ويقول لها: إرجعي إلى بيتكم ولا تدخلي هذه الإذاعة إذا كنت لا تحترمين هذا المكان. وإذا رأيتك مرة أخرى بمثل هذا الفستان فلن تدخلي هذه المؤسسة إلى يوم الدين. ووسط بهجة الحاضرين وأنا منهم واحترامهم الشديد لموقف المدير صالحين والانكسار الشديد والحرج المفزع الذي انتاب تلك الفتاة اضطرت للرجوع من حيث أتت والدموع تملأ عينيها. ولم أرها في الإذاعة إلا بعد عدة أيام وهي في غاية الاحتشام والانضباط. لم تذهب إلى مخفر الشرطة ولا استنجدت بالأجاويد ولا بزيدٍ أو عبيد من الأشقاء أو الأصدقاء أو فرسان العشيرة. ومر الأمر بكل سلام وهدوء لم يشعر به أي إنسان غير أولئك الذين حضروا تلك اللحظة بما فيها من توبيخ وتوجيه لترسيخ القيم والأخلاق. وأذكر أيضاً أنني عندما التحقت بالتلفزيون قارئاً للأخبار ومقدما للبرامج وكنت في بدايات أيامي بالتلفزيون جئت يوماً لقراءة التعليق على الأنباء وتصادف وجود السيد مدير التلفزيون الباشمهندس الراحل حسن أحمد عبد الرحمن رحمه الله ومعه مخرج الأخبار المتميز أبو الحسن الشاذلي. ولما رأياني داخلاً على الأستديو هاج كلاهما دون اتفاق وقالا لي ما هذا الذي تلبسه؟! وانزعجت غاية الانزعاج لاستنكارهما الشديد للقميص الذي كنت أرتديه ولونه أبيض وعليه خطوط سوداء. وقال لي المدير بالحرف الواحد (املص هذا القميص فوراً إذا أردت أن تقرأ شيئاً على الهواء). ودهشت لحديثه لأنني لم أكن أدري السبب وقتها، بل كنت أظن أنني سأنال رضاء الجميع واستحسانهم لقميصي الجديد الذي اشتريته قبل يومين فقط لزوم تعاوني الجديد مع التلفزيون. وأقنعني المدير وأبو الحسن الشاذلي أن هذا اللون لا يصلح للمواد الإخبارية التي تُستخدم تقنية الكروما كي. ولما لم يكن لدي حل أو إمكانية للرجوع إلى البيت وتغيير ذلك القميص فنادى الباشمهندس حسن على الزميل محمد البيلي وهو أحد العاملين بالتلفزيون وقال له: أعط عوض قميصك والبس قميصه. وبأسرع من لمح البصر كنت أرتدي قميص الزميل البيلي وهو يرتدي قميصي ودخلت على الأستديو وقرأت التعليق على الأنباء. لم أتذمر لذلك الأمر ولم أستنكره لأنه كان لمصلحة العمل. وقياساً على ذلك جاء مدير التلفزيون بعدد من الجاكيتات وربطات العنق (الكرافتات) ليستخدمها كل من يأتي بزي لا يليق بالظهور على الشاشة سواء بسبب اللون أو تصميم اللبس أو أي سبب آخر من شاكلة ما انتقده مدير التلفزيون البزعي وهو على حق في كل ما ذهب إليه. ومثال آخر حدث من الزميلة الأستاذة يسرية محمد الحسن عندما كانت كبيرة للمذيعات وتم إعلان التوجه الإسلامي بالسودان جمعت كل مذيعات الأخبار وتفاكرت معهن في الأمر وطلبت منهن أن يرتدين زياً محتشماً يليق بتوجه المرحلة. ولم تتخلف واحدة من الزميلات عن تلبية ذلك الطلب الذي جعل الناس يطلقون على قناة السودان القناة الطاهرة. وظل الأمر على ذلك المنوال إلى أن انفرط العقد، واختلط الحابل بالنابل، وأصبح أمر الاحتشام أقرب إلى التخلف في نظر البعض. وصار من يلتزم بتغطية الرأس من البنات عرضة للاتهام بالرجعية أو حتى ربما الإرهاب. وحقاً هذا زمانك يا مهازل فامرحي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!