الرؤية نيوز

هناك فرق – منى أبو زيد تكتب: شيء آخر..!

0

“وفوق هذه العقائد الثابتة تتَموضع طبقةٌ سطحيةٌ من الآراء والأفكار التي تُولد وتَموت باستمرار .. وأكثرها أهمية لا تتجاوز حياة جيلٍ كامل” .. جوستاف لوبون .

الأجابة على استفهام شائع مثل السؤال عن أسباب تراجع معدلات حماسة معظم عامة الشعب بشأن مصداقية وجدارة معظم الأحزاب السياسية – قبل اندلاع هذه الحرب – تقتضي العودة إلى الطبيعة أولاً..!

عوضاً عن الاستعانة بأمهات الكتب في التحليل السياسي وعلم النفس الاجتماعي، من ابن خلدون إلى الكواكبي، ومن فرانسوا فوريه إلى جوستاف لوبون، إلى الدلاي لاما نفسه، إلى كائنات أسطورية في أبعاد موازية إن شئت، يكفي أن تعمل عقلك..!

كل السفسطة والمَنطَقة والتحليلات السياسية المُبهرة – للوصول إلى الأسباب الرئيسة لوقوع كل ما حاق بسودان ما بعد الثورة من الانقلاب إلى الحرب – عظيمة ومفيدة بلا شك، لكنها ليست أكثر فائدة من التأمل في أنماط السلوك الإنساني حولك ..!

صاحب الكشك الذي كان يبيعك “الاسكراتشات” على ناصية الشارع عاد إلى صمته وشروده بعد أن كان يجالس الثوار في ذات البقعة من ساحة القيادة، وبعد أن كان يصرخ مطالباً بالتغيير المفضي إلى سعة العيش، لكنه ظل – منذ انتصار الثورة وحتى اندلاع هذه الحرب – يشكو ذات ضيق الحال وكيف أن الحياة ليست عادلة ..!

الثوار الأصليين صارت حالهم مثل حال تلك السيدة التي لا تخلو من مثلها أي عائلة سودانية، تتكفل بمراقبة الطباخ وتجيد كتابة قوائم المشتريات في مناسبات الأعراس لكنها لا تصلح لتمثيل الأسرة في جلسات التعارف..!

من الذي قال إنها لا تجيد، ومن الذي قرَّر أن يقتصر دورها على المطبخ بينما تُنتَدب نظيرتها من قريباتك لمهمة تمثيل الأسرة في صالون الضيوف؟. إنهم وجهاء العائلة بالطبع، الذين لا تعلم أنت تحديداً كيف ومتى تم تتويجهم ..!

هؤلاء هم وجهاء العائلة الذين يُلقِّنون الغرباء دروساً إذا لزم الأمر، ويرفعون رأس العائلة عالياً في كل محفل، إنهم يمثلونك دون شك، لكنهم سيقومون بإقصائك من مجالسهم إن أنت قلت أي “بغم” بدعوى الحاجة إلى التغيير ..!

لماذا يحدث ذلك، ولماذا يحدث أن تنتهي ثورة عظيمة إلى حرب أهليه؟. لأن الثورة – ببساطة –  شيء والتغيير شيء آخر، ولأن الفرق بين الثورة والتغيير هو ذات الفرق بين النجاح في الحصول على الطلاق من شريكٍ سابق والمقدرة على إنجاح الزواج من شريكٍ لاحق..!

الفرق يكمن دوماً في تلك التفاصيل متناهية القُبح والصِّغر، عظيمةُ الأثر والخطر. ما تفعله السُّلطة وما يُحدثه زوالها، ما يفعله ضياع ذلك “الكونيكشن” بين التابع والمتبوع، وما يُحدثه تسَلُّل الآخر بين تلك الفجوات التي تتسع تباعاً ..!

إنها أوهام النخبة وأخطاء الساسة التي تقع مآلاتها على رؤوس الناس العاديين الذيم يفترضون هم أن ثقتهم بهم إجبارية ودائمة، بموجب عقد إذعان قاموا هم فقط بصياغته والتوقيع عليه!.

المصدر : تسامح نيوز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!