حديث خطير لباحثة مصرية عن ظروف وصول «البرهان» إلى محطة التفاوض
متابعة:الرؤية نيوز
أفادت الكاتبة المصرية أماني الطويل، الباحثة ومديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن الظروف المتعلقة بوصول البرهان إلى محطة التفاوض في سويسرا، المقرر لها الأسبوع الثاني من هذا الشهر، لا تبدو متاحة حتى الآن.
ويرجع ذلك ليس فقط إلى محاولة اغتياله وإعادة تأكيده على رفض المفاوضات والتمسك بالحرب ضد “الدعم السريع”، ولكن أيضاً بسبب المعطيات الميدانية الداخلية.
فقرار التفاوض يتطلب توافقاً بين كبار القادة العسكريين السودانيين، وهو ما يبدو غائباً حتى الآن. وهذا ما يعززه موقف مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا، الذي صرح عبر التلفزيون الرسمي بوجود إمدادات كبيرة ونوعية من الأسلحة لقواته، بالإضافة إلى بدء تشكيل تحالف دولي يتألف من قوى عظمى من داخل وخارج الإقليم لدعم موقف الجيش، مما قد يميل ميزان القوى العسكرية لصالح الجيش السوداني.
أشارت في تحليل نشرته جريدة اندبندنت البريطانية إلى أن قرار البرهان بالتفاوض يتطلب أيضًا صياغة توافق مع الحلفاء السياسيين للجيش، سواء كان ذلك مع أطراف نظام البشير ذات المرجعيات الإسلامية، أو مع الفصائل المسلحة المقاتلة في دارفور، حيث أن بعض هذه الأطراف تتطلع إلى أن يكون الجيش الرسمي جزءًا من المفاوضات المقررة إذا تمت. بينما يضغط الإسلاميون من أجل الاعتراف بحكومة الأمر الواقع كوسيلة وحيدة للحفاظ على مصالحهم ووجودهم في المعادلة السياسية المستقبلية، مما يجعلهم يرفضون أن يدخل الجيش هذه المفاوضات بصفته العسكرية البحتة.
وقالت: إن الطرف الثالث الذي يجب تهيئته لا بد من التفاوض معه لقبول البرهان كجزء من العملية التفاوضية، وكذلك يتعين على ممثلي آل دقلو قبول شركائهم في القطاعات الجماهيرية السودانية الواسعة الذين تم تحريضهم على عدم الاعتراف بـ “الدعم السريع” كطرف متفاوض. وترى هذه القطاعات أن استمرار الحرب هو السبيل الوحيد للعودة إلى منازلهم ومدنهم وقراهم، حيث يتطلعون إلى الجيش ليكون المنقذ لهم وأداة لتعويضهم عن الرعب والظلم الذي تعرضوا له.
وقالت: إن التحديات التي يواجهها البرهان على المستوى الداخلي تصاحبها تحديات تتعلق بالصدقية على المستوى الدولي. إذ يبدو أن الرجل يرفض مبدأ التفاوض منذ عام ونصف تقريباً، بينما لم يتمكن الجيش من الدفاع بشكل فعّال عن الأراضي السودانية في عدة مناطق. كما أنه يبدو محاطاً بالمعطيات المتعلقة بـ “مفاوضات جدة”، وأهمها قبول “الدعم السريع” كشريك في التفاوض.
أشارت إلى أن تحدي مصداقية البرهان على المستوى الدولي تم التعبير عنه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حيث أوضح أن دعوات التفاوض لوقف الحرب في السودان تقبلها قوات الدعم السريع بينما يرفضها البرهان من البداية. ومن المؤكد أن هذا الموقف من غوتيريش له تأثيرات على وزنه العسكري ومستقبل الصراع في السودان، حيث قد تكون خيارات دعم “الدعم السريع” كطرف بديل متاحة على الصعيد الغربي لتحقيق مصالحه.
وهذا الأمر قد يؤدي إلى فتح السودان على مواجهات مسلحة مرتبطة بشكل مباشر بتطورات منطقة الساحل الإفريقي، حيث يشتد الصراع بين القوى الدولية، ويتجلى الصراع بين موسكو وباريس. بشكل عام، فإن هذه الظروف تحمل المشهد السوداني أعباء تفوق قدراته الفعلية، مما يجعل السودان مهدداً بالتفكيك الفعلي، وهو ما سيكون صعباً جداً إصلاحه على أي مستوى.
وأضافت : إجمالاً، يبدو أن الوقت يضيق أمام البرهان لتحديد خياراته بسبب التحديات الداخلية التي يواجهها، وخاصة بعد محاولة اغتياله التي زادت من تعقيد الأمور.
ويتضح أن مسؤولية الوصول إلى طاولة المفاوضات تتطلب أيضاً من أطراف النظام القديم اتخاذ خطوات، فما زالت خياراتهم محدودة. في هذا السياق، يجب أن ينتبه الجيش السوداني والقوى السياسية المتحالفة معه إلى عدة معطيات، أهمها أن استثمار الوقت بات مكلفاً بشدة لكل من الجيش والإسلاميين، في ظل الوضع العسكري الحالي. فقد لا ينظر المجتمع الدولي كثيراً إلى أصحاب الشرعية الذين يتمسكون بمواقعهم، وقد يتجه نحو خيارات أخرى لتحقيق مصالحه، لاسيما الأمريكية. كما أن الديمقراطيين يواجهون تحديات قد يجبرهم على استخدام كافة الأوراق الممكنة. من ناحية أخرى، بدأ حلفاء الجيش من الفصائل المسلحة برفع أصواتهم للمطالبة بتمثيلهم في المفاوضات كشرط لمشاركتهم في العمليات العسكرية، وهو ما يعني بشكل عملي تفكك الجيش السوداني وتآكل شرعيته.
وذكرت : على مستوى تشكيلات الإسلاميين، يتعرض الوضع للتآكل وزيادة الانقسام نتيجة ضعف مصداقيتها وقدرتها على تحقيق تأثير عسكري لصالح الجيش على الأرض، وذلك في سياق الانقسامات التي حدثت في جميع جوانبها، سواء في التنظيم الرئيسي المعروف باسم “الجبهة القومية الإسلامية” أو في الواجهة السياسية “حزب المؤتمر الوطني”، الذي تتجه قياداته العليا حالياً إلى تركيا، ربما نظراً لتقديرها بأن الوضع الداخلي أصبح أكثر خطورة.
الخياران المتاحان أمام “الجبهة الإسلامية” السودانية حاليا هما إما تعديل الموقف السياسي والتوجه نحو التفاوض وقبول وجود نسبي بعد انتهاء الحرب، أو التحالف مع الميليشيات المتطرفة في المنطقة، مما سيجعلها هدفا للجميع على المستويين الإقليمي والدولي.
وختمت حديثها : قد يكون تشكيل تحالف دولي يدعم السودان في الوقت المناسب أمرًا غير موثوق فيه، حيث تبدو إيران مستنزفة وقد تُجرّ إلى حرب إقليمية، كما أن روسيا لم تستجب بشكل إيجابي لمطالب الجيش السوداني حتى الآن. وعليه، أصبح السودان بالفعل مسرحًا لتنسيق بين تشكيلات متطرفة، مثل “الحوثي” و”تنظيم الشباب الصومالي”، مما أدى إلى انتقال الملف السوداني من الفاعلين الدبلوماسيين إلى الفاعلين الأمنيين على المستوى الدولي، وهو اتجاه بدأته واشنطن قبل غيرها.
في ضوء المعلومات المذكورة سابقاً، فإن الذهاب إلى مائدة التفاوض يعد ضرورة ملحة للجيش وحلفائه. وكذلك، يجب أن تكون مائدة التفاوض جذابة للجيش، مما يجعل ذلك ضرورة ملحة أيضاً للأطراف الدولية. وربما يكون من الضروري أن تكون الدول العربية والإفريقية في الإقليم هي السبّاقة في هذا الأمر، حيث يجب عليها جميعاً تحمل مسؤوليتها في إنهاء حرب السودان ودعم السودانيين في بناء دولتهم الجديدة، والتي تتطلب توافقاً وطنياً واسعاً وإحساساً سياسياً وأخلاقياً من جميع الأطراف السودانية تجاه المعاناة اليومية التي يواجهها الشعب السوداني داخلياً وخارجياً.