الرؤية نيوز

عثمان ميرغني يكتب : العشاء الأخير

0

لقرابة الساعة تحدث محمد حمدان دقلو في خطاب مصور يبدو أنه أعد على عجل.. ويبدو أنه رفض قراءة خطاب مكتوب كما كان معهوداً في خطبه السابقة.. و اتفق مستشاروه على حل وسط بكتابة نقاط يعتمدها في سرده لكنه لم يستطع عليها صبراً فتجاوزها كثيراً و خرج عن النص المتفق عليه.
الخلاصة تكشف أن الخطاب جاء على إثر معلومات وربما متضافرة مع اجراءات.. بدأت تطرأ على المشهد من جانب أطراف خارجية متعددة بعثت إليه رسائل واضحة أن مشروعه السياسي لم يعد ممكناً نفخ الروح فيه.. بعد أن سقط منذ أكثر من عام نتيجة الانتهاكات الواسعة التي مارستها قواته خاصة في مدينة “الجنينة”. وأن ما تبقى من زمن فقط لـ”لملمة كراسي الحفلة” كما قلتُ في فيديو وجد حظه من الانتشار الواسع.
من الواضح أن “حميدتي” لم يكن يتوقع أن يواجه هذه اللحظة بمثل هذه السرعة. أو على الأقل كان يرى أن فسحة الأمل أمامه لا تزال مبكرة وقابلة لتحقيق نتائج باهرة أو على الأقل مقبولة.. لكن الإنهيار جاء بأعجل ما توقع.
خطاب حميدتي كشف حقائق كثيرة بعضها لم يكن معلوماً وبعضها كان في انتظار ما يؤكدها.
أولاً: أن قواته حالياً تعاني من ضعف بشري وتسليحي ومالي بما قد يعني أنها فقدت مواردها البشرية والتسليحية والمالية.. وهذا يؤكد تماماً ما ظل قادة الجيش يكررونه منذ اليوم الأول من الحرب عندما فقد الجيش بعض الحاميات.. بأن استراتيجية الجيش لا تبنى على الحفاظ على الأرض بل استنزاف الطاقات البشرية والمادية للدعم السريع حتى يبلغ مرحلة الانهيار.. وفعلا بعد سنة ونصف من الحرب ثبت أن ذلك عين ما وصل إليه الحال.
ثانيا: أبدى حميدتي في خطابه ندماً مبطناً على الورطة التي رمى باللائمة على السياسين فيها.. بل وللدهشة اتهم بها قوى الحرية والتغيير وحملهم أسباب اندلاع الحرب لكونهم مسؤولون عن الاتفاق الاطاري.. والذي وصفه حميدتي بأنه ولا شيء غيره هو سبب الحرب.
ثالثاً : وهذه من أهم النقاط؛ أشهر حميدتي فض الشراكة مع مجموعة “تقدم” وهو بذلك يسحب منها ميزة المبادرة بهذا الاجراء. فقد كان مؤملا أن تصحح “تقدم” موقفها بالتراجع عن الوثيقة المشتركة، لكنه استبقها الآن.
رابعا: توجيه الاتهام للشقيقة مصر بأنها ساندت الجيش بسلاح طيرانها الحربي رغم كونها فرية لا تحتاج إلى جهد لاثبات عدم صحتها إلا أنها من باب (رب ضارة نافعة) زادت من تقدير وحب السودانيين لمصر لأن الاتهام يضيف لما قدمته لشعب السودان منذ اندلاع هذه الحرب اللعينة، فقد أوت إليها بمنتهى الأريحية ملايين وتحملت جراء ذلك مصاعب اقتصادية جمة، وعندما يتهم حميدتي مصر بأنها دعمت الجيش فإن ذلك يرفع من قدرها في أعين كل السودانيين.. وكما فرح السودانيون قبل أيام بخبر لم يكن صحيحا بتحرير مصفاة الجيلي فتجمعوا واحتفلوا في الشوارع.. فإن اتهام مصر -كذباً- بأنها تقاتل مع الجيش السوداني وجد أيضا فرح وسعادة السودانيين.
خامسا: اعلان حميدتي حملة عسكرية قوامها مليون جندي نوع من الحرب النفسية.. حتى لو كانت هناك خطة لمهاجمة بعض المناطق فإن ذلك يعني عمليا أن حميدتي لم يدرك بعد معنى سقوط المشروع السياسي.. حيث يصبح بعد ذلك أي مجهود عسكري مجرد محرقة لا أهداف لها و لا طائل منها .
ندعو الله أن يكون السودان بذلك بلغ آخر محطات هذا البلاء العظيم.. وتنتهي المحنة ويعود أفضل كثيرا مما كان

التيار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!