لماذا أطلقت إثيوبيا عملية عسكرية جديدة في منطقة الأمهرة؟
أعلن الجيش الإثيوبي، خلال أكتوبر 2024، إطلاق عملية عسكرية كبرى ضد مليشيا فانو بمنطقة الأمهرة؛ إذ اتهمت أديس أبابا المجموعة المتمردة بعدم الاستجابة لمبادرة السلام التي طرحتها الحكومة الفدرالية؛ وهو ما يُنذر بتفاقم الأوضاع الأمنية المضطربة بالفعل في هذه المنطقة، فضلاً عن التداعيات المحتملة على المشهد الأمني والسياسي العام في إثيوبيا، وكذلك على السياق الإقليمي المأزوم بمنطقة القرن الإفريقي.
تفاقم التوتر:
شهد إقليم الأمهرة الإثيوبي خلال الأيام الأخيرة تصعيداً حاداً في الاشتباكات المسلحة بين قوات الجيش الإثيوبي ومليشيا فانو، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- عملية عسكرية كبرى ضد مليشيا فانو: أعلن المتحدث باسم الجيش الإثيوبي، العقيد جيتنت أداني، مطلع أكتوبر 2024، أن قوات الدفاع الوطني الإثيوبية نسقت مع قوات الأمن في إقليم الأمهرة وأطلقت عملية عسكرية مُشتركة ضد عناصر مليشيا فانو المتمردة، مُتهماً المجموعة برفض مبادرة السلام التي طرحتها حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، خلال الأشهر الماضية، وألمح المتحدث باسم الجيش الإثيوبي إلى أن القوات الحكومية قررت اللجوء للقوة لفرض سيطرتها الكاملة على الإقليم.
ويتسق هذا الإعلان مع التقارير الصحفية المحلية والدولية التي كشفت عن تصعيد حاد شنّته الحكومة الفدرالية في أديس أبابا ضد مختلف العناصر المؤيدة للمجموعة المُتمردة، فقد كشفت منظمة العفو الدولية أن الجيش الإثيوبي قام بعمليات اعتقال جماعية في منطقة الأمهرة، نهاية سبتمبر الماضي، كما تم توقيف العديد من الموظفين الحكوميين المشتبه في تواطئهم مع فانو.
وقد أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن قوات الجيش الإثيوبي انتشرت بأعداد كبيرة في إقليم الأمهرة خلال الأسبوعين الأخيرين، في محاولة لتحقيق حسم عسكري ضد فانو، كما تم اعتقال العديد من المسؤولين المشتبه في تواطئهم مع مجموعة فانو. ودخلت الأخيرة في اشتباكات مع القوات الفدرالية منذ 17 سبتمبر الماضي، في بلدة ديبارك، فضلاً عن المواجهات العنيفة التي اندلعت في منطقتيْ جوندار الوسطى وشمال الأمهرة، التي أسفرت عن سقوط العديد من القتلى في الجانبين. وهو ما أعاد للأذهان المواجهات السابقة بين الطرفين خلال الأشهر الماضية، والتي كانت قد أسفرت آنذاك عن سيطرة مليشيا فانو على بعض المدن والبلدات الرئيسة في إقليم الأمهرة قبل أن تستعيد القوات الحكومية السيطرة عليها.
في المقابل، أعلنت مليشيا فانو، في 8 أكتوبر 2024، قيام عناصرها بقتل قيادي في الجيش الإثيوبي بالإضافة لنحو 270 من القوات الإثيوبية، وذلك في إطار المعارك العنيفة التي استمرت ليومين في منطقة “جوجام”؛ إذ أعلنت المليشيا الأمهرية فرض سيطرتها الكاملة على هذه المنطقة، وتدميرها معسكراً لقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية. كذلك، شهدت عدّة مناطق أخرى داخل إقليم الأمهرة تصاعداً حاداً في وتيرة الاشتباكات المسلحة، على غرار مناطق جوندار وبوري وجيجا، وكذلك بلدة تيليلي بمنطقة أجيو أوي.
2- تفكيك بنية فانو: تضمن البيان المشترك لحكومة أمهرة الإقليمية وقوات الدفاع الوطني الإثيوبية تعهدات بمواصلة ما وصفتاه بـ”عمليات إنفاذ القانون” في الإقليم، من خلال العملية المشتركة التي تم إطلاقها بنهاية سبتمبر الماضي، رغم أن إقليم الأمهرة مُنخرط فعلياً في صراعات بين مليشيا فانو والحكومة الإثيوبية منذ أكثر من 14 شهراً.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس مكتب اتصالات أمهرة، منجيشا فنتاو، أن العمليات العسكرية الأخيرة التي أطلقتها أديس أبابا والأمهرة تستهدف تفكيك بنية مجموعة فانو واستهداف الشبكات اللوجستية والاستخباراتية داخل الهياكل الحكومية والقطاع الخاص، ومحاصرة قادة المليشيا، وكشف الجهات الفاعلة من المستوى الأدنى المنخرطة في الأنشطة الإجرامية.
3- تجدد التوترات بين الحلفاء السابقين: ترتبط الاشتباكات الراهنة في إقليم الأمهرة بالمعارك التي كانت قد اندلعت في المنطقة منتصف العام الماضي 2023، بين القوات الفدرالية وعناصر مليشيا فانو الأمهرية، والتي كانت قد شاركت سابقاً في دعم الجيش الإثيوبي في حربه ضد جبهة تحرير التيغراي عام 2020. فقد أدى اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة الإثيوبية مع جبهة تحرير التيغراي، في نوفمبر 2022، إلى تصدع العلاقات بين أديس أبابا ومليشيا فانو، وكثير من قومية الأمهرة؛ إذ تم اعتبار هذا الاتفاق بمثابة تخلٍّ من قبل حكومة آبي أحمد عن تعهداته السابقة بمنح الأمهرة بعض الأراضي من إقليم التيغراي. قبل أن تتفاقم هذه الخلافات بين الطرفين في أعقاب قرار الحكومة الإثيوبية الخاص بنزع سلاح القوات شبه العسكرية الإقليمية في مُختلف الأقاليم الإثيوبية، وهو القرار الذي رفضته مجموعة فانو المسلحة، وعمدت إلى حمل السلاح ضد الحكومة الإثيوبية بدايةً من إبريل 2023، وفي أغسطس من العام ذاته اضطرت أديس أبابا لإعلان حالة الطوارئ في إقليم الأمهرة، قبل أن تلغيه في يونيو الماضي.
ورغم تراجع وتيرة الاشتباكات المسلحة بين القوات الحكومية ومليشيا فانو خلال الأشهر الماضية، في ظل الحديث عن مُبادرة للسلام، كانت تستهدف أديس أبابا من خلالها التوصل لاتفاق مع المجموعة لنزع سلاحها دون الدخول في مواجهات عنيفة. يبدو أن هذه المُبادرة فشلت في التوصل لاتفاق سلام بين الجانبين؛ الأمر الذي أدّى إلى تجدد المواجهات المسلحة بينهما منذ نهاية سبتمبر الماضي.
سياقات مُضطربة:
تعكس التوترات المُتزايدة حالياً في إقليم الأمهرة أحد إفرازات السياقات الداخلية المعقدة في الداخل الإثيوبي، كما أنها تشكل ارتداداً للمتغيرات الإقليمية الراهنة في منطقة القرن الإفريقي المأزوم، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- صراعات عرقية راسخة: تعكس الأزمة الراهنة في إقليم الأمهرة الإثيوبي أحد أبرز ملامح المشهد الداخلي في البلاد، والتي تتمثل بالأساس في الانقسامات العرقية والصراعات التقليدية بين هذه العرقيات المختلفة، التي يتجاوز عددها الـ80 عرقية وفقاً لبعض التقديرات، أبرزها الأورومو التي تشكل 34.4% من إجمالي عدد سكان إثيوبيا، والأمهرة التي تشكل نحو 27% من السكان، وكذلك التيغراي التي تمثل نحو 6% من الشعب الإثيوبي.
وثمة عداء تاريخي بين عرقيتي التيغراي والأمهرة؛ إذ ترى الأخيرة أن لها حقاً في بعض الأراضي التابعة إدارياً لإقليم التيغراي، وأن هيمنة جبهة تحرير التيغراي على المشهد السياسي منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2018؛ أدت إلى استحواذها على هذه الأراضي. وبعدما فشل الأمهرة في الضغط على رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، لمنحهم هذه الأراضي والنص على ذلك في اتفاق السلام مع التيغراي بنهاية عام 2022؛ أدى ذلك إلى تأجيج الصراع العرقي القديم بين التيغراي والأمهرة.
2- تهديد فانو لتطلعات آبي أحمد المركزية: تنظر مليشيا فانو لنفسها باعتبارها قوات خاصة للدفاع عن حقوق ومصالح إقليم الأمهرة، وقد تزايد نفوذها بشكل ملحوظ منذ انخراطها في حرب التيغراي لدعم القوات الحكومية آنذاك، لكن يبدو أن هذا النفوذ المتزايد لمليشيا فانو أثار قلق رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الذي يسعى لتأسيس نظام حكم مركزي في إثيوبياً، كبديل للنظام الفدرالي الراهن القائم على التقسيم العرقي ويمنح سلطات واسعة لحكومات الأقاليم الفدرالية.
ولعل هذا ما يُفسّر قرار آبي أحمد في إبريل 2023 بتفكيك المليشيات المسلحة في مختلف الأقاليم الإثيوبية ودمجها داخل قوات الجيش والشرطة، وهو القرار الذي اعتبرت مليشيا فانو آنذاك بأنه يستهدفها بشكل رئيسي؛ لذا عمدت إلى تنظيم مظاهرات واسعة ضد الحكومة الفدرالية في عدة مدن أمهرية، قبل أن تتجه للتصعيد العسكري وتقوم المليشيا بتكثيف هجماتها ضد القوات الحكومية منذ ذلك الوقت.
3- تدهور الأوضاع الأمنية في الأمهرة: جاء تصاعد الاشتباكات بين مليشيا فانو والقوات الحكومية بالتزامن مع التحذيرات التي أشارت إليها بعض التقارير المحلية والإقليمية بشأن تفاقم الأوضاع الأمنية في إقليم الأمهرة، الذي يُعد ثاني أكبر الأقاليم الإثيوبية بعد أوروميا، حيث تنتشر العديد من المليشيات والجماعات المسلحة في الإقليم، فضلاً عن الجماعات الخارجة عن القانون التي تستفيد من موقع الإقليم الاستراتيجي، بحدوده مع السودان وإريتريا واتصاله بأربعة أقاليم إثيوبية مُجاورة؛ لتنمية تجارتها غير المشروعة وتهريب الأسلحة. وتشير بعض التقارير إلى انضمام بعض المجموعات المسلحة في إقليم الأمهرة إلى مليشيا فانو لدعمها في مواجهة القوات الحكومية الإثيوبية، وهو ما قد يزيد المشهد تعقيداً.
4- مزاعم بوجود دعم خارجي لمليشيا فانو: يرتكز وجود مليشيا فانو في منطقة “المتمة” بشمال غرب الأمهرة، المتاخمة للحدود السودانية، حيث عمدت المليشيا خلال الأيام الأخيرة إلى تصعيد هجماتها بالمدفعية الثقيلة ضد معسكرات القوات الحكومية في المناطق القريبة من مدينة المتمة، وهو ما اعتبرته بعض التقديرات بمثابة تحول في النمط القتالي الذي كانت تتبعه المليشيا في السابق، والذي كان قائماً بالأساس على الكر والفر لاستنزاف القوات الحكومية في المناطق الجبلية التي كان يدور فيها القتال؛ إذ تتجه المجموعة حالياً لتكثيف هجماتها بالقرب من المناطق الحدودية مع السودان، وهو ما ربطته هذه التقديرات بالمزاعم المنتشرة حالياً بوجود دعم خارجي لمليشيا فانو من قبل بعض الأطراف الإقليمية، وربما يتسق ذلك مع التهديدات التي لوّح بها قادة الصومال خلال الآونة الأخيرة بإمكانية القيام بدعم المجموعات المتمردة في إثيوبيا، كرد فعل للتوترات المتزايدة بين مقديشو وأديس أبابا؛ بسبب مذكرة التفاهم التي وقعتها الأخيرة مع جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) في يناير 2024، لكن حتى الآن لا يوجد ما يؤكد صحة هذا الطرح.
غير أن هذا لا ينفي احتمالية وجود تطلعات لدى مليشيا فانو لاستغلال التوترات الإقليمية الراهنة في منطقة القرن الإفريقي، والتوترات الإثيوبية الراهنة مع عدة دول، ولاسيما الصومال وإريتريا، وجيبوتي بدرجة أقل، للضغط على حكومة آبي أحمد، فضلاً عن تعويل مليشيا فانو على هذه التوترات ومحاولة استغلالها لفتح قنوات اتصال خارجية مع بعض القوى الإقليمية التي ربما تدعمها في مواجهة أديس أبابا، ولعل هذا ما يفسر تركيز هجمات مليشيا فانو على المناطق الحدودية بين إثيوبيا والسودان، ومساعيها للحصول على منفذ خارجي يحقق لها هذه الأهداف.
انعكاسات مُحتملة:
في إطار التصعيد الراهن بين مليشيا فانو الأمهرية والقوات الحكومية لأديس أبابا، هناك جملة من الانعكاسات الداخلية والإقليمية التي يمكن أن تتمخض عن هذا التصعيد خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- تأثيرات قطع الدومينو: حذّرت العديد من التقارير الغربية من إمكانية تمدد التوترات الراهنة في إقليم الأمهرة إلى أقاليم أخرى في الداخل الإثيوبي، ولاسيما في ظل حالة الاحتقان الموجودة بالفعل في بعض الأقاليم، على غرار التوترات الراهنة داخل النخب السياسية في إقليم التيغراي ووجود حالة من الانقسام بين هذه القيادات بشأن اتفاقية السلام مع أديس أبابا، وفكرة عودة جبهة تحرير التيغراي للمشهد السياسي الإثيوبي مرة أخرى، يضاف لذلك التوترات المتزايدة في إقليم العفر (أو عفار) وأوروميا والصومال الإثيوبي؛ ومن ثم فتصاعد الاشتباكات بين القوات الحكومية وعناصر فانو بإقليم الأمهرة؛ يمكن أن يؤدي إلى تمدد هذه التوترات إلى مزيد من الأقاليم الإثيوبية، وإعادة هيكلة التحالفات القائمة، ولاسيما في ظل العلاقات المتوترة للحكومة الفدرالية في أديس أبابا مع بعض القوميين من العرقيات الإثيوبية المختلفة.
بل إن هناك بعض التقارير الغربية أشارت إلى احتمالية أن تدفع مليشيا فانو لبلورة تحالف مع جيش تحرير أوروميا؛ وهو ما قد يشكل تهديداً بالنسبة للحكومة الفدرالية في أديس أبابا، ولاسيما في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تواجهها إثيوبيا بسبب تداعيات حرب التيغراي؛ والتي أدت إلى تزايد حاد في مستويات التضخم في البلاد، بل ودفعت الولايات المتحدة إلى استبعاد إثيوبيا من قانون “النمو والفرص في إفريقيا”؛ وهو ما أدى إلى تداعيات سلبية حادة بالنسبة للصادرات الإثيوبية.
2- تداعيات مُحتملة على المشهد السوداني المأزوم: يضم إقليم الأمهرة الإثيوبي العديد من النازحين السودانيين بسبب الحرب الراهنة في السودان، ومنذ اندلاع هذه الحرب في إبريل 2023 ظل معبر “المتمة” هو الوحيد أمام السودانيين للدخول إلى إثيوبيا؛ ومن ثم فتفاقم الاشتباكات المسلحة في إقليم الأمهرة بين مليشيا فانو والحكومة الإثيوبية يمكن أن يفاقم الأوضاع الداخلية في الإقليم، بما في ذلك الملاجئ الخاصة بالسودانيين، وقد يمتد تأثير هذه الاشتباكات إلى الداخل السوداني، سواء من خلال التأثير في استمرار مرور السودانيين إلى إثيوبيا، أو حدوث نزوح عكسي إلى السودان وتفاقم حالة السيولة الأمنية على الحدود الإثيوبية السودانية.
3- إعادة هيكلة الموقف الإقليمي لأديس أبابا: يأتي التصعيد الراهن في إقليم الأمهرة بالتزامن مع التوترات المتزايدة بين إثيوبيا والصومال؛ إذ يمكن أن يؤدي تصاعد حدّة الاشتباكات بين القوات الإثيوبية ومليشيا فانو إلى تحول تركيز أديس أبابا عن الجبهة الصومالية، في ظل صعوبة التعامل مع الملفين بشكل متوازٍ؛ الأمر الذي قد يدفعها إلى تخفيف حدّة موقفها إزاء مقديشو، وتقديم بعض التنازلات في إطار جهود الوساطة التي تقودها تركيا بين الصومال وإثيوبيا، أو على الأقل التعويل على عامل الوقت من خلال إطالة أمد المفاوضات لحين الوصول لحسم عسكري أو سياسي في ملف مليشيا فانو.
بل إن بعض التقديرات لم تستبعد احتمالية أن تعمد أديس أبابا إلى قبول عرض جيبوتي، الذي كانت قد طرحته الأخيرة نهاية أغسطس الماضي على إثيوبيا، ويتمثل هذا العرض في منح الأخيرة سلطة إدارة ميناء تاجوراء بشمال جيبوتي، في إطار مساعي الأخيرة تهدئة التوترات بمنطقة القرن الإفريقي؛ بسبب تطلعات أديس أبابا الحصول على منفذ بحري لها على البحر الأحمر. وحال قبول الحكومة الإثيوبية لهذا العرض، فربما يؤدي هذا الأمر إلى تخفيف حدة الخلافات الحالية مع الصومال؛ ومن ثم اتجاه إثيوبيا للتركيز على صراعها مع مليشيا فانو.
4- الدفع نحو سيناريو الحسم العسكري: تبقى احتمالية أن تعمد الحكومة الإثيوبية إلى محاولة تحقيق حسم عسكري على مليشيا فانو قائمة بقوة، في إطار الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة بالنسبة لأديس أبابا، وهو ما قد يزيد من تصاعد حدّة المواجهات المسلحة خلال الفترة المقبلة. بيد أن تحقيق هذا الحسم العسكري لا يبدو مهمة سهلة بالنسبة للقوات الإثيوبية، في ظل التكتيكات المختلفة التي تتبعها فانو، فضلاً عن الدعم العرقي الذي ربما تحظى به الأخيرة من قبل بعض المجموعات المسلحة في إقليم الأمهرة، ناهيك عن احتمالية حصولها على دعم خارجي.
وعلى الرغم من ذلك، يبقى سيناريو التفاوض أحد البدائل المطروحة لتسوية هذا الصراع، فربما تعمد الحكومة الإثيوبية إلى الضغط عسكرياً على المجموعة من أجل دفعها للتوصل لاتفاق سلام على غرار اتفاق السلام مع جبهة تحرير التيغراي.
وفي الختام، يواجه المشهد الداخلي الإثيوبي نقطة فارقة بالنسبة لحكومة آبي أحمد؛ إذ يمكن أن تفضي العملية العسكرية التي أطلقتها أديس أبابا ضد مليشيا فانو إلى تعزيز هيمنة الحكومة المركزية على المشهد الداخلي في البلاد، لكنها في المقابل ربما تؤدي إلى تكريس حالة الاستقطاب وتقويض نفوذ حكومة آبي أحمد حال فشلت القوات الحكومية في تحقيق حسم عسكري واضح، أو على الأقل تحجيم نفوذ فانو. كذلك، يتوقع أن يكون لهذا الصراع ارتدادات إقليمية أوسع، سواء بانخراط بعض الأطراف الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي في هذه المواجهة، أو بالتأثير في تحركات أديس أبابا الإقليمية