صراع النفوذ «الفرنسي التركي».. خطر يهدد أمن منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي
أثارت التحركات الفرنسية في دول القرن الأفريقي والسودان في الأشهر والسنوات القليلة الماضية العديد من التساؤلات، بالتزامن مع تراجع كبير للنفوذ الفرنسي في عدد من دول الساحل، وأهمها مالي النيجر وبوركينا فاسو بالإضافة لتشاد وغيرها.
هذه المعطيات وغيرها دفعت بالعديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية والباحثين والخبراء، لتتبع طبيعة النشاط الفرنسي في القارة الأفريقية وما يحمله من مؤشرات ودلالات ترسم ملامح السياسة الفرنسية في القارة.
وبحسب التقارير الصادرة عن مراكز الدراسة وبعض الخبراء والمراقبين، فإن فرنسا تسعى لاستعادة نفوذها في القارة الأفريقية انطلاقاً من منطقة البحر الأحمر وخاصة السودان ومنطقة القرن الأفريقي، بالتزامن مع منافسة تركية لها في تلك المنطقة الهامة جداً استراتيجياً. ذلك أدى لنشوب صراعات وأزمات داخلية في بعض تلك الدول ولعل السودان والصومال وتشاد أمثلة واضحة على ذلك.
في سياق ذو صلة، أعلنت الرئاسة الفرنسية عن زيارة سيجريها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 20 – 22 ديسمبر الجاري لجيبوتي وإثيوبيا. حيث تستضيف جيبوتي أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في أفريقيا بتعداد 1500 جندي. وبحسب المصادر، سيلتقي ماكرون الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيلة لبحث الوضع في منطقة البحر الأحمر، وبخاصة في الصومال واتفاقية الشراكة الدفاعية المبرمة بين البلدين. وفي أديس أبابا سيلتقي رئيس الوزراء أبي أحمد وسيبحث معه العلاقات الثنائية، وبحسب موقع “أفريكا إنتلجنس”، فإن ماكرون سيحاول إعادة إثارة مسألة تدريب القوات البحرية الإثيوبية كتعاون دفاعي لتعزيز نفوذها في البحر الأحمر بالتزامن مع سعي إثيوبي لفتح منفذ بحري عبر أرض الصومال.
دلالات التحركات الفرنسية بمنطقة البحر الأحمر وشرق أفريقيا
لا شك بأن التحركات الفرنسية إن كان على الصعيد السياسي أو العسكري في منطقة البحر الأحمر وما حولها تتم بطريقة مدروسة وهادفة، لتعزيز النفوذ الفرنسي بالمنطقة. ووفقاً للخبير والباحث الاستراتيجي عبدلله قدّاح فإن نطاق التحركات الفرنسية تشكل السودان والصومال وتشاد وبطبيعة الحال جيبوتي معقل النفوذ الفرنسي.
وبحسب قدّاح بالنسبة للسودان، فقد أكدت منظمة العفو الدولية بأن فرنسا تزود “الدعم السريع” بالسلاح والعتاد. وأشار قدّاح إلى أن دعم باريس لحميدتي سيمكنها من إيجاد موطئ قدم لها على البحر الأحمر واستعادة نفوذها في أفريقيا من بوابة السودان، فحميدتي يمثل الرجل المناسب لتحقيق أهدافها العسكرية في السودان، وعبدلله حمدوك في السياسة، لذلك فإن باريس تدعم تحالف غير معلن بين حمدوك و “حميدتي”. وتزود “الدعم السريع” بالسلاح عن طريق قواعدها العسكرية الموجودة في تشاد، وتدعم حميدتي سياسياً، كما تقف ضد الجيش السوداني، وتستخدم نفوذها الدبلوماسي لمنع توجيه أي اتهام رسمي لحميدتي.
إضافة لذلك، مصالح باريس والإمارات وتل أبيب تلتقي عند قائد قوات “الدعم السريع” “حميدتي” ووجدت به الرجل المناسب لرعاية مصالحهم، وتنفيذ خططهم، لذا بدأت باريس بدعمه عسكرياً وسياسياً عبر الإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا وتشاد. لأنه وبحسب قدّاح، فإن دعم باريس وحلفاؤها (إسرائيل والإمارات) لحميدتي عسكرياً وسياسياً لن يخلصهم فقط من الإسلاميين، بل سوف يمنحهم نفوذ أكبر في البحر الأحمر، وسيطرة أكبر على طرق التجارة الدولية، بالإضافة إلى أن ذلك سوف يمكن فرنسا والامارات وإسرائيل من وضع حد لتنامي النفوذ التركي في تلك المنطقة.
لماذا تخشى باريس من النفوذ التركي في منطقة القرن الأفريقي
في هذا الإطار أكد قدّاح، بأن تركيا تسعى إلى تعزيز نفوذها وتقديم نفسها كأحد الفاعلين في القرن الإفريقي، سواء فيما يتعلق بتوقيع اتفاقيات التعاون الدفاعي، أم قيامها بدور الوساطة، أم الاستثمار في مجال الطاقة. بيد أن هذا يطرح تساؤلات حول حدود هذا الدور ودوافعه، في ظل الكثير من التحديات الإقليمية والدولية،
ولعل أبرز مؤشرات تصاعد النفوذ التركي في المنطقة، هو اتفاقية التعاون الدفاعي مع الصومال، والتعاون العسكري مع جيبوتي، وتصدير الطائرات من دون طيار للصومال وإثيوبيا، واتفاقيات للاستثمار في مجال الطاقة مع الصومال، وأخيراً لعب دور الوساطة بين الصومال وإثيوبيا.
ويرى بعض الخبراء بأنه من المتوقع أن تظل هذه المنطقة متصدرة لأولويات تركيا، مع تزايد التعاون الأمني والعسكري مع دول المنطقة التي تستعين بالخبرات التركية. ومن المتوقع أن تمهد هذه الاتفاقات لسعي أنقرة لنفوذ أكبر في دول أخرى بالقرن الإفريقي، ومنها جيبوتي (منطقة النفوذ الفرنسي)، وهذا ما يشكل تهديد كبير للنفوذ الفرنسي الذي يعتبر مهدد أصلاً من قبل دول أخرى كالصين وروسيا وألمانيا وإيطاليا وغيرها. لذا فإن باريس تخشى من النفوذ التركي وتسعى لتقييده.
التنافس الفرنسي التركي في السودان
من جهته أكد الباحث عبد الستار خالا بأنه بالنسبة للسودان، نلاحظ بأن أنقرة توجهت لدعم الجيش السوداني في الوقت الذي تدعم به باريس قوات “الدعم السريع”. حيث دعمت أنقرة قوات الجيش السوداني والحركات الإسلامية الموالية لها، وعلى رأسهم كتيبة “البراء بن مالك” التي تقاتل إلى جانب قوات الجيش، والتي تتخذ من بورتسودان المطلة على البحر الأحمر عاصمة لها، والتي تعتبر المنطقة الأهم استراتيجياً بالنسبة لتركيا. حيث يعتقد بعض الخبراء بأن تركيا تعتبر السودان بوابتها الرئيسة في التوسع بأفريقيا. يأتي ذلك في ظل تنافس تركي-فرنسي شرس على النفوذ في القارة السمراء والبحر الأحمر.
إلى جانب ذلك، أكد بعض المراقبين والخبراء بأن أردوغان عَمل كوسيط في حل التوترات بين إثيوبيا والصومال، ويحاول الآن بنشاط فرض الوساطة في حل الصراع بين شرطة جنوب السودان والجيش في السودان. ويأتي ذلك في سياق تصاعد النفوذ التركي في المنطقة.
دور الإمارات كوكيل للنفوذ الفرنسي
في سياق متصل، أكدت بعض التقارير الصادرة عن مراكز أبحاث سياسية، بأن باريس تسعى لتعزيز موقف ونفوذ حليفتها الإمارات العربية المتحدة في إثيوبيا، لأن ذلك من شأنه أن يعزز المصالح الفرنسية في المفاوضات مع آبي أحمد على حساب النفوذ التركي المتنامي. حيث انتشرت بعض المعلومات التي تشير إلى نية فرنسية لنشر قوات في جزيرة سقطرى اليمنية المحتلة بشكل غير قانوني بالتعاون والتنسيق مع الإمارات العربية المتحدة. كما تخطط باريس لتعويض انسحاب قواتها من تشاد بتعزيز نفوذ وكيلتها الإمارات التي تلعب دور الممثل وراعي المصالح الفرنسية هناك. وبحسب الباحث في الشؤون الاستراتيجية خالا، ذلك سبب حالة من التنافس الشديد بين الإمارات وتركيا على لقب الشريك العسكري الأساسي للرئيس التشادي ديبي،
في الوقت الذي تشير به التقارير إلى استعداد باريس لتقديم كل الدعم لأبو ظبي لتتمكن من القيام بهذه المهمة.
نتائج التنافس الفرنسي-التركي في منطقة البحر الأحمر والسودان
وبحسب خبراء ومراقبين للوضع في المنطقة، فإن التنافس التركي-الفرنسي على النفوذ في السودان ومنطقة القرن الأفريقي، سبب أساسي لتصاعد الصراع في السودان وتمدده حتى الأن، بالإضافة إلى وجود مخاوف من توسع الأزمات وانتشارها بمنطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر بسبب الأطماع الفرنسية والطموحات التوسعية التركية في المنطقة، والتي تهدد أمن واستقرار كل شعوب المنطقة.