عقار في خطاب يحمل دلالات متعددة
متابعة:الرؤية نيوز
في خطاب يحمل دلالات متعددة، ألقى مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة، كلمة في بورتسودان تتناول قضايا السيادة الوطنية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة. جاء الخطاب في وقت حساس، حيث يواجه السودان تحديات كبيرة نتيجة النزاع المستمر، مما يجعل الرسائل الموجهة من قبله تحمل أهمية خاصة. وقد تضمن الخطاب إشارات واضحة حول ضرورة تعزيز السيادة الوطنية، بالإضافة إلى إشارات غير ظاهرة تتعلق بالتحولات السياسية التي تشهدها البلاد.
بعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على مدينة ود مدني، أعلن عقار عن بدء الحكومة في إعادة هيكلة مجلس شؤون الأحزاب السياسية ومراجعة قانون الأحزاب. هذه الخطوة تهدف إلى مواكبة التطورات السياسية وضمان فعالية الأحزاب في أداء دورها. وأكد عقار أن هذه الإجراءات تأتي ضمن رؤية شاملة لبناء مرحلة سياسية جديدة، تتوج بإجراء انتخابات تؤدي إلى تشكيل حكومة مدنية منتخبة، مما يعكس التزام الحكومة بتحقيق الاستقرار السياسي.
كما دعا عقار إلى تجاوز التناقضات السياسية، مشددًا على أهمية توحيد الجهود بين القوى السياسية والمدنية لتحقيق شرعية توافقية من خلال عملية سياسية تأسيسية. وفي سياق حديثه عن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، ربط بين الانتصارات الميدانية التي حققها الجيش والخطوات الإصلاحية التي تهدف إلى تحرير مؤسسات الدولة من التمييز الحزبي والسياسي، مما يعكس رؤية متكاملة نحو بناء دولة قوية ومستقرة.
كانت الدلالات الدولية للخطاب واضحة أيضًا، حيث حاول عقار إيصال رسالة إلى المجتمع الإقليمي والدولي تفيد بأن الحكومة السودانية ليست قادرة فقط على مواجهة التحديات الأمنية، بل أيضًا على إعادة هيكلة الوضع الداخلي على الصعيدين السياسي والإداري. وأكد عقار موقفه بشكل واضح بأن جميع المتورطين في إراقة الدم السوداني، سواء بشكل علني أو سري، سيتم التعامل معهم وفق معايير موحدة، بما في ذلك قادة قوات الدعم السريع.
اعتبر البعض إعادة هيكلة قانون الأحزاب كخطوة مسبقة لتنظيم الانتخابات، محاولة لترتيب المشهد السياسي بما يفيد مصالح الأطراف المسيطرة. وفي الوقت نفسه، حملت رسائل واضحة لمواجهة أي محاولات لتشكيل حكومة موازية مدعومة من قوات الدعم السريع. ويعتقد المحللون أن هذه الهيكلة قد تُستغل لإنشاء حاضنة سياسية تدعم الجيش والحركات المسلحة، مما يعزز من هيمنة السلطة المركزية.
يعتقد المحلل السياسي الدكتور صلاح الدومة أن المناقشة حول إعادة هيكلة قانون الأحزاب تشير إلى محاولة لفرض شرعية الوضع القائم وتزوير إرادة الشعب عبر إنشاء أحزاب تدعم الحكومة.
ذكرت صحيفة “التغيير” أن هذه الخطوة تمثل تكرارًا للسياسات القديمة التي رفضها الشعب السوداني، مشيرة إلى أن خطاب عقار يعيد إنتاج الأزمات بدلاً من العمل على حلها.
من جهته، يوضح الأستاذ المتخصص في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية والأمن القومي والتخطيط الاستراتيجي د. راشد محمد علي الشيخ أن مسألة إعادة تنظيم الأحزاب ليست جديدة، لكن تأخرت بسبب عدم وجود الإرادة السياسية لتنفيذها. وأكد أن الخطاب يمثل فرصة لإصلاح الوضع السياسي، بشرط أن تتوفر الجدية في التنفيذ.
يعتقد الدومة أن الحديث عن “شرعية توافقية” لا يعدو كونه ذريعة سياسية لفرض شرعية الواقع القائم، مشددًا على أن هذه السياسة ليست سوى محاولة لتكرار “مسرحيات الكيزان” السابقة التي اعتبرها بسيطة. وبيّن أن الشعب السوداني أصبح أكثر وعيًا بهذه الأساليب، مما يصعّب تمريرها، رغم وجود بعض الأطراف التي قد تقبل بهذه الأجندة.
اعتبر أن أي محاولة لإجراء انتخابات مزيفة أو استكمال هياكل السلطة الحالية لن تلقى قبولًا سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. ووجه انتقادات لاذعة لعقار، متهمًا إياه بالتورط في انتهاكات موثقة خلال فترة تمرده. وأوضح أنه كان من أول المسؤولين الذين طالبوا باستخدام القوة القاتلة ضد المتظاهرين خلال فترة عضويته في مجلس السيادة، موجهًا إليه تهمة التناقض، إذ إن هؤلاء المتظاهرين هم من ساهموا في وصوله إلى الحكم.
من جهته، يشير الصحفي والمحلل السياسي إسماعيل شريف إلى أن خطاب عقار الأخير لم يكن موجهًا لدعم القوات السريعة بقدر ما كان يستهدف تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) التي تسعى لتشكيل حكومة موازية. ويؤكد شريف في حديثه مع “التغيير” أن الخطاب ركز على تعزيز مفهوم الدولة المدنية والانتخابات كوسيلة لاسترجاع الشرعية الدولية. ويرى أن الخطاب يعكس محاولة لسحب الدعم من تحت أقدام (تقدم) من خلال تقديم الجيش والحركات المسلحة كضامنين للوحدة الوطنية واستقرار الدولة.
يعتقد شريف أن خطاب عقار يحتوي على رسائل موجهة إلى المجتمع الدولي أكثر من كونه موجهًا للداخل، وأن تبني مشروع الدولة المدنية وتنظيم الانتخابات يسعى إلى استعادة الدعم الدولي وإعادة السودان إلى مكانته الإقليمية والدولية بعد الحصول على الشرعية الانتخابية. ويشير إلى أن الخطاب قد يكون بمثابة تمهيد لمرحلة جديدة من الاستقرار، حتى وإن استلزم الأمر فصل الولايات التي تحت سيطرة الدعم السريع عن الدولة المركزية لفترة مؤقتة.
يقدم شريف تحليلًا عميقًا لطموحات الدعم السريع ومحاولاته لتشكيل حكومة مدنية في المناطق التي يسيطر عليها، مشيرًا إلى أن هذه المحاولات تواجه عقبات رئيسية، أهمها عدم استعداد الدعم السريع سياسيًا وتنفيذيًا، بالإضافة إلى نقص القدرات اللازمة لإدارة مؤسسات الدولة. وأوضح أن الدعم السريع، رغم سيطرته على مواقع السلطة مثل القصر الجمهوري والإذاعة والتلفزيون القومي لفترات، إلا أنه فشل في إظهار نفسه ككيان قادر على إدارة الدولة بكفاءة. كما تحولت المناطق التي تحت سيطرته إلى بؤر للفوضى والعنف، مما زاد من الاستياء الشعبي.
يشير إلى أن خطاب عقار جاء في وقت ضعفت فيه قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة واختفت قياداته المهمة، بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية المفروضة على قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو. ويرى شريف أن هذه الظروف أوجدت فرصة للجيش والحركات المسلحة للتحضير لمرحلة ما بعد الحرب.
حسب الشيخ، فإن مفهوم إعادة تنظيم الأحزاب ليس بالأمر الجديد، حيث تم مناقشته بشكل موسع في الماضي، لكنه بقي معطلاً لعدم وجود الإرادة السياسية لتطبيقه. ويعتقد أن خطاب عقار قد يمثل خطوة نحو فتح هذا الدائرة المغلقة، ولكن النجاح يعتمد على جدية تنفيذ الإصلاحات.يعتبر الشيخ أن خطاب عقار يمكن تفسيره في إطار مواجهة تحالف (تقدم) الذي يسعى لتشكيل حكومة بديلة. وبيّن أن المناقشة حول تنظيم الأحزاب ودعم الجيش والحركات المسلحة تُظهر جهودًا لبناء تحالف سياسي يمكنه مواجهة الانقسامات المعارضة. ورغم ذلك، يؤكد على أن الوضع بعد الحرب يتطلب وعيًا جماعيًا للاستفادة من الدروس السابقة وخلق واقع سياسي جديد يسهم في تقليل الصراعات وتعزيز فرص التعاون الإيجابي بين الأطراف المختلفة.