الرؤية نيوز

حسين خوجلي يكتب: ولألوان كلمة..الوقوف علي الأطلال

0 7

بعد تحرير الخرطوم هاتفت أحد الأخوة الأفاضل الذي كان يعمل مهندسًا بقناة أمدرمان الفضائية أن يذهب لمعاينة دارنا بالطائف وصحيفة ألوان وإذاعة المساء وقناة أمدرمان الفضائية، فذهب المهندس مشكورًا لكل المواقع وقام بتوثيقها وتصويرها وقد أرسل لي رسالة فيديو رافقها بالصوت وهو يتفقد الأمكنة ركنًا ركنًا. وقد استوقفني صوته الحزين وهو يردد بإستمرار لا حول ولا قوة إلا بالله عوضك الله يا أستاذ رضاءً وأجرًا على كل الذي فقدته، منزلكم العامر تمت سرقته بالكامل ولا أريد أن أدخل في التفاصيل، فقد سرقوا كل شئ الأجهزة بكل أنواعها والمكتبة واللوحات والتحفيات النادرة وكل الأشياء الصغيرة ببعدها المعنوي وفيض ذكرياتها. تركوا الأبواب مشرعة وملأوا الحيطان بشعاراتهم الشيطانية، وبكل جرأة وتمهل سرقوا المولد الكهربائي الكبير وكل سياراتكم وظل يردد لا حول ولا قوة الا بالله.
أما الإذاعة فقد سرقوا الأجهزة والمكتبة الصوتية وكل الأجهزة الإلكترونية والأثاث وعطر أنفاس المبدعين.
أما صحيفة ألوان فقد نهبوا كل أجهزة الطباعة والتصميم وأجهزة التصوير وسرقوا حتى الأرشيف الورقي للصحيفة وغادروها أنقاضًا تمثل حجم الحقد الدفين الذي يحمله هؤلاء لكل معابر التوثيق والإعلام في بلادنا.
أما القناة الفضائية فقد تمت سرقتها ونهبها أو قل استئصالها كليًا وجزئيًا، نهبوا ستديوهات إنتاج الفيديو الـ ٣ الكاميرات وأجهزة الصوت والكنترول والإضاءة والأثاث والديكور والإكسسوارات وكل جماليات الشاشة وسرقوا ستديو الصوت بكل أجهزته وسرقوا المكتبة وجهازها الذي احتوى على أكثر من ١٠٠ ألف ساعة انتاج فيديو احترافي لا يقدر بثمن، وسرقوا مكتبتي الصوتية والمرئية الخاصة وسيارات القناة وسرقوا أكثر من ١٢ كاميرا احترافية و١٢ جهاز آبل ماكنتوش احترافي للتصميم وكل أجهزة الكمبيوتر للعمل الإداري. ومن الأحزان الكبيرة سرقتهم لغرفة البث المتقدمة الأجهزة والمعينات الإلكترونية. بإختصار قالها ضاحكًا في سخرية حزينة وموحية فلننتظر يا أستاذ وأنت معنا بعد هذا النهب الممنهج إطلالة قناة أمدرمان الفضائية من الضعين أو بانقي أم جرس بتشاد، ولم أوفق في زيارة المطبعة ودار النشر، نسأل الله أن تكون قد حفظت أو أعمى الله بصيرتهم عنها.
رددت عليه برسالة قصيرة شاكرًا جهده المقدر واخلاصه لمؤسساته القديمة التي صارت أثرًا بعد عين وطلبت منه اغلاق كل الأبواب بالحديد الغليظ ويختمها بالشمع الأحمر فإن عدنا سنعيد إن شاء الله ما دمروه، فنحن من شعب وأمة لا تعرف المستحيل وإن لم نعد فأجعلوها متاحف شاهدة على جرائم عائلة هولاكو الجديدة وخراب التتار بنسختهم المزيدة والمنقحة الموسومة بإسم النهب السريع.
وما بين الأمل الفقيد والرجاء الجريح سنظل نردد عبارة التعازي للراحل صلاح للأسف لم يبق في العمر ما يكفي لبدايات جديدة.
كما أرجو من كل قلبي أن تقف وحيدًا بعد إكمال المهمة وتردد بصوت مشحون بلوعة الذكريات والتأسي النبيل على هذا الوطن الذي فقدناه بمواهبنا السالبة في الغفلة والطيبة التي تماثل السذاجة والثقة في الأوغاد الذين لا يستحقون الحوار ولا الجوار بفطرة فاسدة طبعت على قلوبهم وعلى عقولهم وعلى جوانحهم وهم كالحجارة أو أشد قسوة فمن الحجارة ما يتفجر منها الندى ويندلق الماء.
نعم قف وحيدًا وردد أبيات الراحل إبراهيم ناجي:

‎يا فُؤَادِي رَحِمَ اللّهُ الهَوَى ** كَانَ صَرْحاً مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
‎اِسْقِني واشْرَبْ عَلَى أَطْلاَلِهِ ** وارْوِ عَنِّي طَالَمَا الدَّمْعُ رَوَى
‎كَيْفَ ذَاكَ الحُبُّ أَمْسَى خَبَراً ** وَحَدِيْثاً مِنْ أَحَادِيْثِ الجَوَى

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.