قدّم دروساً، في التضحية والفداء،، الجيش،، قصة الصمود والتحرير..
كسر القوة الصلبة للميليشيا، وأكد أن الآليات لا تحارب وحدها..
حنفي: إمكانيات الميليشيا يمكنها تدمير جيوش دول..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
ماتزال أصداء تحرير العاصمة الخرطوم من دنس ميليشيا الدعم السريع المتمردة تحصد التفاعلات في فضاءات التايم لاين الذي تضجُّ جنباته باحتفالات صاخبة تتراقص على إيقاعات محبةٍ خالصة للقوات المسلحة السودانية والقوات المساندة لها والتي سطَّرت لحظات مجيدة في تأريخ السودان، ببذلها الغالي والنفيس من الأرواح والمهج والدماء والعرق فدىً للسودان وأهله، ليظل العشرون من مايو 2025م يوماً خالداً في ذاكرة الشعب السوداني، الذي عكست أفراحه الهستيرية في الداخل والخراج أملاً كبيراً ببناء دولة السودان الخالية من المتمردين والعملاء والخونة والمارقين.
تحول استراتيجي:
ومثَّلت خطوة تحرير القوات المسلحة للعاصمة الخرطوم بحسب مراقبين تحولاً استراتيجياً في مسار معركة الكرامة الوطنية التي خاضتها القوات المسلحة والقوات المساندة لها في ظروف بالغة التعقيد، وبإمكانيات صفرية، واجهت بها ميليشيا غادرة قلبت للجيش ظهر المِجَّن، فخططت وأعدت ما استطاعت من قوة لقهر القوات المسلحة واستلام السلطة خلال سويعات معدودات، ولكن الجيش كان في الموعد وأكد ” بياناً بالعمل” أن الآليات والمعدات الحربية لاتقاتل بقدر ما تقاتل الشجاعة، ورباطة الجأش، وقوة القلب، فأخرج الجيش من كنانة مهنيته العالية، أمضى سهام تجاربه وخبراته على مدى خدمته الطويلة الممتازة، فنجح في امتصاص الصدمة الأولى عندما كان القتال من المسافة صفر، ثم جنح إلى تنفيذ استراتيجية “الحفر بالإبرة” بإدارة الحرب طبقاً لمراحل تُبنى على الموارد المتيسرة والمنتظر تيسيرها، مع المحافظة على مبدئي التوازن، والاقتصاد في القوى، حيث واجهت القوات المسلحة صلف وغرور الميليشيا، وهي ناقصة العدد والعتاد، وفاقدة السند والإمداد، فصمدت في مواقعها واستبسلت في تفتيت الكتلة الصلبة لميليشيا آل دقلو، فاستطاعت إخراج المتمردين من معظم المعسكرات، والمقار، والمواقع الاستراتيجية التي كانت مكلفة بحراستها، ثم نفذت معها سياسة الصبر و”النَفَس الطويل” باستنزاف قوة وموارد الميليشيا والاعتماد على التقدم والمحافظة على المكاسب العسكرية المتمثلة في الآليات العسكرية الثقيلة.
اقتران القوات:
نجاح الجيش في تطبيق المرحلة الأولى، حفَّزه إلى تنفيذ المرحلة الثانية وهي اقتران القوات، والتي تعني وصول التشوين بكل ما تحمل الكلمة من معنى، تشوين في الإمداد والعدة والعتاد، تشوين في الرجال والذخائر والمهمات، وتشوين في الغذاء، وقبل ذلك كله تشوين في الروح والاستزادة بمعنويات جديدة لمقابلة مرحلة ( فكِّ اللجام ) حيث شهد منتصف فبراير 2024م اقتران قوات وادي سيدنا بالقوات المرابطة في سلاح المهندسين، فنتج عن هذا الاقتران انفتاح الجيش وتقدمه لتحرير مناطق أم درمان القديمة، والإذاعة والتلفزيون وغيرها من المناطق الحيوية، ثم كان اقتران قوات أم درمان مع القوات المرابطة في الخرطوم والخرطوم بحري في سبتمبر 2024م فيما عُرف بالعبور الكبير والذي يقصد به عبور القوات جسري الحلفايا وشمبات وسيطرتها على مناطق شمال بحري في الكدرو والحلفايا وأجزاء من الجيلي، ليأتي الاقتران الأخير بالتقاء متحركات بحري ووادي سيدنا وأم درمان والذي تم بموجبه فك الحصار عن القيادة العامة وتحرير المصفاة ومن قبله تحرير عديد المناطق والقرى الواقعة شمال بحري، ووسط الخرطوم، وشرق أم درمان في سوق ليبيا وقندهار ودار السلامات، وانتهاءً بملحمة صالحة جنوب أم درمان.
صمود وتضحيات:
ويمتدح الفريق حنفي عبد الله أفندي الخبير العسكري، والباحث في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، والمدير العام لمركز السودان لمكافحة الإرهاب، الدروس العظيمة التي قدمتها القوات المسلحة في الصمود والتضحية والفداء، وقال في إفادته للكرامة إن القوات المسلحة سطرت خلال حرب الكرامة، تأريخاً ناصعاً ومختلفاً في فنون وتكتيكات واستراتيجيات الحرب بإمكانات قتالية محدودة عدةً وعتاداً، في مواجهة ميليشيا آل دقلو المسنودة بجحافل المرتزقة، ومخزونات أطنان الذخائر، ومتاريس الأسلحة الحديثة التي لا تتوفر الا للجيوش النظامية، وأسراب من المسيّرات الحديثة والاستراتيجية، ومنظومات الرصد، والتشغيل والتشويش، والمركبات القتالية المتنوعة، المدعومة بإمبراطورية أموال آل دقلو المنهوبة من صولجان السلطة، وإمكانيات الدولة، وأموال المواطنين، هذا فضلاً عن إسناد فني رفيع من قبل مرتزقة من الخبراء الذين تداعوا من أصقاع الدنيا، ليديروا دفة هذه الحرب وسط تغطية إعلامية كثيفة تقوم على مختلف المنصات وتقنيات الميديا الحديثة من الذكاء الاصطناعي، والإعلام الحديث، وأكد الفريق حنفي، أن ما وجدته ميليشيا الدعم السريع من إمكانيات، يمكنه أن يقضي على جيوش دولٍ بكامل استعدادها.
مهنية ودُربة:
ولم يغفل الخبير العسكري الفريق حنفي عبد الله أفندي، التعقيدات التي كانت تعاني منها القوات المسلحة التي كانت محرومة من التجنيد ودخِّ دماء جديدة في شرايين قواتها منذ العام 2016م، فيما كانت ميليشيا الدعم السريع تخرّج الألاف من الجنود والمقاتلين، ولكن عندما دقت ساعة الحقيقة كانت القوات المسلحة حاضرة بفعل الدُّربة والمهنية العالية قيادةً وتنفيذاً، وينوه الفريق حنفي إلى تلاحم الجيش جنوداً وضباطاً في ميادين المعارك، وزاد” شهدنا الضباط حتى القادة يعملون ” بندقجية”، ولاحظنا أرتالاً من الشهداء من كبار الضباط من ذوي الرتب الرفيعة” وتطرق الفريق حنفي إلى صحوة الشعب السوداني والتفافه حول قواته المسلحة من خلال قوافل المناصرة التي تمثلت في جحافل المستنفرين، والمقاومة الشعبية، وكتائب المجاهدين، هذا فضلاً عن نزول القوة المشتركة ميدان القتال عقب تخليها عن الحياد بعد أن تنبهت ووعت مخاطر التآمر، وختم الفريق حنفي إفادته للكرامة، مبيناً أن العشرين من مايو 2025م، سيبقى نقطة فارقة في تأريخ نضالات القوات المسلحة، تُضاف لسجل حافل من التضحيات والبذل والعطاء.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر يبقى انتصار الجيش في معركة الخرطوم، وتحرير عاصمة البلاد من دنس هؤلاء الأوغاد، بالخطوة المهمة التي تعكس قيمة القوات المسلحة، وقدرتها على هزيمة المستحيل، ولعل من حسن الطالع أن يأتي هذا الانتصار متزامناً مع تعيين رئيس وزراء جديد معني بإعادة مدنية الدولة السودانية إلى الواجهة، الأمر الذي سيفتح باباً كبيراً أمام إعادة بناء الدولة، وأملاً باستعادة استقرار السودان أمنياً وسياسياً واقتصادياً.