الرؤية نيوز

محمد عبدالقادر يكتب..(د.كامل وحمدوك)..بين “وطنيٍّ مُخلِصٍ” و”عميلٍ خائنٍ”

0 233

أعملَ السُّودانيُّون، مثل دَأبِهم، الكثيرَ من المقارناتِ بينَ الدكتورِ كامل إدريس، وقد أدَّى القَسَمَ أمسِ رئيساً لوزراء السُّودان، وبين سَلَفِه عبد الله حمدوك، الذي غادَرَ المنصبَ مُشَيَّعًا بلعناتِ المواطنين غيرِ مأسوفٍ عليه في العامِ 2021.
رَحَلَ حمدوك بعد أنْ تمَّ رَفْته من قِبَلِ العسكر، قبل أن يُبرِمَ اتفاقًا معهم، ويعودَ ويُغادِرَ مرَّةً أُخرى تحتَ ضغطِ الشارعِ ومَقتِ الجماهيرِ لخطوتِه المُتهافِتة، غيرَ أنّه، و(الاختشَوْا ماتوا)، أصدرَ بيانًا الأسبوعَ الماضي، وصفَ فيه سُلطةَ حُلفائِه السَّابقين من الجنرالات بأنّها غيرُ شرعيَّةٍ لتعيينِ رئيسِ وزراء، ويقصدُ د. كامل إدريس.
بَرَعَ “التايم لاين” في إظهارِ آراءٍ وملاحظاتٍ رَجَّحت كفَّةَ الدكتورِ كامل إدريس، وذهب البعضُ للقولِ بانْتِفاءِ المقارنةِ بين “حمدوك المطرود”، ربيبِ المنظماتِ الدوليَّةِ، الذي لَهَثَ وراءَ العسكرِ قبلَ أن يُرفَت ويستقيل، وبين رئيسِ وزراءٍ وطنيٍّ على قدرٍ من التأهيلِ العلميِّ، والمواقفِ الوطنيَّةِ الحقيقيَّةِ، وعدمِ الانتماءِ السياسيِّ أو التوجُّهِ الأيديولوجيِّ.
وإن كانت “فَرْمالةُ حمدوك” العلاقاتِ بالخارجِ، فإنَّ د. كامل إدريس هو الخارجُ نفسُه، إذْ عملَ جزءًا من نسيجِه في منظماتِ الأممِ المتحدة، لا موظفًا في إحدى التكويناتِ الإقليميَّة، فالسُّودانيون لم يَعرِفوا حمدوك إلا رئيسًا للوزراء، مَحمولًا على أكتافِ مُختطفي الثورة، ووكيلًا لأجندةِ المخابراتِ الأجنبية، وعميلًا مُخلِصًا للمنظماتِ التي كانت تدفعُ راتبَه ومصاريفَ مكتبِه بالدولار.
وإنْ كانَ حمدوك لا يزال يُصوِّرُ نفسَه كخيارٍ للثوَّار، فإنَّ كامل إدريس، بوَطنيَّتِه المعلومةِ، انحازَ للشارعِ وثورتِه عبرَ مواقفَ مَشهودةٍ وموثَّقة، كأحد أبناءِ السُّودانِ قبلَ أنْ تتمَّ سرقتُها بليلٍ وتُجَيَّرَ لمصلحةِ الخارجِ، وحسبَ الدورِ المرسومِ لحمدوك وزُمرتِه من “القُحاحيت”، الذين تُطارِدُهم اللعناتُ واللكماتُ والشتائمُ أينَما حَلُّوا ووُجِدوا، وقد انتهتْ بهم التجربةُ الفاشلةُ مردوفينَ على ظهرِ دبابةِ مليشيا الدعمِ السريع، يتحمَّلونَ إلى جانبِ الجنجويدِ القتلةِ كلَّ وِزرٍ ارتكبوه بحقِّ الشَّعبِ السُّودانيِّ.
جاءَ حمدوك محمولًا على “خِداعِ الثورنجية”، وأجندةِ الخارجِ لتسليمِ البلادِ إلى الإماراتِ التي تُؤويهِ الآنَ وسيدتِها إسرائيل، أمّا كامل فقد قَدِمَ مشمولًا بمباركةِ السُّودانيين، وآمالِهم في وطنٍ مُعافى من العمالةِ والارتزاق، ورغم أنّه عاشَ بين الغربِ ومنظماته، إلّا أنّه لم يتلوَّث بأجندةٍ، ولم يُوصَمْ بعمالة، وقد ظلَّ محلَّ احترامِ الجميع، لأنّه عاشَ ابنًا بارًّا للسُّودانِ في أيِّ مكانٍ عمِلَ به، وظلَّ يُسجِّلُ مواقفَ وطنيَّةً مُشرِّفةً نالَ بها احترامَ اليمينِ واليسارِ والوسط.
أدَّى كامل إدريس القَسَمَ لتخليصِ السُّودانِ من ويلاتِ الحربِ وجورِ المجتمعِ الدوليِّ وخُذلانِ الجيران، بينما يُعَدُّ حمدوك أحدَ مُشعِليها ونافخي كيرِها، وقد اختارَ أن يكونَ وتنظيمُه “صُمود” ذِراعًا وحاضنةً سياسيَّةً للجنجويدِ القتلةِ، وما زالَ حمدوك يقفُ في الجانبِ الخاطئ من التاريخ، يُروِّجُ لمشروعِ التمرُّدِ البغيضِ، ويُنافِحُ عن القتلِ والسَّحلِ واغتصابِ النساء، ودَهسِ الأسرى العُزَّل تحتَ إطارِ “التاتشرات”، حتّى في منطقتِه الدُّبيبات، آخرِ المواقعِ التي يَدوسُ المُتمرِّدون على أهلِها ويُزهقونَ أرواحَهم كلَّ يوم.
في تَقديري، إنّه لا مقارنةَ البتّةَ بين كامل إدريس الوطنيِّ الخالصِ، وحمدوك الوالغِ في العمالةِ والارتزاق، لا أكاديميّاً، ولا مهنيًّاً، أو سياسياً؛ فمن حيثُ الدُّربةِ المهنيَّةِ، تبدو الكفّةُ راجحةً لكامل، أحدِ القاماتِ السُّودانيَّةِ التي حقّقت اختراقاً بائناً، وهو يُسجِّلُ للسُّودانِ مجداً مَشهوداً بوجودِه ضمنَ منظومةِ المنتمينَ لصفِّ القيادةِ الأولى في منظماتِ الأممِ المتحدة، أمّا أكاديميًّا فتبدو المقارنةُ واضحةً، وشهاداتُ الرجلِ تفيضُ بها سيرتُه الذاتيَّةُ كأستاذٍ بروفيسورٍ عمِلَ في جامعاتٍ مرموقة.
أمّا سياسيّاً، فقد كان الرجلُ جزءاً من حراكِ الساحةِ بوسطيَّةٍ واعتدالٍ قَرّبَه من اليمينِ واليسار، وجعلَه حاضراً في الوسطِ السياسيِّ لوجهِ السُّودان، قبلَ تنظيمِه للقاءِ باريس بين الراحلَين الدكتور حسن التُّرابي والصادق المهدي، مروراً بمواقفَ مشهودةٍ أبرزُها ترشُّحُه للرئاسةِ على أيامِ الإنقاذ، مروراً بانحيازِه للتغييرِ في السُّودان، قبلَ اختطافِه بواسطةِ الناشطينَ وعملاءِ المخابرات؛ فمَن هو حمدوك ومتى عرَفَه السُّودانيون؟
في تَقديري، إنّ اختيارَ رئيسِ مجلسِ السيادةِ الفريقِ أوّل عبد الفتّاح البرهان لكامل إدريس رئيسًا للوزراء، مَثَّلَ “ضَربةَ مُعلِّم”، لأنّه أبطَلَ مفعولَ “فرمالةِ الخارج”، التي يتشدّقُ بها حمدوك ورَهطُه، فكامل بكلِّ ثقلِه المهنيِّ والأكاديميِّ يُمثِّلُ الخارجَ بدون “لبط”، فهو ابنُ الأممِ المتحدةِ وسليلُ إداراتِها بلا ادّعاءٍ.
وبرأيي، إنَّ المقارنةَ بينه وحمدوك، أشبهُ بالسُّؤالِ: “سمحة الموية ولا جَرَاي الكلب؟”، إذ لا تَستقيمُ المقارنةُ أصلًا بين “وطنيٍّ” و”خائنٍ”، وبين “كامل وحمدوك”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.