الرؤية نيوز

السلطات السودانية تقيد الاتصالات عبر واتساب دوافع أمنية اقتصادية أم تضييق سياسي؟

0 8

احدث قرار جهاز تنظيم الاتصالات والبريد في السودان بتقييد خدمة المكالمات الصوتية والمرئية عبر تطبيق واتساب موجة واسعة من الجدل، لما له من تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية متشابكة. القرار الذي يدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من الجمعة 25 يوليو، يقتصر على المكالمات فقط، بينما تبقى باقي خدمات التطبيق متاحة، مثل الرسائل النصية وتبادل الوسائط والمشاركة عبر المجموعات.

السلطات أوضحت أن الخطوة تأتي في إطار الحفاظ على الأمن القومي، في ظل ما وصفته بتزايد المهددات الأمنية، إلا أن قطاعات واسعة من المجتمع المدني والناشطين اعتبرت القرار مساسًا مباشرًا بالحريات الرقمية، وتراجعًا إضافيًا في فضاء الحقوق المدنية، خاصة في ظل اعتماد المواطنين على تطبيقات الاتصال لتنسيق الدعم وتبادل المعلومات في ظل الحرب الدائرة.

المهندس عمار حمودة، في مقابلة مع راديو دبنقا، أشار إلى أن القرار يعكس مزيجًا من الدوافع الأمنية والسياسية، إلى جانب اعتبارات اقتصادية وتجارية، موضحًا أن السلطات كانت تميل سابقًا إلى تغليف مثل هذه الإجراءات بأسباب اقتصادية، بينما أصبحت الحجج الأمنية تُعلن بصراحة في ظل الظروف الراهنة. وأضاف أن القرار سيؤثر بشكل مباشر على المواطنين، لا سيما من يعتمدون على واتساب للتواصل مع الداخل والخارج، ما سيؤدي إلى زيادة تكلفة الاتصال الدولي، ويجبر المستخدمين على اللجوء إلى بدائل مثل شبكات VPN أو خدمات الإنترنت الفضائي، رغم تكلفتها وتعقيداتها الفنية.

من جهتها، اعتبرت “مبادرة استعادة نقابة المهندسين” أن القرار يمثل تقييدًا ممنهجًا للحريات الرقمية، ويهدد حق المواطنين في التواصل الحر، مشددة على أن الأمن القومي لا يُبنى على حجب الخدمات، بل على تعزيز الثقة والمشاركة المجتمعية. المبادرة طالبت بالتراجع الفوري عن القرار، واحترام الحقوق الرقمية كمكون أساسي من حقوق الإنسان المكفولة بموجب الاتفاقيات الدولية والدستور السوداني.

القرار أثار أيضًا مخاوف من أن يكون مقدمة لتوسيع نطاق الحظر ليشمل تطبيقات أخرى، مثل تليغرام وماسنجر، في حال استمرار التوترات الأمنية، وسط دعوات متزايدة للشفافية وتوفير بدائل آمنة وفعالة للتواصل، خاصة في ظل اعتماد قطاعات التعليم والعمل عن بعد على الاتصالات المرئية.

المهندس عمار حمودة، في حديثه لراديو دبنقا، توقع أن يؤثر القرار بشكل مباشر على المواطنين، لا سيما من يعتمدون على واتساب وسائر تطبيقات الاتصال عبر الإنترنت للتواصل مع الداخل والخارج. وأشار إلى أن تكلفة الاتصال الدولي سترتفع بشكل كبير، ما سيجبر المستخدمين على العودة إلى المكالمات التقليدية، وهو ما يمثل عبئاً اقتصادياً واضحاً، خاصة لمن لا يمتلكون المعرفة التقنية لاستخدام البدائل.

حمودة أوضح أن كثيراً من المستخدمين باتوا يلجؤون إلى شبكات VPN لتجاوز الحظر، وهي حلول تتطلب معرفة فنية وتكلفة إضافية، وتؤدي إلى زيادة استهلاك بيانات الهاتف، ما يضاعف الأعباء المالية. كما أشار إلى أن السودانيين المقيمين في الخارج سيتأثرون بشكل خاص، إذ يعتمدون على التطبيقات المجانية للتواصل مع أسرهم، في ظل ارتفاع أسعار المكالمات الدولية.

من الناحية الاقتصادية، يرى حمودة أن القرار يمثل معادلة معقدة من الربح والخسارة لعدة أطراف. هيئة تنظيم الاتصالات والبريد قد تحقق مكاسب مباشرة من زيادة الإيرادات الناتجة عن المكالمات الدولية، كما يمكن أن تستفيد شركات الاتصالات من ارتفاع عدد المكالمات المدفوعة. في المقابل، قد تخسر هذه الشركات جزءاً من إيرادات خدمات البيانات التي كانت تعتمد على استهلاك التطبيقات المحجوبة، بينما قد تشهد مصلحة الضرائب نمواً في التحصيلات نتيجة ارتفاع تكلفة الاتصالات التقليدية.

أما من الناحية الأمنية، فقد أشار حمودة إلى غياب تشريعات واضحة تجرّم استخدام شبكات VPN، ما يجعل الحظر فعلياً غير قابل للتنفيذ الكامل، إذ يمكن للمستخدمين تجاوز القيود بسهولة دون قدرة الأجهزة الأمنية على تتبعهم بدقة. ولم يستبعد أن يؤدي القرار إلى فتح ساحة صراع جديدة داخل قطاع الاتصالات، خاصة في ظل الحرب، حيث ظهرت مؤشرات على عمليات قطع تغطية ممنهجة في المناطق الخاضعة لقوات الدعم السريع، ما أثار تساؤلات حول قدرة تلك القوات على إدارة وتشغيل الشبكات.

في ظل هذه التحديات، من المتوقع أن يلجأ المواطنون إلى بدائل متعددة، منها استخدام الإنترنت الفضائي عبر خدمات مثل ستارلينك، رغم تكلفتها العالية، أو الاعتماد على أرقام هواتف دولية كبديل للرقم المحلي، ما يُضعف قدرة الدولة على مراقبة الاتصالات. كما سيستمر استخدام شبكات VPN رغم تعقيداتها الفنية وتكاليفها الخفية.

القرار يعكس تعقيدات الحرب والسياسة والاقتصاد في السودان، ويطرح تساؤلات حول مدى فعاليته في تحقيق الأهداف الأمنية المعلنة، في ظل غياب البنية التشريعية والتقنية اللازمة، بينما تبقى آثاره الاقتصادية والاجتماعية ملموسة على المواطن العادي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.