الرؤية نيوز

خارج النص..يوسف عبدالمنان يكتب..سقوط مدينة

0 113

متابعة:الرؤية نيوز
ربما جُرح النهود لن يندمل إلا بعودة عروس كردفان، ومدينة العلماء، إلى حضن الوطن، وطرد الجنجويد وبقية اللصوص من دار منعم ودار آل منصور، كما قال الهمباتي “تيراب” وهو يرثي حاله في السجن.
ورغم أن الصحافي المحقق، الصابر على مهنته، والمثابر من أجل قضايا شعبه، الأستاذ خالد بخيت، قد كتب ما يقارب الخمسين حلقة عن سقوط النهود، إلا أن هناك حقائق غمرها النسيان، وتفاصيل طمرتها دموع الباكين والباكيات على مدينةٍ من حقها علينا أن نكتب عن اغتصابها، والنيل من شرفها، وطَأها بأقدام متسخة بدماء الأبرياء.
ويظل اللواء آدم جايد، والي غرب كردفان ـ الذي سقطت أعمدة سقف المدينة فوق رأسه ـ أهم شهادة حيّة للتاريخ:
لماذا سقطت النهود؟
وكيف سقطت النهود؟
ولماذا رفضت السلطةُ الطبيعية، ممثلةً في الناظر عبد القادر منعم، مغادرة المدينة، بينما انسحبت السلطة التنفيذية ممثلة في القوات المسلحة والمستنفرين، إلى الخوي ثم إلى الأبيض؟
(وتركوكِ يا نُهود لِقَدَركِ..!)
لم ألتقِ الوالي من قبل، رغم معرفتي بكثير من قيادات غرب كردفان السياسية والاجتماعية، ورجال الأعمال، وضباط القوات النظامية، والإدارة الأهلية، ولكن اللواء آدم جايد جاء والياً بصورة مفاجئة للجميع، بينما كانت الأنظار تتجه إلى آخرين. غير أن تقديرات الحكومة، ومعرفة بعض القابضين على ملف الولايات، كانت مختلفة.
جايد رجل شديد التهذيب، بسيط إلى حد التواضع من غير ضعف، لا ينتمي إلى أي حزب سياسي، وبالتالي لا يحمل خصومات مسبقة، ولا تحيّزات لفئة بعينها، ولا يعرف معادلات ومخاشنات “حُمر” المسيرية. وقد تقلد منصب والي على مدينة واحدة فقط، هي النهود، وظل سجيناً بين خندق حُفر لحماية المدينة من اجتياح الجنجويد… لكن ذلك الخندق دُفن يوم الهجوم، والهجوم جاء من داخل المدينة!
كانت كل مقدمات السقوط شاخصة أمام ناظري المراقب الحصيف، لكن ادعاءات حمد الصافي، وتهويل قوة الاحتياط، جعلت الأكاذيب تنطلي على كثير من الناس في السودان، الذين كانوا ينتظرون من النهود صموداً شبيهاً بصمود الفاشر وبابنوسة والدلنج. ولكن المدينة سقطت في ثلاث ساعات فقط!

الوالي اعترف بأن أسباب السقوط كانت موضوعة على طاولته، وأن القوة التي هاجمت المدينة لا قِبَل للّواء الثامن عشر بها. وقد روى الوالي، في حديث هو الأول له منذ سقوط النهود، لصحيفة “الكرامة” السودانية، تفاصيل خروجه من المدينة إلى الخوي، وكيف اجتاحت المليشيا الخوي وهو بداخلها، ولماذا تخفى فيها لأيام دون أن تعثر عليه المليشيات، وكيف خرج منها بخدعة ماكرة: ترجل من سيارة اللاندكروزر الفارهة وامتطى ظهر كارو، ولم يُعِره الجنجويد انتباهاً، ظنًّا منهم أنه عربجي يكسب قوت يومه من عرق حماره!
وقد أفلت الرجل ببراعة ضابط درس القانون، وعمل في القضاء الواقف. وفي حديثه، روى قصصًا عن الأمير عبد القادر منعم منصور، وبدأت الحشرجة تخنق صوته، وهو يسرد كيف حال الرصاص بينهم وبين أميرهم، وكيف خرجوا من النهود والأسف يملأ عيونهم على ترك الرجل لقدَره.
في الأيام القادمات، نقرأ معًا اعترافات تُشبه في مراراتها قصة نايف حواتمة مع الحركة الشعبية لتحرير فلسطين…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.