الرؤية نيوز

المطر والسياسة في السودان .. سخاء في الموارد وشح في النفوس

0 1

متابعة:الرؤية نيوز
كثرت الشكوى هذة الأيام من توالد البعوض والذباب… وما أفرزه ذلك من حميات وأمراض لدرجة أن السلطات لجأت للرش بالطائرات لأجل إصحاح البيئة…. والمعروف أن الرش بالطائرات له إفرازات جانبية سيئة… ولكن يبدو أنه خيار أم خيار لاهو خير ولا الموت أخير.. كثرة الطرق على هذا الجانب السلبي من كثرة الأمطار حجب عنا رؤية الجانب الإيجابي من نعمة المطر الغزير…. ويالها من نعمة ينبغي شكر الله عليها.. ليس هذا فحسب بل الوجه السلبي الذي أشرنا إليه أعلاه لم ينتج من المطر بل من عجزنا وفقرنا وقلة حيلتنا في التعامل مع النعمة… فبشي من الاستعداد المبكر… بتنظيف المجاري وتجهيز المصارف، طبعاً لا داعي لذكر حصاد المياه وإعادة توجيهها… فهذا شَعَراً ما عندنا ليه رقبة.. إنه الفقر المفضي للمزيد من الفقر.. اللهم لا اعتراض على حكمك.
تأكد الآن أن هطول الأمطار هذا العام جاء فوق المعدل… فهذا يعني أن مناطق الزراعة المطرية في الولايات الشرقية وولايتي سنار والنيل الأزرق سوف تشتعل كلها ذرة وسمسم وفول سوداني ودخن وتمني… وهناك التسالي الذي يزرع في الأراضي المنخفضة (الميعة) … وفوق الميعة هناك أراض متفرقة تزرع بعد أن ينتهي المطر نهائياً بمزروعات دورة حياتها تتراوح بين شهرين وثلاثة ولا تحتاج لماء نهائيا لأنها تقابل الشتاء… مثلها مثل الجروف التي ينحسر عنها فيضان النيل.
نعم هذة المناطق المطرية قد تأثرت بغزوات الدعم السريع وما أحدثته من نهب وتلف للآليات ولكن تطاول المدى الزمني للأمطار جعل المزارعين يلتقطون أنفاسهم ويزرعون أوسع مساحة ممكنة… نعم إنتاجية الفدان قليلة جداً قياساً بالمعدلات العالمية نسبة لعدم استخدام التقانات المتقدمة وقلة استخدام المخصبات وعدم استخدام المبيدات…. ولكن كما يقولون (الكترة غلبت الشجاعة) فيكفي أن نقول هنا إنه وفي سنوات الحرب هذة كانت صوامع ومخازن ومطامير القضارف تئن بالذرة الرفيعة… لدرجة أن برنامج الغذاء العالمي اشترى منها لإغاثة دولة جنوب السودان ذات المناخ الاستوائي… وبرضو داقي جرس مجاعة في السودان وعدم ذكر لها في الجنوب… كان ممكن يقول هناك وفرة مع سوء توزيع بسبب الحرب… لكن مرات النصيحة ما بتقطع المصارين… ما علينا.
والآن جوال الذرة في مناطق الاستهلاك كشمال الجزيرة نزل سعره إلى النصف مقارنة بما كان عليه الحال أيام احتلال الدعم السريع… وكل هذا من مخزون العامين السابقين في القضارف.
حتى في المشاريع المروية … هي ذاتها مروية من وين؟ ما من المطر النازل في حتة تانية.. ما علينا…. فوائد المطر لاتحصى ففي الجزيرة تمت زراعة قرابة المليون فدان بالذرة والفول السوداني بدرجة أقل…. وهذا فوق المخطط بكثير.. رغم تكسر القنوات بفعل الحرب وعدم صيانتها بفعل العجز والمحقة.. كما أنه من المعروف أن المطر يعوض عن فقدان المخصبات لما فيه من نتروجين… فالمزارعون عجزوا عن شراء السماد لارتفاع أسعاره (طبعا الحكومة عملت نايمة في الحتة دي أو قل منومة)… كما أن المطر يقتل الحشرات فقطرات الماء النازلة تقتل الدودة أبدع قتلة فلا يشاهد المزارعون ما يسمونه العسلة التي تفرزها الدودة وسمى المرض باسمها… فيقول العيش ضربته العسلة … علما بأن المبيدات هذا العام كانت مرتفعة الثمن وكانت سيئة التخزين إذ كان هناك انعدام للمبيدات الجديدة نسبة لظروف الحرب… هكذا المطر أيها السادة حقق ثالوث الري والمخصب والمبيد في ضربة واحدة…. نعمتك يارب.
أما نعمة المطر على الحيوان فلا تحتاج منا إلى وقفة طويلة… فهذا البساط الأخضر المفروش في كثير من أنحاء السودان الآن… عبارة عن غذاء طبيعي بنسبة مية المية لأنعام السودان… إن المراعي في العالم اليوم تكلف الشيء الفلاني.. وفي الدول التي تعتمد على تصدير اللحوم تكلفة تغذية حيواناتها أكبر من تغذية الإنسان فيها..الأعلاف المصنعة التي تزيد إنتاجية الحيوان مدخلها الأساسي المحاصيل المروية من الأمطار… هذا البساط الأخضر الذي فرشه المطر إن شاء الله سيعوض أهل الأنعام عما أباده الدعم السريع من ثروة حيوانية… لأن التكاثر يزداد بعد كل خريف ناجح… فالمطر كما قال الحاردلو يجعل (بت أم ساق على حدب الفريق تتعشى) .. بل يوقظ فحولة الذكور (هاج فحل أم صريصر والمنائح بشت) على قول ذات الحاردلو… وليس قولي أنا .
إذن يا جماعة رغم ظروف الحرب التي لم تنته ورغم ضيق ذات اليد الناجم من فلس الدولة وفقر المزارع.. طبعاً لن نقول فقر الدولة.. وما تقول لي شنو.. ورغم العك السياسي وانشغال الناس به… ورغم ضجيج الميديا وانصرافها عما ينفع الناس… ورغم اليأس من أي استقرار سياسي ورغم الخوف والوجل… هذة أرض السودان سوف تنتج ما يكفي حاجته من غذاء وتفيض… لأن الله حباها بالأرض السهلية الممتدة.. والماء النازل من فوق… والشمس الساطعة… فالمعادلة تصبح موارد سخية… مقابل إنسان شحيح نتيجة عوامل متداخلة.. ومع ذلك النتيجة إيجابية غذاء يكفي ويفيض.
وأخيراً ليس آخرا عزيزي القاريء أصدقك القول أنني لم اقصد هذا التداعي الذي جاء على المطر… بل كان كل قصدي مقدمة مختصرة لأنفذ بها للقول… إن الزراعة هي قدر هذا السودان المرمي تحت الشمس… وإن ميزاته التفضيلية فيها لا تحصى ولا تعد… عليه أي كلام عن إعادة الأعمار أو البناء من جديد يتخطى الزراعة إلى غيرها .. سيكون حرثاً في البحر وضياع للقليل الذي عندنا… أو القليل القادم إلينا.. هذا إذا قدم… فأنا شايف (الكباتن) أهل السف واللف واللغف… بدأوا يتكلمون عن غابات الأسمنت ومراتب الاسفنج وحاجات تانية حامياني… وإن شاء الله نواصل في حتة الزراعة دي.
عبد اللطيف البوني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.