الرؤية نيوز

بنك السودان المركزي يفك احتكار تصدير الذهب وسط جدل اقتصادي واسع

0 0

في تحول اقتصادي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط التجارية والمالية، تراجع بنك السودان المركزي عن قراره باحتكار تصدير الذهب بعد أقل من شهر على صدوره، في خطوة تعكس حجم الضغوط التي واجهها من قبل المنتجين والمصدرين والجهات الفاعلة في السوق، وسط انقسام حاد بين مؤيدين ومعارضين للسياسة السابقة.

إخفاقات متراكمة
لم تفلح السياسات التي تبناها بنك السودان المركزي خلال العقد الأخير في الحد من تهريب الذهب إلى الخارج، رغم تعدد القرارات والإجراءات التنظيمية. وتشير تقديرات رسمية إلى أن نحو 60% من إنتاج الذهب السوداني يُهرّب خارج القنوات الرسمية، ما يعكس فشل المنظومة الرقابية في السيطرة على هذا المورد الحيوي. وفي عهد المحافظ السابق برعي صديق، أقدم البنك على حظر نشاط 20 شركة تعمل في مجال الصادرات، بعد أن أخفقت في توريد عوائد الصادر وفقاً للقرارات التي صدرت خلال فترة الاحتكار، ما زاد من تعقيد المشهد الاقتصادي المرتبط بالذهب.

انفتاح جديد
وصف المحلل الاقتصادي أبو عبيدة أحمد سعيد قرار رفع احتكار تصدير الذهب بأنه مفاجئ، مشيراً إلى أن البنك المركزي أوقف العمل بالمنشور رقم (14/2025) الصادر في سبتمبر الماضي، والذي منح البنك وحده حق شراء وتصدير الذهب بهدف تقليص التهريب وتعزيز السيطرة على العائدات. وأوضح أن القرار جاء عقب إعفاء المحافظ السابق وتعيين محافظ جديد، ويفتح المجال أمام القطاع الخاص والأفراد الاعتباريين للمشاركة في عمليات التصدير، ضمن ضوابط صارمة تهدف إلى ضمان دخول الحصيلة الأجنبية عبر القنوات الرسمية. واعتبر سعيد أن هذا التحول يمثل انتقالاً من سياسة الاحتكار إلى سياسة الانفتاح المنضبط، في محاولة لاستعادة الثقة في السوق الرسمي وتقليل حجم التهريب.
أشار المحلل الاقتصادي إبراهيم الماهل إلى أن الذهب في السودان تحوّل إلى مصدر للفساد، ولم ينعكس إيجاباً على حياة المواطنين رغم تعدد القرارات الحكومية. ولفت إلى أن الصراع حول الذهب بات واضحاً بين جهات مستفيدة وأخرى متضررة، بعيداً عن المصلحة العامة، مشيراً إلى أن المنصب الذي كان يُعتبر مقدساً في البنك المركزي شهد تغيير خمسة محافظين خلال أقل من سبع سنوات، ما أضعف الاستقرار المالي. وأكد الماهل أن معالجة هذه الأزمة تتطلب إصلاحاً مؤسسياً شاملاً يضبط منابع الفساد والتهريب، بدءاً من الجهات الحكومية وصولاً إلى القطاع الخاص، مشدداً على أن الذهب كان أحد العوامل التي ساهمت في اندلاع الحرب التي دمرت البلاد، وأن استمرار الفساد سيبقي الذهب مصدراً لتقويض الاقتصاد الوطني.

تحديات التصدير
أوضح أبو عبيدة سعيد أن المنتجين واجهوا خلال الفترة الماضية تحديات كبيرة، أبرزها ارتفاع السعر المحلي للذهب مقارنة بالسعر العالمي، وضعف السيولة لدى البنك المركزي، وازدهار السوق الموازية، ما أدى إلى خسارة الدولة مليارات الدولارات من العائدات. وأشار إلى أن القرار الجديد يسمح للشركات بالتصدير وفق شروط محددة، أبرزها الدفع المقدم، وهي آلية تتطلب رأس مال كبير، ما قد يُقصي المعدنين الصغار من المشاركة. وأضاف أن الاعتماد المستندي يوفر أماناً للطرفين ويطابق المعايير الدولية، لكنه يزيد من تكلفة العمليات البنكية ويتطلب خبرة في التعامل مع الاعتمادات. كما يشترط المنشور فتح حساب صادر ذهب لدى المصارف المعتمدة لتغذية الحصيلة، مع فترة احتفاظ محددة تبلغ 21 يوماً، وتحويل أي فائض إلى بنك السودان المركزي.

مرونة مقارنة
أشار سعيد إلى أن المنشور السابق حدّ من حرية التصدير وأسهم في زيادة التهريب، بينما يوفر القرار الجديد مرونة أكبر مع الحفاظ على الرقابة المصرفية، ما يعزز الشفافية والمصداقية في التعاملات. ورغم ذلك، تظل فرضية التهريب قائمة، خاصة في حال حدوث فجوة بين السعر المحلي والعالمي، ما قد يدفع المنتجين إلى اللجوء إلى السوق غير الرسمية. كما أن شرط الدفع المقدم قد يحد من قدرة المعدنين الصغار على الدخول في عمليات التصدير، ما يستدعي معالجة هذه التحديات لضمان نجاح السياسة الجديدة.

ارتباك السوق
أصدرت شعبة مصدري الذهب بياناً باسم رئيسها عبد المنعم الصديق عالم، رحّبت فيه بالقرار الجديد، واعتبرته تصحيحاً لمسار خاطئ، مؤكدة أن الرجوع إلى الحق فضيلة. ودعا البيان إلى الاستفادة من الأخطاء السابقة، والعمل على ضمان المساواة بين جميع الفاعلين دون تفضيل أو استثناءات، لما لذلك من أثر في نجاح التجربة. وفي السياق ذاته، كشف الأمين العام للشعبة معتصم محمد صالح عن وجود فجوة في أسواق الذهب بعد توقف البنك المركزي عن شراء الكميات المعروضة، مشيراً إلى أن الشركات الخاصة لم تبدأ بعد في عمليات الشراء، ولم تُستكمل ترتيبات التصدير الإدارية، ما أدى إلى انخفاض الأسعار وأضر بالمنتجين الذين يضخون إنتاجهم في الأسواق المحلية.

مقترحات إصلاح
قدّم أبو عبيدة أحمد سعيد مجموعة من التوصيات لضمان نجاح السياسة الجديدة، أبرزها توفير تمويل للمعدنين الصغار لتسهيل استخدام آلية الدفع المقدم، وتطبيق نظام إلكتروني لمتابعة حصائل الصادر وربطها بالجمارك والبنوك. كما دعا إلى تطوير مصفاة السودان للذهب كمركز موثوق للمعايرة والتحليل، واعتماد أسعار مرنة تعكس السوق العالمية لتقليل دوافع التهريب. وشملت التوصيات أيضاً تخفيض الضرائب والجبايات على الذهب، وفتح أسواق عالمية جديدة عبر غرفة مصدري الذهب والسفارات السودانية بالخارج، إلى جانب تعزيز الشفافية من خلال تقارير شهرية عن الكميات المشتراة والمصدرة، وفرض عقوبات صارمة على المخالفين في حال التأخير أو عدم إعادة الحصيلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.