أُسَامَةُ أَبُو الشَّمّ يكتب..مَعْرَكَةُ الكَرَامَةِ تكَشَفَ مَعَادِنَ الرِّجَال..(شمال كردفان نموذج)
متابعة:الرؤية نيوز
فِي مَعْرَكَةِ الكَرَامَةِ تَتَجَلَّى مَعَادِنُ الرِّجَالِ، وَتُمَكِّنُنَا المَشَاهِدُ وَالمَوَاقِفُ مِنَ التَّأَمُّلِ فِي لَحَظَاتٍ مِنْ مَعْرَكَةِ العِزِّ وَالشَّرَفِ وَالكَرَامَةِ، وَفِي قِيمَةِ الأَوْطَانِ لَدَى صَنَادِيدِ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَمْ يَبْخَلُوا عَلَيْهَا، فَلَبَّوُا النِّدَاءَ وَحَمَلُوا أَكْفَانَهُمْ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَسَارَعُوا الخُطَى لِيَكُونُوا فِي الخُطُوطِ الأَمَامِيَّةِ دِفَاعًا عَنِ الأَرْضِ الَّتِي رَضَعُوا مِنْ ثَدْيِهَا وَنَهَلُوا مِنْ مَائِهَا.
وَكَانَتِ الهَجَّانَةُ وَالمُشْتَرَكَةُ وَجِهَازُ الأَمْنِ وَالمُخَابَرَاتِ الوَطَنِي، وَالبَرَّاءُونَ وَالذِّرَاعُونَ وَالمُسْتَفِرُّونَ، وَجَمِيعُ الوِحْدَاتِ المُشَارِكَةِ فِي مَعْرَكَةِ الكَرَامَةِ، رَمْزًا لِلنِّضَالِ وَالفِدَاءِ بِمَا قَدَّمُوهُ مِنْ تَضْحِيَاتٍ فِي سَبِيلِ نُصْرَةِ هَذَا الوَطَنِ الشَّامِخِ. فَقَدْ كَانَ سِلَاحُهُمُ الصَّبْرَ، وَعَزِيمَتُهُمُ الِاسْتِشْهَادَ وَالتَّضْحِيَةَ.
وَمَضَى خِيَرَةُ الرِّجَالِ إِلَى رَبِّهِمْ شُهَدَاءَ وَهُمْ يَرْتَدُونَ الكَاكِي؛ لِبَاسَ الشَّرَفِ لِهَذِهِ الأَرْضِ الغَالِيَةِ، أَرْضِ السُّؤْدَدِ. وَفِي مَيَادِينِ القِتَالِ تَلَاشَتِ الرُّتَبُ العَسْكَرِيَّةُ مِنْ فَرِيقٍ إِلَى جُنْدِيٍّ، وَتَسَابَقُوا إِلَى نَيْلِ الشَّهَادَةِ وَهُمْ يَحْمِلُونَ شَرَفَ الدَّوْلَةِ فَوْقَ أَكْتَافِهِمْ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ.
وَكَمَا قَاتَلَتِ البَنَادِقُ، فَقَدْ قَاتَلَتْ الأَقْلَامُ الشَّرِيفَةُ بِرَصَاصَاتِ المِدَادِ؛ تُجَابِهُ الأَقْلَامَ المَأْجُورَةَ الَّتِي بِيْعَتْ ذِمَمُ أَصْحَابِهَا بِثَمَنٍ بَخْسٍ وَدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ. وَظَهَرَتِ المَنْصَّاتُ الإِعْلَامِيَّةُ الوَطَنِيَّةُ لِتَدُكَّ حُصُونَ آلَةٍ إِعْلَامِيَّةٍ ضَخْمَةٍ مَسْنُودَةٍ مِنْ دُوَلٍ كُبْرَى، فَكَشَفَتِ الحَقَائِقَ لِلْعَالَمِ، وَوَثَّقَتْ جَرَائِمَ الدَّعْمِ السَّرِيعِ فِي حَقِّ المُوَاطِنِينَ الأَبْرِيَاءِ العُزَّلِ.
وَلَمْ يَكُنِ الجُنْدُ وَحْدَهُمْ هُمْ مَنْ يَصْنَعُونَ الصُّمُودَ؛ فَقَدْ كَانَ المُعَلِّمُ جُنْدِيًّا آخَرَ فِي مَعْرَكَةِ الكَرَامَةِ.
فَبَيْنَ أَصْوَاتِ القَصْفِ وَدَوِيِّ المَدَافِعِ، كَانَ المُعَلِّمُونَ يُوَاصِلُونَ أَدَاءَ رِسَالَتِهِمْ؛ يَدْخُلُونَ الفُصُولَ وَالمَدَارِسَ وَقُلُوبُهُمْ تَنْبِضُ ثَبَاتًا، يُدَرِّسُونَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ صَدَى المَعَارِكِ، لِيُؤَكِّدُوا لِلْوَطَنِ أَنَّ التَّعْلِيمَ لَا يَنْتَظِرُ.
وَقَدِ اسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ مَنْ اسْتُشْهِدَ، وَخَطَّ تَارِيخُهُمُ اسْمَ “مَدْرَسَةِ أَبُوسِتَّةِ الثَّانَوِيَّةِ” بَيْنَ أَكْبَرِ شَوَاهِدِ الفِدَاءِ.
كَانُوا يُعَلِّمُونَ فِي وَقْتٍ يَعْتَبِرُهُ الآخَرُونَ زَمَنَ نَجَاةٍ، لِيُثْبِتُوا أَنَّ المَعْرَفَةَ جُزْءٌ مِنْ صُمُودِ الوَطَنِ، وَأَنَّ المُعَلِّمَ هُوَ سَيِّدُ الجَبْهَتَيْنِ: جَبْهَةِ العِلْمِ وَجَبْهَةِ الوَعْيِ.
وَقَدْ بَيَّنَتْ مَعْرَكَةُ الكَرَامَةِ مَعَادِنَ الرِّجَالِ فِي مَوَاقِفِهِمْ؛ فَهُنَاكَ مَنْ فَقَدَ الحِسَّ الوَطَنِيَّ، وَاكْتَفَى بِأَنْ يَكُونَ مُتَفَرِّجًا “رَجُلٌ جُوَّه وَرَجُلٌ بَرَّه”. وَهُنَا نَقِفُ إِجْلَالًا وَاحْتِرَامًا لِوَالِي وِلاَيَةِ شِمَالِ كُرْدُفَانَ، الأُسْتَاذِ عَبْدِ الخَالِقِ عَبْدِ اللَّطِيفِ، الَّذِي ارْتَدَى الكَاكِي مَعَ جَمِيعِ الوِحْدَاتِ، وَسَارَعَ إِلَى المَوَاقِعِ الأَمَامِيَّةِ مَعَ الهَجَّانَةِ، فِي وَقْتٍ لَمْ نَرَ فِيهِ أَيًّا مِنْ قِيَادَاتِ الخِدْمَةِ المَدَنِيَّةِ يَفْعَلُ المِثْلَ، رَغْمَ إِعْلَانِ التَّعْبِئَةِ العَامَّةِ. فَأَيْنَ الحِسُّ الوَطَنِيُّ؟
لَقَدْ عَلَّمَتْنَا مَعْرَكَةُ الكَرَامَةِ ضَرُورَةَ النَّظَرِ الثَّاقِبِ الَّذِي يُفْرِزُ الكِيمَانَ، وَيَضَعُ الرِّجَالَ فِي مَوَاقِعِهِمُ الحَقِيقِيَّةَ؛ فَلَا قِيمَةَ لِمَنْ لَا يُضَحِّي مِنْ أَجْلِ وَطَنِهِ، وَيُرِيدُهَا لُقْمَةً سَائِغَةً دُونَ أَنْ يَدْفَعَ مَهْرَهَا الغَالِي.
وَفِي خِتَامِ المَقَالِ، نَضَعُ رِسَالَةً فِي بَرِيدِ وِزَارَةِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ:
عَلِّمُوا النَّشْءَ حُبَّ الأَوْطَانِ، وَاغْرِسُوا فِيهِمْ مَعَانِي الكَرَامَةِ، وَبَيِّنُوا لَهُمْ قِيمَةَ الأَرْضِ. عَلِّمُوهُمُ الرِّمَايَةَ وَالقِتَالَ وَالصَّبْرَ عَلَى الشَّدَائِدِ.
اُنْظُرُوا إِلَى حَالِ الطُّلَّابِ فِي الجَامِعَاتِ؛ فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَعِيشُ عَلَى هَوَاهُ كَأَنَّ الأَمْرَ لَا يَعْنِيهِ، وَبَعْضُهُمْ يَمْكُثُ السَّاعَاتِ تَحْتَ الأَشْجَارِ فِي مَكَانِ بَائِعَاتِ الشَّايِ وَالقَهْوَةِ مُتَزَيِّنًا بِأَفْخَمِ الثِّيَابِ، لَا يُبَالِي بِالْوَاجِبِ. وَهُنَاكَ مَنْ غَبَّرَ رِجْلَيْهِ وَوَجْهَهُ بِتُرَابِ الخَنَادِقِ، وَقَدَّمَ أَغْلَى مَا يَمْلِكُ لِيَزُودَ عَنْ هَذَا الوَطَنِ، يَحْمِلُ فِي قَلْبِهِ كَلِمَةَ الشَّرَفِ:
“وَطَنِي وَإِنْ شُغِلْتُ بِالخُلْدِ عَنْهُ
نَازَعَتْنِي إِلَيْهِ بِالخُلْدِ نَفْسِي.
وَبِلَادِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ
وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ.”
