الرؤية نيوز

بعد تزايد الضغوط عليه .. هل يستقيل حمدوك ؟

0

قراءة / أحمد طه صديق

كلما إزداد لهيب الاحتجاجات الشعبية المنددة بالإتفاق السياسي الذي وقعه د. حمدوك رئيس الوزراء مع رئيس مجلس السيادة وتعرض المتظاهرون السلميون إلى عنف مفرط وإلى إصابات أو حتى قتل ربما أحس حمدوك بالمقابل بالإحباط والحسرة على واقع صادم ومعقد لا يجد أية مصدات لكبحه رغم صلاحيات ومستحقات منحها له الإتفاق السياسي قصرت عن التفعيل في ظل الواقع الجديد على الأرض ، مما يعني بأن حمدوك عندما وقع على صك الإتفاق  كان يحمل ذات الأشواق الكبيرة في تحقيق العبور الآمن للفترة الإنتقالية وتحقيق الطفرة المنشودة والسلام في ظلال وضع سياسي جديد لا يواجه فيه مناكفات معارضة من حلفائه السياسين السابقين (الحرية والتغيير) ومكونات سياسية أخرى مما يعني بإنه كان أسير (يوتوبيا)  سياسية     حجبت عنه تلمس الطقس السياسي جيداً ومتعرجاته وظلماته العاتمة وما تكمن فيه من أشواك مغلفة بسلفان الأمان عندما أمسك بطوق نجاة تتلاعب به الرياح العاتية دون هدى .

فعمد على إعلان طلاق مع حلفائه السياسيين في قوى الثورة وظن أن السند العسكري والدعم الدولي سيمكنه من تحقيق طموحاته السياسية في إنجاز التحول المنشود لمشروع السودان في الاستقرار التنموي والتحول الديمقراطي الهادئ والآمن وصولاً للإنتخابات في ظل تقاطعات ظن أن وجود البنود السياسية التي وقعها على عجل منتقلاً من التحفظ الإعتقالي ستظل آلية تمكنه من المضي قدماً في إنفاذ ما حلم به وهو يمتطي طائرته فوق سحاب الغرب الأوربي لتولي منصبه كرئيس للوزراء الثورة وهي ما زلت وليدة  لم تغشاها  بعد سيول وطوفان التعقيدات والمطبات والأشواك .

لكنه ظل فيما يبدو مرتبطاً بشفق تلك الأمنيات البكر وهو يتولى منصب تحاصرة الأمواج العاتية وشركاء متشاكسين وأخرون متآمرين في ظل عتمة ظلت تتسع حتى حجبت الرؤيا وغيبت قمر الثورة بإشعاع ضيائه الذي تفاءل ثوراها المخلصون وضاق به أعداؤها الطامعون .

إرهصات الاستقالة

ربما لم يجف الحبر الذي كتب به د. حمدوك قراره بإجراء تعديلات في قيادة الشرطة كرد فعل للعنف المفرط الذي تعرض له الثوار في التظاهرات السلمية  عندما تكررت المشاهد في تظاهرات أول أمس الثلاثاء التي شهدت تعرض الثوار المحتجين لبوابل من مسيل الدموع مع حدوث إصابات في حين أورد موقع ( الراكوبة) إن الشرطة إقتحمت عدداً من المستشفيات من بينها مستشفى فيصل التخصصي وألقت القبض على محتجين يتلقون الإسعافات بداخلها بعد إصابتهم بالرصاص الحي ومسيل الدموع وأضاف الموقع إن مسؤولاً كبيراً في اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بجنيف أكد على أن إقتحام المستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحي يعد جريمة حرب بحسب المادة ( 8) من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية

ويرى المراقبون إن ما حدث من عنف تجاه المتظاهرين قرب القصر الجمهوري يشير بأن تغيير القيادات الشرطية لن يكون مدعاة لكبح ما  حدث ما لم تتوفر إرادة قوية من قيادة المكون العسكري  لوضع موجهات صارمة تحدد حدود وردود الفعل لكل القوات الأمنية تجاه الاحتجاجات السلمية بإعتبارها تخضع لإشرافه الفعلي بينما لا يمتلك رئيس الوزراء بموجب الوثيقة الدستورية صلاحيات واضحة تمكنه من توجيه أي جهاز أمني بإصدار أية توجيهات له ملزمة أو أمر تحرك لأداء أي من المهام الأمنية

وقد وضح ذلك عندما تم سحب الشرطة في وقت سابق من المواقع التي حرزتها لجان إزالة التمكين بأوامر قيل إنها صادرة من رئيس الأركان بحسب ما جاء في مصادر الأخبار وقتها قبل أن تعود مرةً أخرى لتلك المواقع لتصدر توضيحاً قالت فيه إنها إنسحبت وعادت وفق أوامر الجهة التي أمرتها بالإنسحاب أي أن رئيس الوزراء لم يكن يملك صلاحيات إلقاء القرار ولولا إن الجهة التي أصدرته تراجعت عنه طوعاً .

وفي سياق غير بعيد نقلت المصادر الأخبارية عن (رويترز) نقلاً عن مصادر مقربة من حمدوك قوله إن استمراريته في منصبه يرتبط بالإتفاق السياسي مع المكون العسكري ودعم القوى السياسية والعبارة يمكن فهما في سياقات مختلفة إذ لم يوضح صراحةً إن عدم إلتزام المكون العسكري بالوثيقة الدستورية ستدفعه للاستقالة  كما إنه لم يوضح ما هو توصيفه للقوى السياسية التي ينتظر دعمها هل  هي قوى الثورة التي حتى الآن جلها رافضة للإتفاق بصيغته الحالية أم هي القوى السياسية المؤيدة للإعلان السياسي  ؟

ويرى المراقبون إن د. حمدوك الآن يعايش عزلة سياسية  عن كنف قوى الثورة ولم يستثمر جيداً الخروج بإتفاق مع العسكر يمكن قبوله لدى قوى الثورة  في ظل الوضع الدولي الضاغط وقتها لصالحه والزخم الثوري الذي كان يسانده ويعتبره إيقونه للصمود قبل توقيع الإتفاق الأحادي .

وربما الآن في ظل المستجدات الراهنة والعزلة الشعبية لحمدوك فإن استقالته لن تشكل قلقاً للمكون العسكري بإعتبار أنها جاءت منه ولن تكون لديها مسؤولية سياسية مباشرة  من قبل المجتمع الدولي الذي حرص على عودته بل رهن التحول الديمقراطي في السودان كله في شخص رجل واحد عبر (برغماتية) غير حميدة من دول كبرى ظلت ترفع راية دعم التحول الديمقراطي في المنطقة كما إن استقالته ستفتح المجال للمكون العسكري في إختيار شخصيات بعيدة عن إرث الحرية والتغيير وجينات التحول الديمقراطي الثوري المدني وفق مفهوم شعارات الثورة المعروفة ، كما إن الإستقالة ربما توقي المكون العسكري من مشروعات العقوبات الأمريكية التي كان من المنتظر إشهارها في الأيام القادمة على أي أفراد يعرقلون الإنتقال الديمقراطي المدني ، سيما فإن الولايات المتحدة ربما لن تحاول الضغط لإثناء حمدوك للعدول عن استقالته لن ذلك لن يحقق الاستقرار الذي تهزه تظاهرات الثوار

مما يعني إن حمدوك لم يخسر فقط بشخصه رهانه الخاسر  لكنه عرض التحول الديمقراطي المدني بأكمله في السودان للخطر عندما قام بتلك الخطوة الفردية غير المحسوبة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!