الرؤية نيوز

في الذكرى الثالثة للثورة.. قصص ورويات عن حياة الشهداء..

0

تقرير: خديجة الرحيمة 

في الذكرى الثالثة لثورة ديسمبر حزن كبير يخيم على أسر الشهداء جراء فقدانهم أبناءهم منذ بدء الإحتجاجات في ديسمبر مروراً بمجزرة فض الإعتصام ودونها، في وقت لم تعلن فيه لجنة التحقيق المستقلة برئاسة نبيل أديب نتائجها وغيرها من اللجان الأخرى التي تم تشكيلها مؤخراً للكشف عن عدد القتلى، فقد سقط العديد من الشهداء في مجزرة القيادة العامة كما سقط مؤخراً بعد قرارات الخامس والعشرون من أكتوبر أكثر من (40) شهيداً.. قصص حياة الشهداء ورواياتهم تقشعر لها الأبدان، وتذرف على إثرها المآقي الدمع السخين. تساؤلات كثيرة حول تدور حول نهاية هذا الفقد المتواصل، ومن هو المسؤول عن ذلك

في ذكرى الثورة تقف (الانتباهة) مع بعض أسر الشهداء، حول ذكريات وخيبات وآمال لم تتحقق، عقب إقتلاع البشير، فقد حمل والد الشهيد عبدالسلام كشة روح إبنه للبرهان الذي لم يزل في نظره رئيس للجنة الأمنية لنظام البشير، موضحاً بأن الشهيد أصيب بخيبة أمل، وذكر في حديثه لـ(الإنتباهة) بأن الوضع الراهن يرثى له لأنه دون طموحات الثورة ولم يلامس جوهرها وتطلعاتها وأهدافها.

الشهيد عثمان.. العهد الأبوي

على الرغم من مضي ثلاثة أعوام على إندلاع الثورة وأيضاً مجزرة فض الإعتصام إلا أن أسر الشهداء يرونها مثل اليوم، وأشار عدد منهم أن حياة الشهداء كانت مثل أي غيرهم من الشباب السوداني الذي نشأ في أسرة وطنية تحلم بالتغيير، وبحسب والد الشهيد عثمان في حديثه لـ(الإنتباهة) فإنه عاهد إبنه الشهيد ونفسه بأن يذهب من أربجي إلى الخرطوم سيراً على الأقدام للمشاركة في كل مسيرة ولكي يعزي نفسه بنفسه مشيراً إلى أنه تحرك منذ الأمس والآن في طريقه إلى الخرطوم للمشاركة في الذكرى الثالثة مؤكداً أنه سيصل قبل بداية المسيرة اليوم.

حياة الشهيد كشة

ويروي والد الشهيد عبدالسلام كشة أن حياة إبنه كانت عادية كأي شاب سوداني نشأ في أسرة سودانية مشبعة بالروح الوطنية بجانب إرتباطه بفئات ثورية ليست محزبة همها الوطن، وقال أن آخر يوم خرج فيه الشهيد هو السادس والعشرون من رمضان عندما جاء إلى البيت وقام بالاستحمام وطلب منه أن يفطر معهم إلا أنه رفض بحجة إرتباطه في القيادة وعندما أراد الخروج من المنزل قالت له أخته (خبزنا للعيد تعال ضوقوا وشيل لأصحابك في القيادة) ولكنه قال لها لا إلا يوم العيد جيبوا لينا في القيادة وخرج ولم نلتق به منذ ذلك اليوم.

خبر الوفاة

وقال الوالد جاء جارنا بعد أن وجد خبر وفاته على (الفيسبوك) وقال لنا ولدكم استشهد ولم نخطر والدته بذلك لأني لم أصدق الخبر نسبةً لعدم وروده من مركزية الأطباء وأضاف كل أحداث الفض كانت منقولة على (البي بي سي) مباشر ولدي صديق طبيب بإنجلترا إتصل بصديق آخر في السودان مشترك بيننا لإخباره باستشهاد عبدالسلام ثم إتصل بي هذا الصديق وسألني أين عبدالسلام..؟ فقلت له أنه في مكان الإعتصام فلم يستطع إخباري وقفل الخط بعد ذلك ذهبت للقياة مع بداية الضرب ووجدت كثيراً من المصابين وقمنا باسعافهم لمستشفى فضيل ثم عدت إلى البيت لتبديل ملابسي التي إمتلأت بدماء المصابين وبعض الناس أكدوا لي أن هناك ثواراً خرجوا من إتجاهات مختلفة لذلك لم أفقد الأمل في إبني ثم إتصل بي طبيب يعمل بمستشفى المعلم وأكد لي وفاته والجثمان بالمستشفى وبعدها ذهبت عن طريق ترس المحكمة الدستورية ورأيت نهب الجنجويد وسلبهم لأدوات الإعتصام وحرقها بعيني وتخاطبت معهم وتم إعتراضي وبعد محاولات وصلت إلى المستشفى ولم أحتاج للتعرف عليه وقام الطبيب بعزائي

وتلقت والدته الخبر مثل أي أم سودانية ولم تتقبل وتصدق حتى الآن وأحياناً تصلي وأخرى تبكي وتخرج في كل موكب.

الشهيد أصيب بخيبة

ويرى والد كشة أن اللجنة الأمنية لنظام البشير التي على رأسها السلطة الحاكمة كما وصفها بأنها المسؤولة عن أرواح الشهداء ووصف البرهان بالمتهم الأول وأنه رئيس لهذه اللجنة وقال الشهيد أصيب بخيبة أمل بعد سلب حقه في الحياة ولا يوجد أكثر من ذلك وأضاف هذه قوى خيانة الثورة مشيراً إلى أن الوضع الراهن يرثى له لأنه ليس من طموحات الثورة ولم يلامس جوهرها وتطلعاتها والهدف من قيامها وتباعدت الخطى بين القوى الحاكمة وتابع نحن كأسرة شهيد آرائهم بأنهم أعداء للوطن وخونة لدماء الشهداء حتى الحكومة التي لم يتم تشكيلها لأنها تعمل بتوجيه من اللجنة الأمنية وأردف القضاء السوداني فاقد للرغبة والقدرة على الإرادة لمحاكمة المجلس العسكري لأنه هو الذي يعين رئيس القضاء وطالبنا قيام محكمة ثورة خاصة وهذا حلم لنا ولا توجد حكومة حالياً والثورة أجهضت وأحمل روح إبني للبرهان ومن معه.

الشهيد عثمان

وتقول والدته إن الشهيد كان يدرس بكالريوس في جامعة أمدرمان الإسلامية ولكنه نتيجة لظروفه المادية إنتقل لدراسة الدبلوم في جامعة الخرطوم وكان يعمل لمساعدة إخواته في درساتهم كما إنه كان مثابراً ومجتهداً وصام منذ الرابع عشر من عمره وكان يتمنى الخير لكل الناس كما أنه يلعب مع إخواته وهو في مرحلة المراهقة وقال مهما قلت فيه لا أوفيه حقه وكان فقداً كبيراً لنا وأحمد الله على أنه توفى في نضال من أجل الحرية ولم يمت في مكان فارغ.

وقال نحن نقيم في أربجي ولاية الجزيرة جاءنا الشهيد في بداية رمضان ثم عاد إلى الخرطوم وجاء بعد أسبوعين أيضاً إلى أربجي قبل الإفطار وطلبنا منه أن يفطر معنا في البيت إلا أنه رفض وقال إنه جاء من أجل المشاركة في الإفطار الجماعي التي ينظمه أصدقائه في المدرسة لمناقشة بعض البرامج وكان يهتم بالعمل في قريته وقبل عودته من الخرطوم طلبت منه أن يوعدني بعدم المشاركة في المواكب والإهتمام بدراسته وبعدها خرجت للعمل فقال لوالدته (وعدت أبوي لكن بمشي وأنا عايز أموت شهيد عشان أدخلك الجنة) وبعدها ودعها وخرج.

كيفية تلقى الخبر

تلقينا خبر وفاته من صديقه الذي قال أنه رآه ضمن المصابين في التلفزيون ثم إتصلوا على أخيه وقبل ذلك عندما كنت نائماً رأيته في منظر ظننت أنه ليس خير وكنت خائفاً وبعد فض الإعتصام ركبت أول بص قادم من مدني إلى الخرطوم وعندما وصلت كبري سوبا إتصلت علي أخته وأكدت لي وفاته وبعد وصولي إلى الموقف استقللت عربة للذهاب إلى مشرحة أمدرمان التي تعرفت فيها على إبني ووالدته تلقت الخبر بصدمة كبرى وخاصة إخواته وحتى الآن غير مصدقين وفي حالة ترغب دائم لعودته.

وعدت إبني

وبعد استشهاده وعدته ووعت نفسي بأن في كل موكب أذهب إلى الخرطوم سيراً للمشاركة لأني أعتبر أن السير راحة بالنسبة لي ولابد أن أعزي نفسي بنفسي ويوم توقيع الوثيقة الدستورية ذهبت بقدماي والآن أنا في طريقي إلى الخرطوم منذ الأمس للمشاركة في الذكرى الثالثة والآن أنا في الكاملين وسوف أصل قبل وقت المسيرة بإذن الله.

مؤذن القيادة

الشهيد البرعي الذي قالت والدته أن قلبي منذ البداية كان يشعر بأن الإعتصام سوف يفض وأن أحد أبنائي سوف يستشهد لأن ابنائي الثلاثة كانوا في الإعتصام منذ السادس من أبريل وقلت ذلك لجارتي قبل فضه بعشرين يوماً وجاء الشهيد في الثامن والعشرين من رمضان وفطر معنا وجاء ليودعني ولكني لم ألحظ ذلك وكنت مشغولة بخبز العيد وبعد الإفطار قام بالاستحمام وكان لديه (قميص وبنطلون جديدين كان خاتيهم للعيد لبسهم) وعندما قلت له أنها ملابس العيد رد لي يا أمي خليني ألبسهم يمكن الله ما يحضرني العيد وقال لي يا أمي ما تخبزي للقيادة أمشي أتحنني قلت له بعد النظافة والخبيز بتحنن قال لي والله يا أمي لو ما أتحننتي تاني ما بتتحنني قلت له لا تمشي القيادة قال لي أحسن الواحد يموت شهيد وخرج وبعدها أصابتني كآبة ولم أفعل أي شيء وقام بتوديع أصحابه في الحي بعد إن أذن لهم العشاء وقمت الليل إلى أن أصبح الصبح وبعد الإنتهاء من الصلاة رن هاتفي الساعة الخامسة ولم أستطع الرد وذهبت لإبني الأكبر طلبت من الرد وبعد أن رد وجدته قريبنا وعندما سأله لماذا أنت متصل في هذا الوقت قال له القيادة بها مجزرة وبعدها أخذت الهاتف وإتصلت بالشهيد رد لي بعد مسافة طويلة وكان نفسه قائم فقلت له اين أنت قال لي أنا في القيادة فطلبت من الخروج فوراً ولكنه قال لي يا أمي ما بقدر أطلع من القيادة أكون جبان وأخواني بموتوا أطلع كيف وأنا شايل جرحي بس أعفي لي وهذه آخر كلمة قالها لي وكانت هناك فتاة تسمى رنا كانت تنادي الشهيد يا البرعي أطلع من القيادة عشان الرصاص في رأسك وكان بقول ليها (لا دنيا تستاهل حزن لا زول بموت ناقص عمر) وتقول والدة مؤذن القيادة أنها كانت تذهب إلى القيادة في رمضان لجلب الإفطار لهم وكان هو في كبري الحديد يأخذ مني الأشياء والكلمة التي كان يقولها لي دائماً أبشري يا أم الشهيد ولا دنيا تستاهل حزن لا زول بموت ناقص عمر وأحسن الواحد يموت شهيد وهذه المقولات التي كان يرددها دائماً.

بعد الاستشهاد

وعندما تلقيت الخبر أصبحت أجري في كل الشوارع التي كانت مترسة أنا ووالد الشهيد وأخته الكبرى والصغرى ذهبنا بكبري المنشية وعندما وصلنا هناك حاولنا طلوع الكبري تم إعتراضنا من قبل القوات النظامية وفي الأثناء جاءت عربة (تاتشر) وضربت مجموعة من الناس منهم أنا أصبت (برايش) في يدي الشمال ووقعنا أنا وأولادي من الكبري وأغمى علي وعندما ذهبوا بي إلى الطبيب قال أن الضربة قوية مما أصابني بفقد في الذاكرة لمدة خمسة أيام وبعد أن أفقت من الإغماء وقعت في المصلاية وبعدها تذكرت الشهيد وأصبحت أجري في الشارع مرةً أخرى وأسأل عن إبني وكان قد دفن وأنا غائبة عن الوعي هناك إمرأة ضربتني وقالت لي قولي إنا لله وإنا إليه راجعون وولدك شهيد في الجنة وذهبت إلى القاهرة للمعالجة من أثر الضربة بعد حدوث زحزحة في العمود الفقري وعدت قبل أربعة أيام والفترة الماضية كانت صعبة بالنسبة لنا وإلى الآن لم نستطع نسيان الثالث من يونيو.

الذكرى الثالثة

وقالت والدة برعي أنظر للذكرى الثالثة بعيون الشهيد ب(يا نجيب حقهم يا نموت زيهم) ولابد من وجود سودان جديد بدون كيزان ولابد من تحقيق مطالبهم وأنا عملت مبادرة أم الشهيد البرعي لإعادة تأهيل (الاستوبات) والشوارع ونحن الآن نكمل في مسيرتهم كل ذلك لأرواح أبنائنا الشهداء كما قمت بمبادرة أم الشهيد البرعي للإسعافات الأولية والتمريض المنزلي وكل ما نجد شهيد نسعفه وكل هذا صدقة جارية للشهداء.

الانتباهة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!