الرؤية نيوز

عقب قرار تحرير الصرف.. الطوارئ الاقتصادية.. الممكن والمستحيل

0

الحرية والتغيير: ما ذكرته لجنة الطوارئ الاقتصادية عبارة عن قفزة في الفراغ

خبير اقتصادي : الحلول المناسبة والسريعة تتطلب توحيد سعر الصرف في المصارف والسوق الموازي

محلل اقتصادي : القرارات الأخيرة لا تحمل أي جديد عن سابقاتها

الخرطوم : علي وقيع الله

في خضم المشكل الاقتصادي، تزايدت معاناة المواطنين، بل و تفاقمت بصورة كبيرة في هذه الآونة أكثر من أي وقت مضى، فإن مواجهة تلك التحديات الماثلة التي تستنزف قدرته وطاقته الشرائية لاحتياجاته الضرورية، والتي يبدو أنها ما بين الممكن والمستحيل في ظل فوضى التخبط السياسي في المشهد الاقتصادي المكلوم، و في محاولة منها للخروج من الوضع الاقتصادي المتردي، أمس الأول، أصدرت اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية جملة من القرارات التي من شأنها أن تعمل على تحسين معاش الناس وتدارك حالة الانفلات في سوق النقد، وغيرها من الأسباب التي تسببت في رداءة الوضع الاقتصادي، خبراء ومراقبون يأملون هذه المرة أن تجد اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية القدر على معالجة جذور الأزمة الاقتصادية الخانقة، بالنظر للتجارب السابقة؛ فإن قرارات اللجنة مماثلة لما قبلها ولا وجود لآليات تساعد في وضع حدود من الثوابت في الاقتصادي الراهن.

وقال وزير الثقافة والإعلام المكلف دكتور، جراهام عبدالقادر، في تصريح صحافي، عقب الاجتماع الأول للجنة بالقصر الجمهوري أمس الأول، إن القرارات الاقتصادية تضمنت توحيد سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار، وتأمين انسياب المواد البترولية لضمان استقرار الإمداد الكهربائي وتسهيل إجراءات توفير احتياجات شهر رمضان المعظم عاجلاً،

وأوضح جراهام أن اللجنة قررت إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة مخربي الاقتصاد الوطني، خاصة في ما يتعلق بالتهرب الضريبي والتلاعب بالدولار وتهريب الذهب، بجانب تفعيل القوة المشتركة لمكافحة التهريب، ومراجعة منشور سياسات بنك السودان في ما يتعلق بحصائل الصادر، بجانب استكمال إجراءات قيام بورصة الذهب، ومراجعة الرسوم على جرام الذهب.

وقال د.جراهام، إن اللجنة قررت تحديد سعر تأشيري وتشجيعي للقمح، والإسراع بتطبيق نظام النافذة الموحدة لتسهيل عمليات الصادر والوارد والاستثمار، وتفعيل الاتفاقية التجارية بين السودان ومصر، ومنع الاستيراد إلا عبر استمارة الاستيراد وتفعيل آليات الوفرة الدوائية، وأشار إلى أن قرارات اللجنة تضمنت مراجعة أداء الوزارات عبر بيوت خبرة متخصصة ، وإشراك اتحاد أصحاب العمل في أعمال اللجنة، للاستفادة من تجاربهم وخبراتهم، بجانب مراجعة محفظة السلع الأساسية والعمل على تنشيطها والقيام بزيارة ميناء بورتسودان عاجلاً لمعالجة كافة الإشكالات.

قفزة في الفراغ

في وقت اتهم فيه عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير، كمال كرار، بأن اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية هي نفسها سبب الأزمة الاقتصادية، واعتبر أن ما ذكرته اللجنة عبارة عن قفزة في الفراغ، ونوه إلى أن كل السياسات التي جلبت الأزمة الاقتصادية الراهنة كانت بموافقة لجنة الطوارئ، وكشف في حديثه ل(اليوم التالي) عن أن اللجنة نفسها تنطق باسم السماسرة والمهربين منذ نشأتها، ويضيف عليه، فإن فاقد الشيء لا يعطيه على حد قوله، ويؤكد أن أزمة الاقتصاد الآن من أزمة الانقلاب العسكري حيث لا توجد دولة ولا موازنة، لجهة أنه قال: متى ما سقط الانقلاب (الباب مفتوح لمعالجة الأزمة الاقتصادية).

بعض الأسباب

وحول الحديث عن أبرز التحديات التي تواجه اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية، حدد الخبير الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان محجوب، بعض الأسباب التي أدت إلى انهيار سعر الصرف للجنيه السوداني مقابل الدولار، وقال في تصريح ل(اليوم التالي) أولا: توقف المانحون الدوليون عن تقديم الدعم المالي للحكومة السودانية بعد قيام الفريق أول عبدالفتاح البرهان بالإطاحة بحكومة قوى الحرية والتغيير، وتابع ثانياً : الآثار الجانبية لأزمة إغلاق ميناء بورتسودان والطرق المؤدية إليه التي تسببت في ارتفاع تكلفة الشحن من وإلى ميناء بورتسودان لخمسة أضعاف التكلفة السابقة قبل إغلاق الميناء، وهو ما سيكلف السودان ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وبالتالي يزداد الطلب على الدولار، وأضاف ثالثاً : الرسوم العالية التي فرضتها المؤسسات الحكومية المختلفة على سلع الصادر خاصة الذهب أدت لتوقف المصدرين عن التصدير خاصة بعد التكلفة العالية للحاويات بسبب أزمة إغلاق ميناء بورتسودان.

الفشل المتواصل

وعزا د. الفاتح ارتفاع تكلفة الوقود والمواد الغذائية بسبب أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، كما أكد انخفاض إنتاج السكر إلى 10% مقارنة بحجم الإنتاج في السابق، وأرجع ذلك إلى الفشل المتواصل لمصانع السكر السودانية للعام الثالث على التوالي مقارنة بالسنوات الماضية، وأشار إلى إغلاق شريان الشمال الذي تسبب في انخفاض حجم الصادرات المتجهة إلى مصر، ويرى أن التصريحات غير المسؤولة لبعض المسؤولين الحكوميين عن عدم وجود أموال في خزينة بنك السودان، بجانب توقف تحويلات المغتربين والمهاجرين، أنها تصريحات كارثية، تسببت في ضعف الثقة بمستقبل الاقتصاد السوداني وبالجنيه السوداني، منوهاً إلى اتساع الفجوة بين سعر الصرف للجنيه السوداني في السوق الموازي وبين السعر في المصارف السودانية، مما أدى لانتعاش الموازي وتوقف التحويلات عبر المصارف في الفترة الأخيرة.

الحلول المناسبة

ويقترح د. الفاتح أن الحلول المناسبة والسريعة تتطلب توحيد سعر الصرف للجنيه السوداني في المصارف والسوق الموازي، وأوضح بأنه لا يمكن ذلك إلا بعد تنفيذ عمليات فنية لتخفيض السعر في السوق الموازي، ويشدد على ضرورة العمل لاستعادة ثقة المؤسسات المالية الدولية لاستئناف المساعدات المالية للإسهام في تحسين الوضع الاقتصادي، ودعا إلى ضرورة تحسين كفاءة الصادرات وطرق التسويق للصادرات السودانية بجودة عالية مما تجعلها قادرة على فرض قوة المنافسة في الأسواق العالمية.

قرارات مماثلة

وهنا اصطحب المحلل الاقتصادي الدكتور، وائل بدوي فهمي، مقولة اينشتاين إنه ” لا نستطيع حل المشاكل المستعصية بذات السياسات المتبعة وانتظار نتائج مختلفة ” هكذا أضاف د. وائل في حديثه.. من غير المنطق أن تكرر نفس الشيء بنفس المدخلات ونفس الخطوات وتتوقع نتائج مختلفة، مشيراً إلى مسيرة عمل لجنة الطوارئ الاقتصادية في البلاد، وقال أثبتت التجارب السابقة لنفس السياسات المقررة بواسطة اللجنة العليا للطوارئ برئاسة السيد نائب رئيس مجلس السيادة لمعالجة التحديات الاقتصادية وتحسين معاش المواطنين أن القرارات الأخيرة لا تحمل أي جديد مختلف عن سابقاتها من قرارات مماثلة، فيما عدا بورصة الذهب التي طال جداً تحويلها لواقع، سواء من خلال آليات لجان النظام البائد أو آليات لجان حكومات حمدوك، ويضيف.. تعود المواطن على استخدام الحكومة لذات القرارات عندما يدخل الاقتصاد في ذات الوضع الاقتصادي الراهن المماثل، والناتج عن تكرار توظيف ذات السياسات بشكل مستمر، ويستغرب من عدم مقدرتها على علاج كافة مشكلات الاقتصاد المستعصية عن المعالجات حتى تاريخه، وأشار د. وائل في تصريح ل(اليوم التالي) إلى تشابه قرارات اللجنة العليا للطوارئ مع اللجنة الماثلة في زمن رئيس مجلس الوزراء المستقيل د. حمدوك ووزير أسبق بوزارة المالية د. ابراهيم البدوي وهم ينفذون وصفات صندوق النقد الدولي، وتابع قائلاً : أدت حلولها إلى تفاقم المشكل الاقتصادي، بل ساعدت على توجيه مسار الاقتصاد للوصول للوضع الراهن الذي يعاني منه الغالبية من شعب السودان العظيم رغم وفرة الموارد الطبيعية التي يهرب منها جزء غير يسير وفق بعض التقديرات.

البيئة الاقتصادية

ولفت إلى أنه من خلال تجارب السودان على استخدام ذات هذه الحلول يمكن القول بأن هذه القرارات لن تؤدي إلا إلى ما أدت إليه ذات هذه السياسات من ذي قبل، وذكر أن هذا ليس بالتشاؤم أو التفاؤل كما قد يتصور البعض، وقال من غير المتوقع أن تؤدي آلية الحلول الأمنية والقضائية إلى ما أدت إليه الحلول السابقة، موضحاً تلك المرتبطة بالسوق الموازي الذي هو من صناعة صندوق النقد الدولي بالسودان لمساعدة الحكومات على التخفيض المستمر والمتعمد لسعر الصرف الرسمي تحت اسم التوحيد، وقال ذلك بغرض توفير إيرادات كافية وسريعة للموازنة العامة، إلى جانب أموال المكلفين بدفع الضرائب والمتهربين منها، إلى جانب مكافحة المهربين للسلع، فقد أثبتت هذه الآلية محدوديتها، كما أن معالجتها قصيرة الأجل جداً ، ونبه د. وائل بأن المشاكل الراهنة لا يمكن مواجهتها إلا بالحلول الاقتصادية والتي لم تلجأ إليها مقررات اجتماع اللجنة الاقتصادية مؤخراً حتى نظرياً بدلاً عن الحلول الأمنية والقضائية، وأفاد أما سياسات بنك السودان فلا يمكن أن تنجح في بيئة اقتصادية تضخمية وسياسية غير مستقرة وغير مؤاتية لفعالية السياسات المالية والنقدية، وتعاني في ذات الوقت من اختلالات هيكلية متفاقمة بغية انفلات سعر الصرف حالياً ، وتفاقم المستوى العام للأسعار في ذات الوقت، كما استبعد تمكن المواطنين من شراء كافة احتياجات ومتطلبات رمضان، ونوه إلى أنه مع تفاقم الفقر والجوع واتساع قاعدته وسط الشعب قال من الصعب على الدولة أن تفرض نفوذها بالكامل كما أثبت التاريخ مراراً وتكراراً ، وبحسب تقديراته فإن معاش الناس لا مكان له – على ما يبدو – في الأنظمة النيوليبرالية بالعالم الفقير أصلاً .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!