الرؤية نيوز

رغم الفوضى.. يوجد حل في السودان

0

العرب اللندنية – الأطراف السياسية لم تتفق على تشكيل حكومة مدنية تتولى السلطة في السودان. و”المكون العسكري” يريد الانسحاب إلى ثكناته ولا يعود معنيا بالشؤون السياسية، كما يريد من الأحزاب ألا تكون معنية بشؤونه أيضا.

وهناك وساطة تقودها الأمم المتحدة لم تنجح في تحريك المياه الراكدة، وسط شكوك من جميع الأطراف بأن أحدها يريد أن يفرض إرادته على الطرف الآخر، فيضمن لنفسه الغلبة ولو من خلف الستار. والبلاد تغرق في حفرة أزمات اقتصادية وهي بحاجة إلى مساعدات وقروض دولية، إلا أن هذه المساعدات لن تأتي قبل أن تكون هناك حكومة مستقرة.

هذه هي أهم جوانب الأزمة في السودان. وهي معقدة، بسبب تنازع الأطراف المدنية فيما بينها، وبسبب شكوكها في قيادة الجيش، وكذلك بسبب مخاوفها هي نفسها من الفشل. والبعض يأخذ بالحلول القصوى، وهو يعرف أنها تطيل أمد الأزمة وتؤدي إلى إثارة المزيد من النزاعات، وأن الاستقرار لن يتم بغلبة طرف مدني على آخر.

ويقول المراقبون إنه حتى لو تولت الأطراف المتشددة في قوى الحرية والتغيير السلطة بالقوة، أو من خلال التظاهرات، فإنها لن تتمكن من إدارة البلاد، وإن عدة انفجارات سوف تندلع في شرق البلاد وغربها وجنوبها. كما سوف تعود لتلقي باللوم على بعضها البعض وعلى المكون العسكري، فتعود الدورة لتدور على ما كانت تدور فيه من تنازعات.

وسط كل هذه التعقيدات، ترى بعض الأوساط السياسية السودانية أن هناك حلا يمكن الأخذ به من جميع الأطراف، بوساطة الآلية الثلاثية نفسها التي تقود المشاورات بين الأطراف المختلفة.

ويتلخص هذا الحل في اختيار قائمة شخصيات مدنية مستقلة، تتألف من نحو 30 – 50 عضوا، يتم التوافق حولها من جانب كل الأطراف، بمعزل عن مشاركة الجيش، ومن دون التشاور مع قيادته، للنأي به عن الشبهات. وأن تعقد هذه الهيئة اجتماعا خاصا بها لاختيار رئيس وزراء منها. وتكون مسؤولة عن إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد، وأن تستكمل مستلزماتها، ومنها تشكيل البرلمان الانتقالي والمحكمة الدستورية. واستنادا إلى هذه الهيئة، موسعة كانت أم مصغرة، فإنه يمكن إضافة ممثلين عن كل الأطراف السياسية لتشكيل مجلس سيادة جديد، مدني بالكامل، ينتخب أكبر أعضائه سنا، ليكون هو رئيس المجلس، بوظائف تقتصر على أداء الواجبات البروتوكولية، والإشراف على عمل المجلس وإدارة اجتماعاته.

هذه الأوساط تقول إنه يمكن الفصل بين إدارة العمل الحكومي، وبين المنازعات المتعلقة بتشكيل البرلمان الانتقالي ومسودة الدستور والقضايا الأخرى. وهو ما يعني أن تكون هناك حكومة تعمل، وأن يجري تشكيل هيئة سياسية موازية للفصل في قضايا الخلاف.

ويمكن للأحزاب أن تتوصل إلى حلول لمشكلاتها، من دون قيود من ناحية الوقت. أي أنها تستطيع أن تتنازع إلى ما تشاء من الوقت، أو أن تعلن التوافق في غضون أيام أو أسابيع، من دون أن يؤثر ذلك على عمل الحكومة، أو على مجلس السيادة المدني الجديد.

تشكيل “مجلس أعلى للقوات المسلحة” يعني توفير إطار يحمي المؤسسة العسكرية من ملاحقات الأطراف المدنية

وعرفت الأزمة في السودان العديد من المبادرات إلا أنها سرعان ما دخلت في دائرة التنافس السياسي، والشكوك في النيّات والارتباطات بالمكون العسكري، وما إذا كان كلٌ منها “مؤامرة” لبقاء العسكريين في السلطة. ولكن، ما مبادرة بينها بدأت من صفحة بيضاء، لبناء قائمة شخصيات من المستقلين والكفاءات الوطنية، يتم التوافق حولها لتكون هي الحكومة التي تتولى إدارة البلاد، وتدفع بالمكون العسكري إلى العودة إلى ثكناته.

من بعد جملة من المبادرات التي طرحتها الأمم المتحدة ومنظمة إيغاد والاتحاد الأفريقي، فقد طرحت “الجبهة الثورية” مبادرة للحل، كما طرح مدراء الجامعات السودانية مبادرة أخرى وعرض حزب الأمة القومي خارطة طريق للخروج من الأزمة، وقدم عضو مجلس السيادة مالك عقار مبادرة رابعة، وقدمت المجموعة التي ائتلفت حول “نداء أهل السودان” مبادرة خامسة. بينما ظلت القوى التي تحرك التظاهرات وهي قوى إعلان الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين والحزب الشيوعي ترفع شعار “لا تفاوض.. لا شراكة.. لا شرعية”. وهذه القوى تستسهل الـ”لا”، لأنها تعرف سلفا أن ما تقول “نعم” عليه هو نفسه موضع خلاف، ليس مع قيادة الجيش، وإنما مع قيادات الأطراف المدنية الأخرى. مما يعني أنها تعرض رفضا، ولا تعرض حلا.

ويقول مراقبون إن قرار البرهان في الرابع من يوليو الماضي بالانسحاب من الحوار الذي ترعاه “الآلية الثلاثية” (تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد) كان بمثابة إعلان طلاق رسمي من السياسة ومن أحزابها ومن أي مسؤوليات تتعلق بها. وقال في خطاب متلفز، إنه “بعد تشكيل الحكومة التنفيذية، سيتمّ حلّ مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة من القوات المسلحة والدعم السريع”.

ويعني تشكيل “مجلس أعلى للقوات المسلحة” توفير إطار يحمي المؤسسة العسكرية من ملاحقات الأطراف المدنية واتهاماتها. كما أنه يرسم خطوطا فاصلة بين الجيش والشؤون السياسية.

الطاهر أبوهاجة، المستشار الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة، عاد وأكد ما سبق للبرهان أن أعلنه وهو “التزام المؤسسة العسكرية بالخروج من العمل السياسي“.

ولكي لا يتم تسليم البلاد إلى الفوضى، فإن القادة العسكريين يقولون “إن القوات المسلحة لن تسلم السلطة إلا إلى حكومة متوافق عليها من كل السودانيين أو حكومة منتخبة”. ويعتقدون أن “حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير حزبية، ولا تخضع لأي محاصصات بالتوافق بين جميع القوى السياسية” هي الطريق الأمثل.

نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو أعلن بدوره أن قيادة الجيش “ستسلم ملف تشكيل الحكومة ومجلس السيادة إلى المكون المدني. وأنها لا تود الانخراط في السياسة أو تسلم أي مناصب بعد إجراء انتخابات عامة شرعية في البلاد”.

ورحب حميدتي بمشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته “اللجنة التسييرية” لنقابة المحامين السودانيين. وبحسب المراقبين، فإن القطعة الناقصة في هذه المعادلة هي الورقة البيضاء التي تتولى “الآلية الثلاثية” وضع قائمة أسماء الشخصيات الوطنية المستقلة فيها.

الأمر ليس من دون سوابق. أقربها اختيار رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك. فهو شخصية مستقلة، وأحد كبار الخبراء في البلاد. ولكنه ليس الوحيد. فهناك من الشخصيات الأكاديمية والتكنوقراط الذين لا تشوب حياتهم المهنية أي شائبة سياسية. ومجموعة من هؤلاء يمكنهم في النهاية أن يتكفلوا بإدارة العمل الحكومي. ويعيدوا الجيش إلى ثكناته، ويفسحوا المجال أمام الأحزاب السياسية لكي تتشاور فيما بينها على الحلول العملية الأخرى، من دون أن يتم تعطيل الحكومة. فتتحاشى البلاد الشلل، وتتدارك الانهيار الشامل الذي تعرضه عليها الفوضى الراهنة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!