مسؤول سابق في الشرطة يحذر من نشر القوات المشتركة في المدن
اعتبر المدير الأسبق لشرطة المباحث اللواء عابدين الطاهر، تشكيل قوات مشتركة من الجيش والدعم السريع لحسم الانفلات الأمني في المدن بمثابة استغناء عن الشرطة.
وكان نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو أصدر قرارا الخميس الماضي كلف بموجبه عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا بتشكيل قوات مشتركة من الجيش والشرطة وجهاز الأمن والشرطة وطلب من وزارة العدل وضع تشريعات لتحديد مهامها.
وأوضح اللواء عابدين الطاهر في مقال نشره على حسابه الشخصي في فيسبوك الأحد، أن صدور هذا القرار بهذا الفهم يعني أن الدولة قد استغنت عن خدمات مؤسسة الشرطة أو قررت أن توكل مهامها وواجباتها الأصيلة لهذه القوات الهجين والمكونة من القوات المسلحة والدعم السريع”.
وتابع: “كان يمكن للأمر أن يكون منطقيًا إذا تم التوجيه بقيام حملات مشتركة مع الشرطة من هذه القوات ليكون أمر تشغيلها تحت قيادة الشرطة والتي هي وحدها تعلم كيف تتعامل مع المدنيين في مثل هذه العمليات”.
وحذر الطاهر من التعامل مع المدنيين بقوات عسكرية عقيدتها الأساسية قتالية، قائلًا إن هذا الإجراء لا يستقيم أبدًا وستكون سلبياته كبيرة، وأشار إلى أن الشرطة منوط بها التعامل بشكل منفرد مع العمليات الإجرامية والانفلات الأمني داخل المدن، مشيرًا إلى أن الشرطة تملك الأدوات والإمكانيات وعناصر متخصصة ومدربة للتعامل وفقا للقانون.
وقال الطاهر إن التعامل مع المدنيين سواء في الانفلات الأمني أو أي سلوك يقتضي التدرج في التعامل بالقوة وحسب تقديرات الموقف، وهي إجراءات تعلمها الشرطة جيدًا وبإشراف النيابة عكس هذه القوات المدربة على العمليات القتالية.
وتساءل الطاهر: “كيف تتعامل هذه القوات مع المتفلتين المدنيين مهما بلغ التفلت والخروج عن القانون وهي غير مدربة أصلًا على الأسس والضوابط؟”.
واستدرك عابدين الطاهر بالقول: “إذا كان السبب في إنشاء هذه القوات ضلوع بعض المسلحين في عمليات النهب والسطو والقتل فهذا ليس سببًا مقنعًا والشرطة لديها إمكاناتها”.
وأضاف: “لن تعجز الشرطة في اجتثاث الظواهر إن أرادت ذلك وإن بدر منها تقصير أو إهمال في أداء واجبها، من الواجب أيضًا محاسبة قادتها بدلًا من أن يكون رد الفعل انشاء قوات عسكرية للقيام بمهام هي من صميم أعمال قوات الشرطة”.
وأبان الطاهر أن هذا الأمر لا يحدث الا في حالة واحدة بحسب القانون مثل انسحاب قوات الشرطة لتفسح المجال للقوات المسلحة عندما تعجز عن أداء مهامها بسبب تفاقم الاوضاع الأمنية وتكون الاحداث أكبر من مقدراتها.
وأردف: “هل فعلًا عجزت قوات الشرطة عن تنفيذ مهامها وأن حجم التفلتات الأمنية فاق مقدراتها وطلبت ان تنسحب لتحل محلها هذه القوات المشتركة ؟”.
وزاد الطاهر: “بالطبع الإجابة لا. فما زالت قوات الشرطة قادرة على القيام بواجباتها ولها من الامكانات ما يمكنها من حسم هذه التفلتات وفقًا للقانون الذي تدرك معانيه ولها الدراية في كيفية التعامل مع الجمهور سواء كان مسالمًا و تفلتًا وتعي متى تستخدم القوة وكيف تدرج في استخدامها مراعاة تسبب أقل الخسائر للوصول لأفضل النتائج”.
ورأى الطاهر أن “عسكرة الاعمال الشرطية” والتعامل مع الجمهور بقوات عسكرية أمر يجب رفضه من كافة منظمات المجتمع المدني، وعلى قيادة الشرطة أن تشرح لقيادة الدولة خطورة هذا القرار وتداعياته وسلبياته المتوقعة وأن تلتزم باجتثاث كل هذه التفلتات دون الحاجة لإنشاء قوات مشتركة.
وأعرب الطاهر عن ثقته في شرطة لافتًا إلى أن هذه المؤسسة عريقة ويجب أن تكون قدر التحدي وعليها ان تؤكد خلال في فترة وجيزة أنها هي المسؤولة عن سلامة المجتمع.
من جهته أقر مسؤول حكومي في تصريح لـ”الترا سودان” أن المشهد الأمني فرض على المدنيين قبول نشر قوات مشتركة لأن المكون العسكري قدم تبريرات باتساع رقعة الانفلات الأمني.
وقال إن الحراك السلمي الذي انتظم البلاد عقب رفع الدعم عن الوقود وفر غطاءً للقوى المضادة وعناصر النظام البائد للتحرك الجماعي لإضعاف الحكومة الانتقالية، داعيًا القوى الثورية إلى تنظيم المواكب السلمية وإجراء حوارات بناءة بدلًا من الانقسام والتخوين.
وأشار المسؤول الحكومي إلى أن الانقسام الذي ساد وسط المدنيين هو الذي أدى إلى خلخلة المشهد السياسي والأمني بوضع المبررات في أيدي المكون العسكري، موضحًا أن النظام البائد يتحرك من كل الاتجاهات لإضعاف الحكومة الانتقالية.
وتابع: “اطلعنا على تقارير أمنية عن وجود تنسيقيات للعصابات المسلحة وتنسيق بين المضاربين في العملة والبنوك والطاقة والكهرباء للإطاحة بالحكومة الانتقالية، وأمام هذا الواقع المعقد تراجع المدنيون عن الوحدة الثورية في وقت هم أحوج ما يكونون إليها”.
الترا سودان