الرؤية نيوز

أزمة تعليم تهدّد مستقبل الأطفال في السودان ..المئات من المدرّسين ينظّمون إضرابات متكررة

0

أزمة تعليم تهدّد مستقبل الأطفال في السودان
المئات من المدرّسين ينظّمون إضرابات متكررة احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية.

الخرطوم – مع بدء العام الدراسي في السودان أُجبرت زهرة حسين البالغة من العمر تسع سنوات على البقاء في البيت للمساعدة على إنجاز الأعمال المنزلية؛ فقد اضطرت إلى التوقف عن التعلّم بسبب ما تعانيه عائلتها من شح متزايد في الموارد المالية الضئيلة.

وتوقفت زهرة عن ارتياد المدرسة قبل عام، وكانت قد بدأت للتو حضور حصص الصف الثالث، في مدرسة ذات مبنى متداع وصفوف قديمة، جدرانها متشققة ومقاعدها مكسّرة ومراحيضها تفتقر إلى المياه.

وقبل ذلك كانت زهرة ترتاد المدرسة بانتظام وتتفوق في امتحاناتها، ومؤخرا كانت ضمن المراتب الأولى في صفها.

وفي قريتها عد موسى بولاية كسلا الواقعة في شرق السودان، قالت زهرة “كان ترتيبي الثالثة في الصف الأول”، وأضافت “أبي لا يملك مالا ولذلك تركت المدرسة”. وتابعت “سأرجع إلى المدرسة فورا إذا حصلنا على أموال لشراء الوجبة والكراسات”.

سبعة ملايين طفل في السودان توقفوا عن ارتياد المدرسة، وهم ضحايا واقع تعتبره وكالات إغاثةٍ كارثةً جيليّةً

وزهرة هي واحدة من سبعة ملايين طفل في السودان توقفوا عن ارتياد المدرسة، وهي ضحية واقع تعتبره وكالات إغاثة “كارثة جيلية”.

والسودان واحد من أفقر بلدان العالم ويعاني من انعدام الاستقرار السياسي وموجات جفاف وتتهدّده المجاعة ويشهد نزاعا، وبحسب البنك الدولي يقتصر معدّل الإلمام بالقراءة والكتابة في صفوف البالغين في هذا البلد على نحو 60 في المئة.

ومنذ سنوات يعاني أطفال السودان من صعوبات في تلقي التعليم المناسب، خصوصا في المناطق الريفية.

وأخرجت الأسر التي تعاني من ضائقة اقتصادية شديدة أطفالها من المدارس في عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي حكم البلاد ثلاثة عقود وأطيح به في أبريل 2019.

وتشهد البلاد اضطرابات منذ الانقلاب العسكري الذي قاده قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في العام الماضي وأخرج العملية الانتقالية عن مسارها.

وأسهمت الأزمات السياسية والاقتصادية المتزايدة والنزاعات الإثنية المتجددة والإغلاق المطوّل للمدارس إبان جائحة كورونا في احتداد الأزمة التعليمية.

وينظّم المئات من المدرّسين إضرابات متكررة احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية. كما أن الفيضانات التي ضربت مناطق مختلفة هذا العام ألحقت أضرارا بأكثر من 600 مدرسة، ما تسبب في إرجاء موعد انطلاق العام الدراسي.

وفي هذا العام صُنّف السودان في المرتبة الثانية، بعد أفغانستان، من ضمن أكثر مئة دولة نظامها التعليمي عرضة للمخاطر، وفق مؤشر مخاطر التعليم لعام 2022.

وقال إرشاد مالك مدير مكتب منظمة “أنقذوا الأطفال” (save the children) إن “النظام التعليمي في السودان هش للغاية، لعدة عوامل (بدءا) من البنية التحتية (وصولا) إلى جودة التعليم”.

وأوضح أن “من أصل 12.4 مليون طفل يرتادون المدرسة، 70 في المئة من الأطفال البالغين عشر سنوات غير قادرين على قراءة جملة بسيطة وفهمها”.

PreviousNext
وعلى الرغم من أن النظام التعليمي متهالك إلا أنه لا يزال يمنح أطفالا على غرار زهرة سبيلا للمضي قدما في الحياة.

وكانت المدارس في بعض المناطق الريفية تقدّم للتلاميذ وجبات طعام مجانية، لتشجيع العائلات التي تعاني من ضائقة مالية على إرسال أولادها إلى المدرسة.

وبالنسبة إلى الكثير من هؤلاء الأولاد، تعتبر هذه الوجبات المدرسية التي تتألف من العدس والخضار والبسكويت كل ما يتناولونه من طعام طوال اليوم.

ويعاني السودان من نقص في المواد الغذائية، ما يعرّض 15 مليون شخص، أي نحو ثلث السكان، لخطر “الانعدام الحاد للأمن الغذائي”.

وبحسب المدرّس محمد طه الذي يعمل في مدرسة قرية ود شريفي القريبة من كسلا، توقفت المدارس عن تقديم الوجبات منذ عامين، ما أثر بشكل كبير على حضور التلاميذ.

وشدّد عثمان أبوبكر (عامل مياوم لديه تسعة أولاد) على أنه لم يعد قادرا على تحمّل نفقات الطعام والنقل واللوازم المدرسية لكل أولاده.

وقال أبوبكر الذي لم يعد يرتاد المدرسة سوى اثنين من أولاده “لو أن الوجبات مازالت متوفرة في المدرسة لكان ذلك عاملا مساعدا”. وأشار إلى أن الأولاد صاروا يساعدونه على تأمين المدخول.

ويملك عبدالله إبراهيم مقهى في قرية قلسا ولديه سبعة أولاد، يعمل بعضهم معه فيما يبيع البعض الآخر المثلجات أو يعمل في مخبزة.

أما أوهاج سليمان (عامل مياوم يبلغ من العمر 43 عاما) فيقول إن ذهاب الأطفال إلى العمل “ليس أمرا جيدا… لكننا مجبرون (على تشغيلهم)”.

وحذّر تقرير أصدرته منظمتا الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) و”أنقذوا الأطفال” الشهر الماضي من أن الفتيات هن الأكثر ضعفا.

وفي هذه الأوضاع تزداد احتمالات تزويجهن في سن مبكرة أو إيقافهن عن مزاولة الدراسة للمساعدة على إنجاز الأعمال المنزلية، وفق مالك.

وقال مالك إن نحو أربع من كل عشر فتيات تركن المدرسة في السودان، مقابل ثلاثة من كل عشرة فتيان. وحذّر مالك من أن عدم العمل على مواجهة هذه الظاهرة سيؤدي إلى “المزيد من الفقر وعدم المساواة”.

والعائلات التي أوقفت أولادها عن مزاولة الدراسة يساورها القلق بسبب الضبابية التي تخيّم على مستقبلهم. وقال أبوبكر “أدرك أن ترك الأطفال دون تعليم هو أكبر كارثة”، مضيفا “لكننا اضطررنا إلى ذلك أيما اضطرار”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!