الرؤية نيوز

البرهان والعواصم الثلاث.. الانتقالية محكمة للتأريخ!!

0

اجتهد فولكر في بناء مؤسسات بديلة بخلق ازدواجية للسلطة، فإن ميزة خلق ازدواجية السلطة تتمثل في خلق قوة دفع حقيقية وليست سياسية فقط تجاه التحول الذي يخطط له فولكر ومن هم خلفه، وبالتالي فإن الاحتياجات التي لا يتم الوفاء بها من خلال الأحزاب غير الفاعلة لا يمكن تنفيذها معها إلا بعد تحقيق الانتصار، وهذا يعني أن إنشاء المؤسسات البديلة والمساحة السياسية لها فوائد جوهرية، وغاب عنه تأثير المؤسسات القائمة وأولها الجيش والقضاء والشرطة، وأن خلاف هذه المؤسسات لا يمتلك المهارة اللازمة لإدارة المجتمع، فهذه المؤسسات لديها دور مجتمعي لا يتوفر في غيرها.

ووضع القوات المسلحة أشبه (فكرة المجالس الشعبية المفتوحة للعامة والخاصة) بآلية جديدة من آليات المشاركة الشعبية في السياسة.. وبأي حال من الأحوال سيكون للعامة (الأغلبية الصامتة) علاقاتها ونفوذها التي ستتحول إلى (توصيات شعبية) ملزمة لقيادة الجيش.

ومع الزمن سيزداد الرأي العام الداخلي داخل المؤسسة العسكرية الأكثر نفوذاً وحتى القضاء والشرطة وكبار موظفي الدولة، ونقصد بالنفوذ كل (فرصة ــ إمكانية) ضمن العلاقات الاجتماعية، تسمح للعوام والارتباط للحديث في الشأن العام وسيتحول إلى شكل من أشكال القيود على تصرفات أفراد الجيش صغيرها قبل كبيرها.. لذلك انفجروا جميعهم وهم يحملون في دواخلهم لأكثر من (4) سنوات.

تفسيرات الموقف

مقال للسيد (سمير العيطة) نشر في جريدة (الشروق) المصرية يقول فيه: (إمكانيّة انفجار الأمن المجتمعي ليست حصراً على الدول الهشّة، الاستفزاز السياسي الذي أطلقه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لاعباً على تناقضات مجتمعه قد أدّى إلى هجوم شعبي غير مسبوق على مبنى الكونجرس، دون أن تستطيع الشرطة أو الحرس الوطنيّ الحيلولة دون وقوعه، بل بات حدثاً له صداه فى الذاكرة السياسية للولايات المتحدة، وله آثاره العميقة في مفهوم الدولة القوية).. انتهى حديث عطية، وهنا أود القول إن الاستفزاز للمؤسسة الأم بهذه الطريقة سيصل إلى مدىً بعيد، وقد لا يتحمل قادتها درجة غليان عناصرها المباشرين أو غير المباشرين، وعندها نخشى من أن يتعقد المشهد ليس بالصدام ولكن يتأزم الموقف السياسي والاقتصادي للدولة ويحول الحياة لجحيم أكبر، وعندها أيضاً ستتأثر قيادة القوتين، وكلنا نعلم أن الشعب حينها سيرمي اللوم على القوات المسلحة.. لذلك كانت تقديرات المؤسسة العسكرية أن يكون هناك جيش واحد.

أحداث لن تُنسى

وحدثت تقاطعات واختلافات في تقديرات إدارة الموقف تتعلق بالعلاقات الخارجية والشأن الداخلي للفترة الانتقالية، وظل الجيش ينظر إليها ويتشاور ضباطه مع قيادته حولها، لكن قيادة الجيش كانت تغض الطرف وغير راغبة في إحداث توترات لم يحن أوان إثارتها، لكن يبدو أن الأمر قد توافرت له ظروف ساعدت في تحرك قيادة الجيش.

فرنسا لن تستسلم

تراجعت صورة فرنسا لدى الأفارقة وارتبطت بالغطرسة المحمولة على روح التفوق الحضاري، إذ مازالت ترفض الاعتراف بجرائمها في حق الشعوب الإفريقية إلا نادراً، وظهور جيل إفريقي جديد لا صلة له بالاستعمار ولا ممارساته السابقة، فهذا الجيل شديد التحرر والوعي بالتاريخ الفرنسي في إفريقيا، وتضجر الشعوب الإفريقية من ازدواجية المعايير التي تستخدمها فرنسا عندما يتعلق الأمر بمصالحها شكل فرصةً جديدةً للصين وروسيا بينما حدث تراجع كبير لنفوذ فرنسا.

ومنذ نوفمبر 2021م وبحضور إسرائيل.. تسعى باريس لتوفير غطاء دولي لانتخابات على مقاس حفتر، حيث يسعى ماكرون لحشد أكبر تحالف دولي ممكن داعم لانتخابات ليبيا، ولو كان ذلك بلا قاعدة دستورية ولا قوانين انتخابات توافقية أو حتى وفق نصوص الإعلان الدستوري، ولكنه حتى الآن يفشل.

القواعد الجديدة

لفرنسا خمس قواعد عسكرية جديدة في تشاد في (أم التيمان)، (أتيا)، (وور)، (أدري) و(تيس)، وتعزز ذلك بما هو دبلوماسي وغير دبلوماسي، والوضع الاقتصادي فرض على فرنسا لغة جديده لإفريقيا في منطقة نفوذها، حيث انتهى ما يعرف فى فرنسا بأسبوع إفريقيا وخلص إلى (خريطة طريق) لسياسييها تجاه إفريقيا، وباختصار تتضح فيها أهمية وسط وغرب إفريقيا لفرنسا، ويبدو أن المخابرات الفرنسية قد قررت أن تصحو منذ خسارة باريس صفقة الغواصات المبرمة مع أستراليا، واتضح للعالم ضعف دبلوماسي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكشفت أيضاً فشل المخابرات الفرنسية في الكشف عن الصفقة الجديدة قبل الإعلان عنها، ووجهت فيه أصابع الاتهام إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتضييعه الصفقة لضعفه السياسي والدبلوماسي الذي أفقد فرنسا احترامها بين حلفائها، وتساءل كثيرون في ذات الأثناء عن دور الاستخبارات الفرنسية في ذلك، فلم تعرف مسبقاً بالاتفاق الجديد بين واشنطون وكانبيرا.

وعلى الرغم من أن هذه المفاوضات أجريت بشكل سري للغاية فإن أجهزة الاستخبارات الفرنسية فشلت في التفطن لأمر ما يحاك في الخلف ويقوض مصالح باريس، وفي هذا مؤشر قوي على (إفلاس المخابرات الفرنسية وفشلها).

ولكن يبدو الآن أن فرنسا تحاول المحافظة على نفوذها مع العواصم الثلاث للحفاظ على ما تبقى لها في وسط وغرب إفريقيا، ولذلك كثفت جهودها مع السودان في هذا المجال، حيث أجمعت العواصم الثلاث واشنطون ولندن وباريس على أهمية الجيش الواحد في السودان، وقد كان رد الجنرال البرهان إن أردتم الحل فيجب أن تدعموا قرار المؤسسة العسكرية بتوحيد جيش واحد أساسه القوات المسلحة.

أمريكا وجهت رسالتها للبرهان

وأصبح معروفاً سعي الولايات المتحدة في استراتيجية لطرد الشركات العسكرية الخاصة مثل (فاغنر) من إفريقيا، حيث قدمت واشنطون عرضاً لتدريب جيش بانقي والمزيد من المساعدات الإنسانية مقابل رفض حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى إشراك الهياكل شبه العسكرية الروسية.

وفي منتصف ديسمبر 2022م ورد أن الإدارة الأمريكية سلمت مذكرةً لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستين أرشانج تواديرا توضح الفوائد التي سيحصل عليها من إنهاء الاتفاقية الرسمية بين روسيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، والعواقب التي قد تتكبدها بانقي من خلال الحفاظ على تحالفه معها.

تم إعداد هذا الاقتراح الذي تم تسليمه على هامش القمة الأمريكية الإفريقية التي عقدت في واشنطون في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر الماضي، من قبل مجلس الأمن القومي الأمريكي.

والمذكرة أشبه بإنذار، وتمنح رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى (12) شهراً لكسر الاتفاق مع روسيا، إذ تعتزم واشنطون طرد شركة (فاغنر) العسكرية الخاصة من جمهورية إفريقيا الوسطى، ونفس الرسالة وجهت بصورة مشابهة للقيادة والجيش السوداني، حيث اجتمع مدير المخابرات السودانية مع نظيره الأمريكي، وكذلك حمل مدير المخابرات المصرية نفس الرسالة وكذلك التركي والقطري، الجميع حمل الرسالة إلى السودان، والسودان كان رده واضحاً بأنه جيش يحترم القواعد العالمية للعلاقات وأنه مع مصلحة السودان، وعلى الجميع دعم خيار جيش واحد أساسه القوات المسلحة.

الإمارات وسياسة (صفر مشكلات)

إلى هذه اللحظة يبدو أن الإمارات قد أقرت تهدئة الأوضاع في السودان، وقد أفلح الجنرال البرهان في إقناع الإمارات بأن لا بديل غير الجيش، وأن الجيش مستعد للتعاون، وأنه والعالم والإمارات غير مختلفين في كل شيء، وأن تحفظات الإمارات في السودان ممكن حلها ولا مانع حولها، وأنهم الأقدر.

وحسب بحث أعده مركز (MenaCC) ضمن أحدث اصداراته حول تطور (الدبلوماسية الإماراتية في ظلّ تغيرات جيو ــ استراتيجية كبرى)، فإن الإمارات منذ انتخابها في بداية العام الجاري كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، تسعى إلى تنفيذ فلسفة دبلوماسية وأمنية مختلفة هدفها أن تعزز دورها في السلام والحوار السلمى.

وظاهرياً تشير إلى التحول عن استراتيجية المواجهة التي اتبعتها الإمارات في العقد الماضي، وسرعان ما صاغ هذا التحول سياسة (صفر مشكلات) للإمارات مع دول المنطقة التي يقع السودان من ضمنها بالتأكيد، ويغذى التوقع العام للإمارات باستخدام الديبلوماسية والقوة الناعمة، لا سيما أنها تتولى مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للفترة من 2022 إلى 2023م.

البرهان أقنع الجميع

من المسلم به أن هناك أسباباً وفي الواقع، فالعلاقات الإماراتية الأميركية تعاني من فتور نتيجه تعاون أبو ظبي مع الصين في المجالات الحساسة ــ من اختيار الشركة الصينية هواوي لتشغيل شبكات (5G) إلى الكشف عن مشروع صيني لبناء منشأة عسكرية بجوار ميناء أبو ظبي، ويذهب كثير من المحللين الى ان أبو ظبي أصبحت أكثر توازناً، لكن هذا التوازن سيسبب نوعاً من التوتر.

ولذلك يرجح المحللون والمراقبون أن الإمارات دولة لها تأثير ناعم وتاريخي في السودان وستلعب الإمارات دوراً إيجابياً تجاه المصالح الأمريكية في السودان ووسط وغرب إفريقيا وتجاه مصالحها هي في ذاتها، ولذلك كانت زيارة البرهان الأخيرة للإمارات لترسل الإمارات رسالتها بأنها تريد الخير للسودان وأنها مع رأي القوات المسلحة وأنها مقتنعة بأن البرهان هو الجنرال الأكثر نفوذاً وأنها ستدعم وجهة النظر للعواصم الثلاث (واشنطون، باريس ولندن)، وقد وجد هذا الترحاب من الجنرال البرهان الكثير من الارتياح وأهمية الإمارات للسودان والسودانيين وإمارات الخير بلا شك أقرب البلاد إلى السودان اقتصادياً وتجارياً وحتى نفسياً مثلها مثل مصر.

وأوصل البرهان رسالته التي كان مضمونها أننا الأقدر على فهم منهجية هذا المجتمع والربط الجدلي بين عوامله وعناصره المتفاعلة فيه، وأركان الجغرافيا والاقتصاد والسياسة واللغة والدين والتاريخ، ومحصله تفاعل التنمية ببعدها الحضاري وتأثيرها على إنسانه.

العرض الذي ينتظر البرهان

كانت قطر إحدى الدول القليلة في المنطقة التي يسمح لها وبشكل مباشر بلعب دور إقليمي في بعض الملفات العالقة، وكانت قطر منشغلة بترتيبات كأس العالم وقد بذلت فيه جهداً مقدراً، والآن تحاول أن تستعيد قطر دورها الإقليمي مع وجود (فراغات) تُحاول ملئها من خلال ملفات الوساطة الدولية.

وتهتم واشنطون اهتماماً كبيراً بالحوار، وستحتاج أمريكا إلى قطر فقد لعبت دوراً إقليمياً كبيراً (إيران، أفغانستان وباكستان وغيرها)، وستتابع أمريكا مسار الانتقال الديمقراطي وعملية الانتقال السياسي، والتوصل إلى اتفاق شامل يحقق الاستقرار، لأن عكس الاستقرار معناه وجود روسي، ودائماً أمريكا تحتاج لمساعد أو وسيط في إجراء التقاربات، وعلى هامش القمة ستكون هناك تفاصيل عن عرض قطري لجمع الفرقاء السودانيين، فأمريكا تعودت على طريقة قطر في لم الفرقاء وكانت لها تجارب مميزة.

وقطر تحاول أن تعود إلى دورها الإقليمي، وبشكل تلقائي تعود إلى حقبة ما قبل ترامب، وبدأت دول المنطقة في ترتيب أولوياتها من جديد، والسودان بذل جهوداً مضنيةً لإقناع أشقائه بأن السودان يرحب بالجميع، فقد واجهت المؤسسة العسكرية صعوبات مع فواعل الفترة الانتقالية أضرت بها وبالسودان، وقد اجتهد الجنرال البرهان ببعث رسالة اطمئنان للجميع بأنه ليس مع أحد أو ضد أحد، وأن التغيير الذي أقرته المؤسسة العسكرية هدفه الانفتاح على العالم.

البرهان يقترب

وداع البرهان الأخير في المطار يبرهن على أن الرجل قد اقترب من تحقيق حلم الجيش وهو إحكام السيطرة ومركزية القرار.

المصدر: الانتباهة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!