مفاوضات السودان تتعثر مجددا بين الجيش والدعم السريع..من يعرقل المباحثات؟
مالخرطوم: الرؤية نيوز
فاوضات السودان تتعثر مجددا بين الجيش والدعم السريع
“حميدتي” يطلب إبعاد قادة الجيش ومراقبون: الخلاف أكبر بكثير
تعثر جديد ضرب مفاوضات جدة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، تزامن مع عودة وفد الجيش المفاوض إلى الخرطوم بحجة التشاور مع القيادة وظهور محمد حمدان دقلو “حميدتي” في مقطع فيديو مسجل بعد طول انقطاع إلا من الرسائل الصوتية، ليعلن إمكانية التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب خلال 72 ساعة، بشرط تغيير طاقم هيئة القيادة الحالية للقوات المسلحة وعلى رأسها الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
بين المشهدين السابقين وجمود المفاوضات يطرح البعض سؤالاً، كيف يؤثر خطاب “حميدتي” في مسار الحرب والمفاوضات، وهل يباعد الشقة بين الأطراف بالتالي يزيد الوضع اشتعالاً أم إنها مجرد مناورة للضغط بإعادة فتح ملف إصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية من جديد؟
قائد “الدعم السريع” اتهم هيئة قيادة الجيش الحالية بالخضوع والائتمار بأمر فلول النظام السابق من الإسلاميين الذين يديرون الحرب من وراء الكواليس، وسمى منهم علي كرتي وأسامة عبدالله وأحمد هارون الخارج من السجن، زاعماً أنه بات يرأس اجتماعات لجنتي الأمن في كل من ولايتي القضارف وكسلا ومحرضاً على الحرب، متسائلاً “هل هناك دليل أكثر من ذلك؟… هؤلاء هم الفلول الذين دمروا السودان”.
في ظهوره المصور الأول منذ أشهر عدة، والذي أثار عاصفة من الجدل واللغط حول مدى حقيقته، اعتذر “حميدتي” لكل السودانيين رجالاً ونساءً عما تسببت به الحرب من معاناة ودمار لهم وللبلاد، معلناً تبرأه من كل من ارتكبت جرائم من قواته، قائلاً “لسنا حرامية، ونتبرأ من كل العناصر المنفلتين”.
تعليقاً على خطاب قائد “الدعم السريع” الأخير غرد مستشاره السياسي يوسف عزت، على حسابه في “تويتر” (إكس) “قلنا وما زلنا نكرر في مسامع الفلول إنكم تواجهون قائداً فذاً يقود أشاوس (الدعم السريع) في جميع المعارك بصبر وصمود، وطيلة الأشهر الثلاثة الماضية لم تضعف له عزيمة ولم يعرف التردد أو التخفي تحت الجدران، وتلك ثقافة حرب لم يدرسها قادة الفلول في كلياتهم أو تلقاها جنودهم في ساحات التدريب”.
تنحٍّ متبادل
في السياق، وصف المحلل والمتخصص الدولي في الحكمانية وليد مادبو، اشتراطات قائد “الدعم السريع” بأنها “غير واقعية ووهمية، ولا يتوقع أن تؤثر سلباً في مسار المفاوضات، بخاصة بعد أن تحولت المعركة إلى مواجهة بين قواته والمواطنين المنهوبين والمنتهكين، الذي مول حربه من مقتنياتهم كما كان يفعل في دارفور”.
يرى مادبو أن اشتراط “حميدتي” إبعاد هيئة القيادة الحالية للجيش أو ما يعرف بـ(اللجنة الأمنية) بكاملها، كان يجب أن يقابله قبوله تنحي أسرة آل دقلو أيضاً من قيادة “الدعم السريع”، بحيث لا يكون أي من قادة الجانبين جزءاً من معادلة الحكم مستقبلاً، بسبب ما ارتكبوه من جرائم في حق الوطن والمواطن.
يضيف الكاتب “تلك التصريحات أو إن شئت الفبركات لم تعد ذات جدوى، لأنها لا تنطلق من رؤية استراتيجية، بل هي مجرد حنق شخصي وضغائن لا تسعف في إخراج الوطن من هذه المحرقة، وأن على المجتمع الدولي إذا ما أراد التوصل إلى حل عملي لهذه الأزمة فلا بد له من التواصل مع الوكلاء الإقليميين والدوليين لكلا الطرفين، لأنهم من يملكون المفاتيح الحقيقية للحل”.
تفاوض لا إملاء
على نحو متصل، وصف المحلل السياسي يوسف الأمين عبدالمنعم، خطاب “حميدتي” الأخير بأنه في سياق التصعيد السياسي ومزيد من الضغط على الجيش الذي اتهم “الدعم السريع” بالتعنت بالمفاوضات والتملص من تعهداته بإخلاء منازل المواطنين والأعيان المدنية.
يرى عبدالمنعم أنه ليس هناك مجال لـ”حميدتي” أن يملي شروطاً أحادية بعدما قبل مبدأ التفاوض وجلس وفده على مائدتها في جدة، ووافق على إعلان المبادئ، مما يعني أن طريق الوصول إلى الحل العاجل للأزمة أصبح هو الحل التفاوضي المشترك وليس الأحادي الذي يفرضه أو يمليه طرف على الآخر، لكن تصريحات قائد “الدعم السريع” لا تخلو من رغبة خفية للرجل في التوصل إلى اتفاق عاجل ينهي الحرب ولو جاء مغلفاً بمثل ذلك بشرطه إقصاء قيادة الجيش الحالية.
وأبدى استغرابه من توقيت التصريحات التي تتزامن مع حدوث اختراق في ملف التفاوض، خصوصاً ما يتعلق بالمبادئ العامة وجداول التنفيذ وآليات رقابة وقف إطلاق النار بقيادة السعودية، إلى جانب إظهار الطرفين قدراً من المرونة في الوصول إلى تفاهمات مبدئية حول الممرات الإنسانية تمهيداً لمرحلة وقف العدائيات.
العقدة في المنشار
من جانبه يرى الأكاديمي المتخصص في العلوم السياسية جلال عبدالرافع، أن تزامن خطاب قائد “الدعم السريع” مع تعثر مفاوضات جدة بانسحاب وفد الجيش المفاوض وعودته إلى الخرطوم، جاء ليرسل رسالة مفادها أن الخلاف بين الطرفين أكبر بكثير من مجرد تلك النقاط التفصيلية التي أشار إليها الجيش في بيانه بهذا الصدد.
لفت عبدالحفيظ الانتباه إلى أن قائد “الدعم السريع” كان واضحاً وصريحاً في مطلبه بوضع العقدة في المنشار بشكل مباشر، بتصعيده الخلاف إلى المطالبة بإزاحة الهيئة القيادية في الجيش كشرط لحل ووقف عاجل للحرب، منوهاً بأن “حميدتي” أعاد بذلك فتح ملف قضية تسييس الأجهزة الأمنية واختطاف قرارها بواسطة الإسلاميين من النظام السابق.
واعتبر أن هذه القضية ليست محلاً للإثبات أو النفي بقدر ما هي في حاجة إلى الدراسة والنقاش، وتندرج في سياق مطلب إصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية التي وافق الجيش عليها، على أن تتم بشكل موضوعي بواسطة متخصصين من داخل تلك المؤسسات.
ويعتقد أن أحد أسباب تحفظ “الدعم السريع” على جزئية الانسحاب من منازل المواطنين والأعيان المدنية وفق ما نص عليه إعلان المبادئ، هي مخاوفه من أن يكون وراء إصرار الجيش نية مبيتة بالسعي إلى توريطه في اعترافات قانونية ضمنية بانتهاكات وجرائم حرب، واستغلال هذا البند لفك حصار بعض المناطق العسكرية باعتبارها أعياناً مدنية.
وأضاف “كما أن (الدعم السريع) يربط القبول بمطالب الجيش بإشراك القوى السياسية المدنية في عملية التفاوض من أجل ما يراه تسوية شاملة تنهي الحرب، بينما يرى الجيش قصر التفاوض على وقف العدائيات والمساعدات الإنسانية واستبعاد أي قضايا سياسية من المفاوضات، وهي العقدة التي دفعت بـ(حميدتي) إلى أن يرفع السقف في هذا التوقيت”.
تشكيك وانتقاد
على رغم تشكيكه في حقيقة الفيديو واحتمال فبركته، وصف رئيس حزب الأمة، مبارك الفاضل المهدي، التسجيل بأنه مرتبك وتضمن حديثاً غير واقعي لا هدف منه سوى رفع معنويات جنوده، فضلاً عن حمله كثيراً من التناقضات، بخاصة ما يتعلق بإنكاره انتهاكات وجرائم قواته كاحتلال منازل المواطنين وممارسة النهب والسلب والاغتصاب، بعد أن كان قد أقر بها في تسجيل صوتي سابق وأعلن تشكيل محكمة للقيام بمحاكمات ميدانية في هذا الخصوص.
يستغرب رئيس حزب الأمة خلو خطاب “حميدتي” من التعليق على مستجدات الأحداث في الساحتين المحلية والإقليمية، كما خلا من أي ردود على تصريحات قادة الجيش الآخرين سوى تلك التي صدرت عن الفريق ياسر العطا مساعد القائد العام.
كان الجيش قد أعلن عودة وفده المفاوض في منبر جدة إلى السودان للتشاور، مشيراً إلى خلاف في شأن بعض النقاط الجوهرية، تعذر بسببه التوصل لاتفاق وأدى إلى عودة الوفد إلى الخرطوم.
أضاف أن وفده انخرط في مباحثات غير مباشرة بتسهيل من المسهلين نتج منها إعلان جدة لحماية المدنيين في السودان الموقع في 11 مايو (آذار) الماضي، نص على إخلاء المتمردين منازل المواطنين ومرافق الخدمات العامة والمستشفيات وغيرها من الالتزامات التي شكل عدم تنفيذها من قبلهم حجر عثرة أمام التفاهمات اللاحقة.
اتهامات العرقلة
بيان الجيش السوداني أزاح الستار عن التوافق على كثير من النقاط حول مسودة وقف للعدائيات، إلا أن الخلاف حول بعض النقاط الجوهرية من بينها إخلاء المتمردين منازل المواطنين ومرافق الخدمات والمستشفيات والطرق، عرقل التوصل للاتفاق النهائي.
رداً على بيان الجيش أصدرت قوات “الدعم السريع” بياناً كالت فيه الاتهامات لوفد الجيش باستخدام ما وصفته بالألاعيب والممارسات الفاسدة التي كانت يمارسها النظام المباد طوال 30 عاماً من حكمه.
وبالعودة إلى بيان الجيش فإنه اتهم “الدعم السريع” برفض طلبه فك الحصار عن قياداتهم في القيادة العامة والمدرعات وسلاح الإشارة إلا بعد توقيع اتفاق شامل للحل النهائي للأزمة السودانية، مشيراً إلى أن مزاعم وجود قوات “حميدتي” في المستشفيات والمرافق العامة هي محاولة لفك الحصار عن المقار العسكرية التي توجد داخل المناطق المأهولة بالسكان.
على نحو متصل ذكر بيان لوزارة الخارجية السودانية أن وفد الجيش المفاوض جاهز للعودة إلى مدينة جدة متى تمكن الوسيطان السعودي والأميركي من تذليل العقبات التي حالت دون مواصلة المفاوضات، محملة “ميليشيات الدعم السريع” التسبب في تعثر المفاوضات بتعنتها وعدم احترام وتنفيذ الالتزامات التي وقعت عليها في جدة.
كانت الوساطة السعودية الأميركية قد علقت المفاوضات إلى أجل غير مسمى مطلع يونيو (حزيران) الماضي، إثر تعليق وفد الجيش مشاركته فيها احتجاجاً على عدم التزام الدعم السريع الانسحاب من منازل المواطنين والمستشفيات والمرافق الخدمية العامة وتعدد خروقات وقف إطلاق النار في الهدن المتفق عليها من الطرفين.
سلسلة من الوساطات والمبادرات الإقليمية والدولية فشلت في وقف القتال المندلع منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع الذي خلف كارثة إنسانية متفاقمة بالعاصمة السودانية وولايات دارفور، وينذر بجر البلاد إلى حرب أهلية شاملة.
اندبندنت البريطانية