خالد الإعيسر يكتب : تشكيل مستقبل التغيير في السودان.. “الجذور الخفية”!
كثيرون خدعتهم الشعارات التي رفعها سراق ثورة الشعب، وسراق الثورة يعلمهم الشعب السوداني قاطبة، وهم مجموعات تمثل قوى سياسية سودانية داخلية “مدجنة”، وأخرى خارجية مستترة تحرك هذه المجموعات الداخلية لتنفيذ مخططاتها الماكرة.
كانت نتائج السرقة – غير المسبوقة – كارثية، ومأساوية، ومخضبة بدماء الأبرياء؛ وباهظة الكلفة على الشعب السوداني كافة ومستقبل بلاده.
ad
بعيداً عن المسلمات – المعلومة للكافة – من وراء استهداف السودان في تركيبته السكانية، وموارده الكامنة، خططت قوى دولية لتنفيذ مشروعها من خلف ستار الوجوه المحلية لتأسيس الدولة المدنية الديمقراطية “وهذا الشعار – الجميل – مخادع للغاية”.
ربما لا يعلم كثيرون أن المشروع الذي تجلت معالمه وأوجهه القبيحة بعد حرب 15 أبريل 2023م بصورة مأساوية في معاناة الناس، وتشريدهم من منازلهم، وتدمير مؤسساتهم الوطنية، هو مشروع قديم وعملت من أجل تمريره وتنفيذه قوى دولية كبرى سخرت له موارد هائلة في مراحل مختلفة وبأوجه متعددة طوال الأعوام التي سبقت سقوط نظام الإنقاذ.
الفهم الغائب والجذور الخفية لمشروع التغيير يسميه أصحابه “تشكيل مستقبل التغيير في السودان”، ما يعني أنه مشروع للتغيير المتحكم فيه.
وعبره تماهت خطط المجموعات الداخلية “المستخدمة” بمشروعها السياسي وتمازجت مع برامج منظمات المجتمع المدني وخطط الخارج المرسومة وفق منهج استراتيجي وخلاصات بحثية، ولقاءات، وورش ومؤتمرات سرية كثيرة.
والمجموعات الداخلية “المستخدمة” لتمرير هذا المخطط ليس لها مشروع بخلاف الانتقام والتصادم مع الجيش والقوى الوطنية السودانية. وهنا برز دور قوى إعلان الحرية والتغيير “المجلس المركزي” بلافتاته المعلومة وأهدافه الساعية للحكم بأي شكل وإن أوصلهم ذلك للقبول بمبدأ التحالف مع أعداء السودان في سبيل تحقيق غاياتهم.
والمجتمع الدولي المزعوم بلافتاته المبطنة باسم منظمات مجتمع مدني سودانية، ومنظمات إنسانية دولية، ومؤسسات مالية تحكمية؛ وجد ضالته في مجموعات محلية لا يهمها شيء بخلاف الوصول للسلطة “وبأي ثمن”.
تارة تتجلى مداخل المجتمع الدولي في شعارات محاربة الهجرة غير الشرعية، ومرة أخرى بشعارات تأسيس الديمقراطية والدولة المدنية وفق منهج يضرب المنظومة المجتمعية والدينية بتغيير ثقافي عميق وجذري، وحتى بلوغ درجة محاولة تغيير سلوك الفرد المحافظ ومفهومه للقيم الوطنية وأسس دولة المواطنة التي هي أساس متين للتغيير الحقيقي.
ولذلك أصبح السودان حقل تجارب كبداية لتغيير كبير لدول المنطقة الإفريقية والعربية كافة في مشروع مستقبلي أكبر. وتؤام منهج الداخل مع مخطط الخارج لتغيير جذري عميق، أجنداته تخدم في المحصلة النهائية تنفيذ رغبات الدول الساعية للسيطرة على موارد السودان، وذلك بالاستعانة بدول في الإقليم والمحيط العربي والإفريقي لها ذات الرغبات والأهداف.
في خضم هذه المؤامرة بحثت القوى الدولية والإقليمية عن خام – مورد بشري جديد – يسهل تشكيله واستخدامه لتغيير طبيعة وشكل المجتمع السوداني نفسه بتغيير ديمغرافي كبير لتنفيذ هذا المخطط الخطير والماكر، فكانت مجموعات المرتزقة أفضل خيار لمجابهة الجيش الوطني ومحاربته بشعارات ترسيخ القيم الديمقراطية، وإصلاح المؤسسة العسكرية، وتأسيس الدولة المدنية، وتفكيك ما يسمونه زوراً بـ”دولة 56″، وجميعها أكاذيب وشعارات مضللة.
وبعد أن درسوا نقاط القوة والضعف لتنفيذ هذا المشروع الكبير، هيأوا له أرضية خصبة خلال السنوات الماضية بالحروب القبلية، وضرب تماسك الإدارات الأهلية لتفكيك التلاحم المجتمعي المتوارث، وبالضغط على السودان بصراعات اثنية في الأطراف دامت سنوات لإضعاف موارد الدولة المركزية، وتقليل درجة الوعي والاستنارة بمحاربة مؤسسات الدولة التعليمية حتى لا تتم مقاومة هذا المخطط، مستعينين في ذلك بمجموعات الشتات العربي الإفريقي والمرتزقة الذين شاركوا في حروب القارة الإفريقية التي توجهها عادة الحاجة إلى المال وشراء الذمم، وذلك لإجراء عملية إحلال وإبدال كامل للتركيبة السكانية السودانية التقليدية، وللأسف بعض المقاتلين داخل مليشيا الدعم السريع المتمردة من أبناء القبائل السودانية التي تعتبر الحواضن الاجتماعية تفاعلوا مع هذه الخطة “من دون وعي بحجم المخاطر المستقبلية على مجتمعاتهم وارتباطاتهم التاريخية بالدولة المركزية والشعب السوداني”.
ما يعيشه السودان اليوم هو تجليات لمخطط كبير انفقت من أجله أموال طائلة، وبذلت من أجل تنفيذه وتمريره مجهودات كبيرة شملت السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي بغرف إلكترونية من داخل وخارج السودان، والتظاهرات المطلبية والفئوية، والتدمير الممنهج للمنشآت القومية الاستراتيجية، والمتاحف، ودور الوثائق القومية والأرشيفية، حتى تطور المخطط لمرحلة تدريب الشباب في لقاءات، وورش، ومؤتمرات عقدت في دول المحيط الإفريقي بشعارات وتطمينات – مغشوشة – هدفها غير المعلن هو السيطرة على موارد السودان.
بوجيز الكلام ومن دون الخوض في تفاصيل أعمق، ربما يجد كثيرون أنهم كانوا أدوات لتمرير هذا المخطط اللئيم طوال الأعوام الماضية “من دون معرفة”، وليس في ذلك حرج طالما أن النيات كانت خالصة ومخالفة لخطط وأجندات من تصدروا مشهد التغيير بالاستفادة من زخم الثورة التي كانت غاية نبيلة لعموم أهل السودان الساعيين لتغيير حقيقي يتقاطع مع الأهداف المستترة التي خطط لها أعداء وحدة ونهضة السودان.
إذن لا بأس من تصحيح المواقف والمفاهيم بالعودة إلى الصواب.
وتبقى الحقيقة الأهم أن الجيش السوداني خاض ملاحم تاريخية وأجهض هذا المخطط مستفيداً من الزخم والالتفاف الشعبي الذي كان العقبة الكؤود التي حاولت كل الجهات المتآمرة داخلياً وخارجياً لكسرها، ولكنها كانت عصية على الاختراق، وهذا ينم على عدم معرفة خدام الداخل ومموليهم من الخارج بطبيعة الشخصية السودانية التي تتميز بموروث نضالي وتاريخ حاشد بالتضحيات وحساسية مفرطة تجاه التدخلات الخارجية في الشأن الوطني.
والجيش في تركيبته الداخلية تصدى أيضاً للمشروع السياسي المسمى بالاتفاق الإطاري الذي مثل المنصة السياسية لتمرير المشروع الدولي الكبير في السودان.
علماً بأن المشروع صمم في الأساس لضرب المؤسسة العسكرية والإدارات الأهلية باعتبارها صمام أمان وحائط صد محصن للسودان ومجتمعه.
وبالنسبة للمتآمرين فإن تفكيك هذه المكونات يعتبر شرط أساسي لتمرير المشروع الخارجي. وأخيراً – خلال مؤتمر عقد في دولة جارة – بدأوا يتحدثوا عن ضرورة إيجاد صيغة للتعامل مع الإدارات الأهلية والطرق الصوفية بعد فشل المواجهة مع الجيش في المخطط الأول.
وفي الواقع العملي الذي أفصحت عنه التجربة الماثلة للحرب، والتي هي في الواقع حرب “بالوكالة” لا علاقة لها بأي شعار من الشعارات التسويقية التي رفعها من أشعلوها، وهي أيضاً لا علاقة لها بأي تيار فكري كما يروج رعاة المشروع الخارجي وغرفهم الإلكترونية، وهنا على سبيل المثال الأحزاب الإسلامية واليسارية كان موقفها أكثر وعياً في التصدي للمشروع الخارجي، وجسد الحزب الشيوعي – كمثال – موقفاً وطنياً مميزاً منذ مرحلة التمهيد للمشروع بالورشة المعروفة التي أقامتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين قبل قيام تحالف بعض قادة مليشيا الدعم السريع المتمردة مع الأحزاب السياسية الداعمة والمتحالفة مع التمرد لتمرير مخطط الخارج عبر مشروع الاتفاق الإطاري المدعوم من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس”، بينما قدمت التيارات الوطنية، ومعها لجان المقاومة، مع شريحة واسعة من شباب التيارات الإسلامية واليمينية والمستقلة؛ أفضل نموذج لتلاحم وطني عسكري/مدني تصدى لإجهاض أخطر عمل تآمري مسلح في تاريخ السودان، وكان هدفه الحقيقي تفكيك الدولة وتغيير شعبها والسيطرة على مواردها.
هذه ملامح لحجم المؤامرة الكبيرة التي يجب على الشعب السوداني كافة معرفتها وتذكرها والتصدي لها، وبكل قوة؛ لأنها هدفت لهدم بنية الدولة السودانية التقليدية من الأساس وتغييرها بدولة جديدة كل عناصرها مدجنة تخدم خطط الخارج، وذلك للسيطرة على موارد السودان للأبد وتغيير تركيبته، ليصبح دولة هشة مفككة ومدجنة من أعلى سقف لنخبها المثقفة وانتهاءً ببعض العامة الذين التبست عليهم المفاهيم الخفية بفعل تزييف الوعي والدعاية الإعلامية المضللة.
وعلى الشعب السوداني أن يكون أكثر يقظة في المستقبل حتى لا يجد هذا المشروع الخارجي – المصنّع – فرصه أخرى ليجدد نفسه بمداخل ماكرة جديدة!
رأي اليوم