السفير الخضر هارون يكتب :حتي لا يتلاشي الأمل!
استحكمت حلقات المأساة علي الجزيرة الخضراء أم السودان الرؤوم التي ظلت حضناً دافئا لكل من لجأ إليها خائفا يترقب من ضيق ذات اليد وضيق الحيلة فأغدقت من خيرها الوفير علي أولئك دون من ولا أذي ولا سؤال عن من أي البلاد أنت أو من أين عشيرة ينحدر أبوك، أكنت أنت من تنبول أو الطينة او مروي أو الفولة أو الزنك لا فرق !وجاءت جموع أخري من وراء الحدود مسالمة راغبة في العمل والعيش الكريم فلم ترد الجزيرة البهية الخضراء الحنون أحداً ، قبلتهم جميعا أبناء أعزاء وحسان (ضلالات لبناننا في شعر سيد احمد الحردلو )فازدانت بهم عاصمتها بالاضافة إلي شوام ،يونان أهل إبراهيم خان وطليان ،أول عواصم السودان في عهد ما بعد غزوة إسماعيل باشا. بادلها أولئك جميعا حبا بحب و وفاءا بوفاء فتغني الشعراء والموسيقيون وأهل الغناء بحنوها وحسن معشر أهلها الكرام وتفنن الرياضيون وهم يجلون بجسارة في الملاعب والميادين الخضراء بالكرة يرفعون بمهاراتهم ذكرها بين مدن السودان أو بين الأنام خارج السودان: محجوب الله جابو، درية، ابراهومة ، حمد النيل، أحمد حامد ، عمو الفاتح، سنطة وعبدالرحيم الشيخ ، الريح جادين وكسلا والديبا وغيرهم، لم يغار مؤسسوها من آل دشين والسني من مزاحمة من ذكرنا فقد أصبحوا جميعا أهلها وذويها ولم يتأفف أبناء الجزيرة المبدعين من شعرائها الفطاحل: كامل عبد الماجد ، وبركات جمعة وعبداللطيف سعيد والمساح وحميدة ابعشر ومحمد طه القدال وسيد الخطيب من حفاوة خليل فرح القادم من أقصي الشمال وهو يغني: مالو أضناه النضال بدني. فمحمد الامين والكاشف وابو عركي وبادي محمد الطيب وعبدالكريم عبدالله والخير عثمان ومحمد مسكين ورمضان زايد وعبدالعزيز المبارك وعصام محمد نور ومكاوي جنبا إلي جنب مع ابنها بالأصالة الخالدي كلهم شربوا معني الوطن الجامع وهم يتفيؤون ظلال الحنان في مدني. منهم من مروا عليها كالتجاني حاج موسي وسواه كأنهم جاءوا ليتعمدوا في مياه أزرقها الدفاق بحب الوطن. كيف لا وقد ذاقوا طعم البوتقة التي صهرتهم في أكنافها وأرضعتهم من ضرعها الدفاق الحب والوفاء.
الجزيرة يا معاشر السادة أبناء الوطن وبناته من دون فرز يصنعه التحزب والمعتقدات، تنزف اليوم دماً قانيا وتتعرض حرائرها للاغتصاب ومحاصيلها للسرقة وشيوخها وقبابها للزراية وأمهاتنا للإهانة والتقتيل بلا رحمة دونما ذنب جنوه بل للطرد من أرضهم في مشاهد تتفطر لها الأكباد وأخشي أن يكون ذلك دربة وتجربة لطردكم جميعاً من مناطقكم غداً ليهبوها لقوم آخرين! سيارات دفع رباعي يقودها الجن والتاتار والمغول وهولاكو.
وبينما أشرقت شمس الأمل يوم استعاد الجيش والمقاومة الإذاعة مستودع الوجدان وشارة وحدة السودان التي أنعشت الروح وجلبت الفرح لقلوب الملايين بسحناتهم المختلفة ولكناتهم المتباينة شرقا وغربا وجنوبا في لوحة بديعة تضم الجميع ،يخيم علينا الحزن والإحباط بالذي يجري اليوم لأهلنا في الجزيرة ليتسرب من جديد طيف من الشك لكثرة وعود ببداية الزحف المقدس للتحرير ظلت تطلق منذ أن سقطت مدني بلا قتال!فلا نري إلا بلدات تسقط كل يوم يقطنها حفدة أبطال شهداء في الحلاوين والشكاية وحاج عبدالله تسام الخسف والتهجير والمهانة وكأننا ننتظر إشارة التحرير او العطف والتعاطف أو الكف عن التهديد تأتي من وراء البحار حيث تصنع المؤامرة.تباين وتناقض تصريحات القابعين في مقصورة القيادة تزرع الخوف بأن السهام لا تصدر عن قوس واحدة! أما قيل إلي جانب حسن الظن أن سوءه تقية؟ هل انقطع سيل المطايا من السيارات التي تحمل المنايا من ليبيا والطيارات المرسلة من الإمارات وفي أحشائها القنابل والدانات والمسيرات صانعات الموت والدمار بل والمرتزقة ؟وهل كتب علينا أن نحفل ونحتفل يومياً بكم سيرة قد ( جغمت) بينما الأرض تنشق كل يوم ببدائل لها تعوض عن فقدها ؟! ألا يجعل ذلك فعلنا و( حفرنا) مثل ساقية جحا؟
أيها القادة أروا الناس منكم ما تقر بهم أعينهم وتطمئن به قلوبهم معتمدين علي الله الواحد الأحد فوقت حسابات الحظوظ لم يحن بعد فالحصة وطن والغاية الحفاظ عليه من الضياع ويا لعار الأبد لمن يؤتي من قبله !
المصدر : تسامح نيوز