الفريق الصادق .. ترقية أم إقالة و أشياء أخرى
مازال التغيير الذي حدث في مكتب رئيس مجلس السيادة ساخناً و يتفاعل على مستويات متعددة، حيث تناولته بعض مواقع التواصل الإجتماعي بكيد شديد أو لؤم متعمد أو تواطؤ غريب، وأعتقد أن كل هذا من إنتاج بعض المخيلات المكدسة بشائعات كثيفة، وجله منطلق من ذاكرة مرتابة كان بطلها “الفريق” طه عثمان مدير مكاتب الرئيس السابق عمر البشير.
حيث ظهرت وأخرجت في تلك الحقبة سيناريوهات خطيرة إثر تمدد مدير المكتب و تجاوزه لمؤسسات الدولة المعنية في شؤون شتى، مما سبب خللاً كبيرا تجاوز مداه إلى مسائل تقع في صميم أمن الدولة وصارت سيرة طه تخيف البعض أو تزعج البعض الآخر مما جعل مكتب الرئيس مكشوفاً إلى حد كبير للإعلام وبعض أخباره يجري التندر بها.
و أكثر الإصابات المباشرة التي دخلت مرمى السودان هو قرار قطع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية الذي يعرف الكثيرون كيف حدث .. وكل تلك التركة الثقيلة تُستصحب في الأذهان حين يتناول الجمهور أي نوع من التغييرات في مكتب الرئيس.
هذه الفزلكة التاريخية صارت لازمة للحديث عن هذه المكاتب المهمة في الدولة، إلا أنني أجد أن الفريق الصادق إسماعيل محمود مختلفاً جداً من الفريق طه عثمان ، فالأول خلفيته عسكرية تماما أما الثاني فله إرث حزبي متذبذب صعوداً و هبوطاً حيث لا مقارنة تماماً بينهما، فالفريق الصادق أول دفعته(36) حامل السيف وسيرته العسكرية تتسم بالانضباط و الصرامة والاعتدال .
ومن أقدار الله أننا تزاملنا سويا في سفارة السودان بالأردن حيث كان ملحقاً عسكرياً بينما أنا كنت ملحقاً إعلامياً، ومن ثم نمت بيننا علاقة متميزة يسودها الإخاء و الدفء و المودة العامر.
ذات مرة ناداني السفير المرموق عثمان نافع حمد وسألني عن موضوع ما أو بالأحرى استشارني في مسألة ما و قبل أن يسترسل سألني هل تكون (عادلاً مثل اسمك) و من هذا سأحاول أن أجتهد حتى أقرب صورة الفريق الصادق للرأي العام ما استطعت لذلك سبيلاً ، وليعذرني إن لم أستشره في ذلك.
فالصادق يتميز بمزاج معتدل غالب الأوقات وهو دائم الابتسام و لا تجد في أشد المواقف صعوبة أو مرارة غير تلك الابتسامة و الاعتدال النفسي، فطيلة الفترة التي عاشرته – وقد امتدت العلاقة بيننا حتى بعد أن غادر كلانا ملحقيته – لم أجده غاضباً أو متعكراً أو منزعجاً و هذا في تقديري منحة إلهية فهو يحترم الكبير و الصغير في آن واحد و لا يفرق بينهما و الزملاء و الأصدقاء و أهل الاختصاص و غيرهم بذات اللياقة النفسية من ابتسام و هدوء و هذا أمر محير جدا بالنسبة لي و للكثيرين.
ثم من الأمور أنه مهما كانت درجة القرابة أو الصلة بك لا يتحدث مطلقاً عن قضايا تخص المكتب أو العمل الذي يعمل به، و أزعم بأنني كنت أقرب إليه من كثيربن و لكنه لا يتحدث عن تلك المواضيع مطلقاً، و لقد احترمت هذه الصفة فيه و لم أبادر بالأسئلة التي تشغل الصحفي من (شمارات) أو هموم كبرى لأنني أعرف أنه لن يجيبني على سؤال مباشر أو غير مباشر بشأن ما يحدث في محيط عمله.
و لذا مرت فترة رئاسة الصادق لمكتب الرئيس بسلام من دون أي قنابل موقوته أو مفاجأت حرجة، كل هذا حدث في وقت استثنائي جدا حيث صوبت قوى الحرية و التغيير مدفعيتها على قيادة الجيش و مرت تلك الخمس سنوات بمراحل شديدة الالتهاب مست كل أرجاء الدولة السودانية، إلا أن مكتب السيد رئيس مجلس السيادة احتفظ بهدوئه و وقاره و سريته التامة و في تقديري أن الفضل يعود ل الفريق الصادق و من ورائه مساعدوه.
فإخراج المكتب في فضاء مختلف و بعيداً من آثار الانفجارات و الشظايا يعود كل هذا لطبع للفريق الصادق المتجذر في شخصيته و هويته و انضباطه العسكري.
أدعي أنني رأيت الصادق و عاشرته في مواقف شتى فهو لا ينتمى إلى حزب معين و لا حتى قبيلة معينة و لا يستصغر أحدًا و لا يطبل لأحد، قد يعتقد البعض أنني أصف الرجل بصفات ليست فيه و لكن كل من عرف الفريق الصادق أو عاشره يوما يدرك هذه الصفات فيه و بدون استثناء الصغير و الكبير و المهم و غير المهم و الذي له شأن و الذي ينتمي إلى طبقات المجتمع الدنيا، كلهم سواء يحترمهم و يعاملهم المعاملة اللائقة.
الفريق الصادق ينتمي لسلاح المدفعية و هو شديد الاعتداد بذلك، و له مواقف طريفة و حميمة حين ما جاءنا الفريق أول شهيد ياسر فضل الله و هو من أبناء الدفعة 39 فذكر لي بحماس ملحوظ أنه من سلاح المدفعية.
من أيامنا الجميلة التي تحفظ لنا الوداد و العمل الصالح كانت (بيت القراصة) الذي نهضت به الملحقية العسكرية بالأردن و قد نال شهرته و لمّ السودانيين المرضى و أقربائهم و أكرمهم بالقليل الكثير و لذا سمي ( بيت القراصة) لأنها الوجبة الرئيسية فيه. و على أيامه ملحقاً هناك اتسعت و نالت شهرة و كان حريصا على مناداة السودانيين من مستشفيات الأردن لتناول وجبة الإفطار يوم الجمعة من كل أسبوع حتى صار منارة و قبلة يحتفي بها الجميع.
تعرفت بعد ذلك على طيف واسع من قادة و ضباط و جنود الجيش الذين يأتون للأردن للدراسة لدورتي الحرب العليا و الدفاع أو العلاج و على قيادة القوات المسلحة التي كانت تهتم بهذا المنشط الاجتماعي لمّا يؤديه من خدمة مؤثرة على قطاع من السودانيين،و توجد به مضافة لبعض المنسوبين للجيش.
الأقرب عندي للذي حدث من ترقية استثنائية للواء الصادق إلى درجة الفريق و تعيين العميد عادل سبدرات مكانه يقرأ على احتمالات متعددة واحدة منها انتهاء فترة (اللواء) الصادق في مكتب رئيس مجلس السيادة، أما الترقية فتدل دلالة قاطعة على ثقة البرهان في مدير مكتبه السابق الذي حمل عبء المكتب في ظروف بالغة الصعوبة و التعقيد و أحداث عاصفة و مرهقة مرت بها البلاد و أدت لهذه الحرب الوجودية على الدولة السودانية.
وقد كان من الممكن أن يُرقى و يُحال إلى المعاش و لكن نظرة رئيس مجلس السيادة إلى الفريق الصادق تبدو بعيدة حيث كلفه بمهمة المبعوث الرئاسي و الشخصي له، مما يدحض الأقاويل و الشائعات و زبد الأحاديث التي لا تنفع الناس.
و من المؤكد أن الفريق الصادق سيقبل على تكليفه الجديد بهمة و مهارة فائقة من غير تمدد على مؤسساتٍ قائمة لهذا الشأن، فالمهمة واضحة و محددة.
لا علم لي بأن العميد ركن عادل سبدرات كان من ضمن أفراد مكتب السيد الرئيس لكن من المتوقع أنه عمل فترة مقدرة تحت إمرة اللواء سابقاً الصادق، و في تقديري أنه سيمضي على طريقة سلفه في الانضباط و الهدوء مع إضافات خاصة و مستحدثة تخصه.
إذا أجرينا استطلاعا على عينة عشوائية ستتضاءل كلماتي التي ذكرتها عن الفريق الصادق و تظهر العديد من الميزات و الصفات التي تجاوزتها حياء حتى لا أدخل نفسي في حيز الانحياز الكامل له، فما ذكرته قليل و قليلٌ جدا.
عذرا للفريق الصادق اسماعيل أعلم إنه لا يحب الأضواء الكاشفة عليه و لقد قسمت ظهره ببذل طريقته و أخلاقه لكن حينما تنتاشك أقلام بعيدة كل البعد عن معرفة الحقيقة و تنتشر الافتراءات كالنار في الهشيم يجعلنا ندلي بدلونا لإجلاء الحقيقة فقط لا غير.
المصدر : تسامح نيوز