إسحق أحمد فضل الله يكتب:(المدرعات 3)
متابعة:الرؤية نيوز
أستاذ عطا
ما نكتبه عن المدرعات هو ظلال لما كان يجري، وما نكتبه لا يتبع زمن الأحداث، بل هو قيمة كل حدث.
وقبل عشرة أيام كان اليقين يهبط في النفوس… إنها الحرب. لكن ما لم يخطر لأحد هو حجم الحرب هذه.
والبرهان يخفض حجم الحرس الرئاسي إلى النصف (وكأنها إشارة إلى جهة ما)، واثنان من كبار القادة يحتدان في الجدال (المنصوري ورئيس الأركان). نكتب هذا لنرسم القلق والشعور بشيء يقترب… والخطأ في الحساب.
والقصف يبدأ في أماكن كثيرة من بينها فيلا الرئاسة حيث البرهان مساء السبت 15 أبريل. وعملية إخلاء البرهان معروفة…
وفي مساء اليوم الثالث للحرب كان بيع حميدتي.
…
ومخابرات الميناء تضبط شحنة مهمة جدًا تتجه إلى الإمارات… والشحنة كانت مهمة إلى درجة أن الإمارات تتقدم للمساومة: الإفراج عن الشحنة هذه في مقابل تسليمكم حميدتي.
والإمارات كانت بالصفقة هذه تصطاد عصافير… كانت قد علمت أن حميدتي يتجه إلى إيقاف الحرب بعد أن فشل الانقلاب الذي كان قد أُعد إعدادًا يكفي لاكتساح عواصم أوروبية، والإمارات بتسليم حميدتي تضمن استمرار الحرب.
والصفقة تتم…
ومنصف ليل الثالث من أيام الحرب كان حميدتي يخرج من القيادة/قيادته/، وعربة أمامه هي عربة الحرس، وأخرى خلفه هي عربة جهاز تشويش الطيران/والطائرة التي كانت تنتظر العربة تحلّق…
والتشويش يتعطل… والطائرة تقصف عربة حميدتي وتذهب… والحرس يحملون حميدتي إلى مستشفى شرق النيل.
قال أحد الأطباء: (جاءوني بمصاب ووجهه مغطى… قلت: مستحيل أن أعالج مريضًا بهذا الشكل. وكشفوا وجهه… كان هو حميدتي… كانت ساقه اليمنى مقطوعة من منتصف الفخذ… وإصابة كبيرة في العنق… وإصابات أخرى… وعرفت أن الرجل هذا لم يبق له إلا ساعات… وعرفت أنه إن مات تحت العلاج قتلني أتباعه. فطلبت أن يُؤتى بطبيب سميته لهم للعمل معي… وقبل أن نصل إلى شيء كان اشتباك ينفجر جنوب المستشفى… والحرس يخطفون حميدتي ويهربون به ناحية الجريف).
…
واحدهم في الفيس يحكي ليقول: (كنت تاسع تسعة في مكتب من مكاتب قيادة الدعم، لما دخل علينا دقلو، وعلى ثيابه الدم، ليقول لنا: هناك أمر مهم… لا أحدثكم به إلا بعد القسم).
قال: (وظننت أننا سوف نقسم على المصحف، لكنني وجدت دقلو يقول: اقلعوا… كان القسم عندهم هو خلع السروال… وكان معنا امرأة، لكنهم جعلوها تخلع… وكان القسم للبيعة… بيعة عبد الرحيم دقلو قائدًا… وكان هذا يعني أن حميدتي قد ذهب).
…
وكان هذا يعني أن مشروع الإمارات/استمرار الحرب/ يستمر… وكان التركيز الهائل على ضرب المدرعات والقيادة يبدأ.
(3)
كانت المعلومات العاجلة تقول إن طائرة سوف تقصف الطابق الأول من قصر الضيافة حيث البرهان… وعملية الإخلاء تبدأ…
الأمن والحرس الرئاسي ينقلون البرهان إلى إدارة الحرس الرئاسي شمال الفيلا، وهناك يدخل سكرتير البرهان الذي كان في الإمارات… يدخل جريًا… وطائرة من مقعدين تحمل البرهان.
…
في اليوم ذاته كان دكتور بكري (عقيد/طبيب) يتصل بدكتور مرحب ليقول:
(المستشفى فارغ… الناس طلعت… أنا وعقيد طبيب محمد صلاح الآن هناك، ودكتور خالد ومحمد حسن… هنا اثنان فقط: عمر الشيخ ورائد إيهاب… وعقيد بدر الدين مصاب… والجرحى كثيرون…).
..
كل هذا إنما نرسم به أجواء الخلط والألم والبحث المجنون عن وسائل للرد على العدو… والسرد يطول…
ونتجاوز نماذج ونماذج… منها مشهد الرائد الذي (لما أصبح الجوع يهدد حياة المقاتلين في المهندسين) ينطلق بعربته وسط مطر الموت حتى شارع المعونة، ويكسر مخزن أحد المطاعم الكبيرة هناك، ويحمل الدقيق، ويعود به مقتحمًا الدعم، ويقف بعربته في ساحة القيادة… ويسند رأسه على إطار القيادة… ميتًا بعد أن نزف آخر قطرة من دمه.
…
والرد الذي يبدأ لتحرير العاصمة تفاصيله لا تنتهي… لكن معركة شارع الإنقاذ كانت هي الأعظم.
كانت خمس أسلحة تتدفق إلى هناك، وكان حشد الدعم يتمدد هناك… والجسور والطرقات والقيادة تحت قبضته وقبضة القناصة من فوق الجسور الأربعة والأبراج على جانبي النيل…
لكن الثالثة عصرًا كانت تشهد لقاء الأسلحة الخمسة قريبًا من منطقة موقف شندي… والمعركة التي تكاد الرشاشات فيها/من الجانبين/ أن تتلامس… معركة لها حديث آخر… لكن مغيب الشمس كان يشهد كتل الدعم تتعثر متراجعة حتى شركة سيقا… ثم جزء منها يهرب غربًا والآخر شرقًا.
والجزء الذي يهرب شرقًا هو الذي كان يضرب شرق النيل… بينما الآخر يُباد.
كل المعارك كان هدفها الأول هو إبعاد الجيش عن ضرب القصر… واستحالة الخروج من المدرعات.
يبقى أن مواقع الفيسبوك كانت تشهد أحد القادة الجنوبيين وهو يصور إعدام جندي هناك وهو يضحك متفاخرًا… بعدها بعشر ثوانٍ كانت رصاصة تحت جمجمته ترسله إلى جهنم.
… وأمثلة لا تنتهي.
إسحق أحمد فضل الله